23 ديسمبر، 2024 5:03 ص

مارينا تسفيتايفا وبوشكينها

مارينا تسفيتايفا وبوشكينها

أصدرت الشاعرة الروسية الكبيرة مارينا ايفانوفنا تسفيتايفا ( 1892 – 1941 ) كتيبا عنوانه ( بوشكين..ي ) , اي بوشكينها الذي يخصها , او الذي – كأنما – تعود ملكيته لها , وهو عنوان صعب بالنسبة للترجمة العربية , فاذا كتبناه هكذا – ( بوشكيني ) حسب قواعد الضمائر المتصلة ( مثل كتابي او صديقي .. ) فانه سيعني بالعربية صفة من الاسم (بوشكين ) , اي بوشكيني النزعة او الاتجاه ..الخ , واذا كتبناه ( بوشكيننا ) فانه سيبتعد قليلا عن المعنى الذي قصدته الشاعرة تسفيتايفا نفسها, و التي ارادت ان تقول ان الشاعر الروسي الكبير بوشكين هو خاص بها فقط وليس ( بنا نحن ) , وعليه يجب على المترجم ان يجد البديل اللغوي الذي يمكن ان يعبر عن ذلك العنوان , وليست هذه بالمهمة السهلة , اذ تقتضي الاستطراد والشرح الاضافي مع ضرورة الحفاظ في نفس الوقت على بساطة وجمالية ورشاقة هذا العنوان المتفرد ودقته , ولهذا استعملت هنا الضمير الثالث (الغائب ) في عنوان مقالتي هذه وجعلت من الشاعر الروسي بوشكين – بوشكينها , للتعبير عن عنوان كتيب تسفيتايفا ذاك , واذكر ان زميلي في جامعة بغداد الدكتور جميل نصيف التكريتي طلب مني مرة في بغداد اي كتاب روسي عن بوشكين من مكتبتي الشخصية لغرض ترجمته من الروسية الى العربية ضمن منشورات وزارة الاعلام العراقية لانه حصل على موافقتها لترجمة كتاب تسفيتايفا هذا ولكنه اصطدم بصعوبة ذلك وعدم استطاعته انجاز ترجمته واقعيا , فاعطيته كتاب الباحث الروسي بيتروف عن بوشكين والذي ترجمه فعلا الى العربية ونشرته وزارة الاعلام العراقية في حينها , وقد اطلعت شخصيا على كتيب تسفيتايفا هذا وفهمت ان الدكتور جميل نصيف التكريتي كان محقا بموقفه ذاك فعلا لانه لم يطلع في حينها على كتيب هذه الشاعرة بدقة وبالتفصيل – قبل اقتراحه ترجمة

الكتاب – , ولم يقرأ بامعان كل سطوره الذاتية البحتة , والتي كتبتها تسفيتايفا في فترة هجرتها من روسيا , والتي عكست فيها كل حنينها الى طفولتها وايامها الخوالي في وطنها روسيا وهي في هذا البعد والحنين والغربة, وبالتالي فان هذا الكتيب لم يكن مناسبا فعلا لترجمته الى اللغة العربية لانه صعب ومعقد جدا بالنسبة لترجمته الى العربية , و لانه لا يرسم صورة شاملة و متكاملة لبوشكين – الشاعر والكاتب الروسي الكبير بالنسبة للقارئ العربي او حتى بالنسبة للقارئ الاجنبي بشكل عام .

ان كتيب تسفيتايفا عن بوشكين – قبل كل شئ – هو صورة قلمية ذاتية جدا لافكارها عن بوشكين وتصوراتها الشخصية البحتة عن هذا الشاعر العملاق ليس الا وقد كتبته للقارئ الروسي بالذات فقط والذي يفقه ويتفهم بعمق اهمية بوشكين وقيمته وروعته وتميٌزه منذ نعومة أظفار هذا القارئ كما يقال , وانه بالتالي لا يمكن ان يمثٌل للقارئ غير الروسي صورة متكاملة لبوشكين ابدا , او ان يرسم لوحة شاملة لكل ابعاد ادبه وشاعريته المتنوعة والعبقرية والتي كانت تستوعب كل جوانب الحياة الروسية آنذاك و تعكس كل تعقيداتها وتناقضاتها ومشاكلها الاجتماعية و تجسٌد كل ابعادها الانسانية في نفس الوقت طبعا .

