لقد فعلت فعلها الطائفية ومزقت النسيج الجميل للمجتمع العراقي وحولت بغداد الجميلة الى تجمعات طائفية شكلت ديموغرافية جديدة , فكل عراقي اخذ يسكن مع ابناء طائفته تحسباً لقادم الايام فلا يدري متى ستنشب الحرب الطائفية ليس المكان فقط قد تغيير بل حتى الاسماء قد تغيرت , بالماضي كانت تطلق على المواليد الجدد اسماء مثل ( رعد , ليث , عادل , لؤي , قصي , كمال , كامل ….) اليوم الاسماء هي الاخرى اصبحت تدل على طائفة دون اخرى اصبحت الاسماء ( علي , حيدر , حسين , سجاد , مشجتبى , منتظر , حسن ….) او ( عمر , ابو بكر , عثمان , هارون …..) .
في الماضي كانت ( هوسات الزفة للعريسين) مثل ( بنت الشيخ لابن الشيخ جبناها …) او ( جبنالك ورور محد لاعب بيه….) اليوم اصبحت الهوسات ( احضريالمهدي بهذا العرس وبارك بيه , طلعت يا الزهرة تلكيها , زفيناه بصاية حيدر… ).
بالمناسبة حتى الزواج اصبحت الطائفة تتحكم به , كذلك خطبة مجالس العزاء قد تغيرت , بالماضي كان السيد او الشيخ المعمم يلقي كلمة في اليوم الثالث من العزاء يحث اهل المتوفي على الصبر ويدعو للمتوفي ان يرحمهُ الله ولامناص من ذكر واقعة الطف وقليل من ( الفراكيات) اما اليوم اصبح هذا المعمم يلقي مواضيع فلسفية يظهر فيها اساس الخلاف مع الطائفة الاخرى لكي يؤلب طائفته على الطائفة الاخرى ويخلق الكراهية .
سيارة الاجرة عندما تجلس بها تسمع اناشيد دينيه , ماعدنا نسمع اغاني الزمن الجميل . كل شيء تغير تشاهد على جانبي الطريق اعلام ومقولات لرموز دينية تنبئك بأن العراقيين يعيشون مرحلة جديدة , جو مملوء بالشحن الطائفي ناهيك عن الخوف والقلق من المفخخات وعمليات الخطف المبرمجة .
هذا التطرف والشحن جعل الشباب يضيق من كل شيء واصبح متمرد على مجتمعه خصوصا مواليد الثمانينيات والتسعينات من القرن الماضي اذ انهم فتحوا اعينهم على حروب وحصار ودمار وفتن طائفية , تمردوا على كل شيء واصبح همهم الاول والاخير رفض مايحدث والسعي للهروب خارج الوطن . اما مواليد الالفين فحدث بلا حرج يعيشون بمتاهة تارة طائفين وتارة اخرى متحررين حتى من ملابسهم , وهذا مايخشى منه اذ ان التطرف يؤدي الى انهيار كل شيء .
مقابل هذا كله تجد فئة المثقفين يعملون جاهدين على نشر ثقافة التسامح والسلام وتذكير المجتمع بأنهم كانوا في الماضي القريب متحدين ومتعايشين ومتصاهرين ومتجاورين , حين تستمع اليهم تنفرج اساريرك وتتفاءل خيراً ولكن ادواتهم قليلة وضعفية لانهم بعيدون عن السلطة ولايملكون المال الكافي لنشر افكارهم ولكنك تشعر بأنهم مقاتلين اشداء يسعون من اجل اعادة لحمة المجتمع انهم على سباق مع الزمن الذي يقوده الطائفين لرمي الوطن في قاع الفتنة , حين تستمع اليهم تقول اننا مازلنا على قيد الوطن لان مفردة الوطنية قد الغيت من قواميس الساسة المتحكمين في السلطة أذ اصبحت مفردة المكون هي البديل للوطنية , لكن الامل يحدونا ويخبرنا اننا مازلنا على قيد الحياة العراقية الاصيلة .