يقع هذا الكتيب ( الذي اصدرته تسفيتايفا عام 1937 خارج روسيا , اذ انها هاجرت منها في عام 1922 وعادت اليها عام 1939 ) في صفحات قليلة نسبيا ليس الا , وهو ليس عملا ادبيا متكاملا , او بحثا نقديا لنتاجات بوشكين الهائلة والمتنوعة جدا والمتميزة , وانما هو خواطر وذكريات كتبتها تسفيتايفا نثرا – ولكنه نثر بقلم شاعرة كبيرة ومتميزة طبعا – , والذي يمكن اعتباره دراسة ذاتية سايكولوجية لانطباعاتها – كشاعرة – اثناء طفولتها حول ابداع بوشكين , وانه كلمات شاعرة روسية في القرن العشرين عن شاعر روسي عملاق في القرن التاسع عشر, كلمات مصاغة بنثر شاعري نسائي رشيق وانيق وذاتي جدا .

لم يتقبل النقد الادبي الروسي في حينه هذا الكتيب بشكل ايجابي عموماواعتبره وكأنه محاولة ( للاستحواذ الشخصي ) من قبل تسفيتايفا على شاعرية بوشكين, مما اضطر الشاعرة ان تبدأ بالدفاع عن كتيبها هذا , مؤكدة ان لكل مبدع روسي يوجد رأي ذاتي بشأن بوشكين لانه عظيم ومهم وكبير في مسيرة الادب الروسي , وبالتالي فان هناك حق لكل مبدع روسي ان يعبٌر عن وجهة نظره تجاه بوشكين وأن يعتبره كاتبا خاصا به ويرتبط بشكل او بآخر مع مسيرته الابداعية الذاتية وان يسميه ( بوشكينه ), وانها لم تقصد ( الاستحواذ ! ) عليه وجعله ملكا لها كما يدعون , وانما ارادت ان تتحدث عنه من وجهة نظرها ومن الزاوية التي تنظر اليه منها وما الذي يمثٌله وما الذي يعنيه بالنسبة لها. ومن الطريف ان نشير الى وجهة نظر الشاعرة الروسية الكبيرة آنا أخماتوفا حول ذلك الموضوع , اذ ان أخماتوفا كانت ترى ان تسفيتايفا (.. بعيدة عن بوشكين اكثر من ثلاثة فراسخ .. ) , ولم تكن تعترف ابدا بتناسق تسفتايفا مع شعر بوشكين وتناغمه معه , وعلى الرغم من ان أخماتوفا كتبت كثيرا عن بوشكين , الا انها – حسب ما أشار اليه نقاد الادب الروسي وهم على حق – لم ( تتجاسر ! ) ابدا ان تكتب عنه كما كتبت تسفيتايفا , ولم تعتبره ( بوشكينها ) , رغم انها كانت تؤكد دائما على كتاباتها حول بوشكين , بل انها أشارت الى ذلك حتى في رسائلها الى ستالين , عندما طلبت منه الافراج عن ابنها من المعتقلات آنذاك ( انظر مقالتنا بعنوان – رسالتان من آنٌا أخماتوفا الى ستالين – من وثائق الادب الروسي ) .

ختاما لهذا العرض السريع لكتيب تسفيايفا نقدم للقارئ بعض السطور منه , والتي يمكن ان تعكس طبيعة ذلك النص وذاتيته وحلاوته –

( يبدأ فصل الرواية الموجودة على طاولة كل جداتنا وامهاتنا – وهي للروائية شارلوت برونتي الكاتبة الانكليزية في القرن التاسع عشر – عن سر الغرفة الحمراء … في الغرفة الحمراء كان هناك دولاب سريٌ …لكن قبل الدولاب السري كان هناك شئ آخر , كانت لوحة في غرفة نوم امي

وعنوانها – المبارزة …. هناك ثلج وغصينات سوداء لاشجار و شخصان بالاسود يقودان شخصا ثالثا من تحت ابطيه نحو الزلاقات , وشخص آخر بمفرده وهو يذهب وقد بدا ظهره فقط … الذي يحملونه – بوشكين, والذي يذهب – دانتيس . دانتيس دعا بوشكين للمبارزة , انه استدرجه الى حيث الثلج , وهناك , بين الاشجار السوداء الخالية من الاغصان , قتله .

اول شئ عرفته عن بوشكين – بانهم قتلوه , بعدئذ عرفت ان بوشكين – شاعر , وان دانتيس – فرنسي . دانتيس كان يكره بوشكين لانه لا يستطيع ان يكتب قصائد …واستدرجه الى حيث الثلج , وهناك قتله باطلاقة مسدس أصابت بطنه..وهكذا علمت وانا في السنة الثالثة من عمري وبصورة اكيدة بانه توجد لدى الشاعر بطن .. وعندما استعرض كل الشعراء الذين التقيت بهم طوال حياتي – أتذكر بطونهم .. التي غالبا ما كانت شبه جائعة …)

مارينا تسفيتايفا وبوشكينها
أصدرت الشاعرة الروسية الكبيرة مارينا ايفانوفنا تسفيتايفا ( 1892 – 1941 ) كتيبا عنوانه ( بوشكين..ي ) , اي بوشكينها الذي يخصها , او الذي – كأنما – تعود ملكيته لها , وهو عنوان صعب بالنسبة للترجمة العربية , فاذا كتبناه هكذا – ( بوشكيني ) حسب قواعد الضمائر المتصلة ( مثل كتابي او صديقي .. ) فانه سيعني بالعربية صفة من الاسم (بوشكين ) , اي بوشكيني النزعة او الاتجاه ..الخ , واذا كتبناه ( بوشكيننا ) فانه سيبتعد قليلا عن المعنى الذي قصدته الشاعرة تسفيتايفا نفسها, و التي ارادت ان تقول ان الشاعر الروسي الكبير بوشكين هو خاص بها فقط وليس ( بنا نحن ) , وعليه يجب على المترجم ان يجد البديل اللغوي الذي يمكن ان يعبر عن ذلك العنوان , وليست هذه بالمهمة السهلة , اذ تقتضي الاستطراد والشرح الاضافي مع ضرورة الحفاظ في نفس الوقت على بساطة وجمالية ورشاقة هذا العنوان المتفرد ودقته , ولهذا استعملت هنا الضمير الثالث (الغائب ) في عنوان مقالتي هذه وجعلت من الشاعر الروسي بوشكين – بوشكينها , للتعبير عن عنوان كتيب تسفيتايفا ذاك , واذكر ان زميلي في جامعة بغداد الدكتور جميل نصيف التكريتي طلب مني مرة في بغداد اي كتاب روسي عن بوشكين من مكتبتي الشخصية لغرض ترجمته من الروسية الى العربية ضمن منشورات وزارة الاعلام العراقية لانه حصل على موافقتها لترجمة كتاب تسفيتايفا هذا ولكنه اصطدم بصعوبة ذلك وعدم استطاعته انجاز ترجمته واقعيا , فاعطيته كتاب الباحث الروسي بيتروف عن بوشكين والذي ترجمه فعلا الى العربية ونشرته وزارة الاعلام العراقية في حينها , وقد اطلعت شخصيا على كتيب تسفيتايفا هذا وفهمت ان الدكتور جميل نصيف التكريتي كان محقا بموقفه ذاك فعلا لانه لم يطلع في حينها على كتيب هذه الشاعرة بدقة وبالتفصيل – قبل اقتراحه ترجمة

الكتاب – , ولم يقرأ بامعان كل سطوره الذاتية البحتة , والتي كتبتها تسفيتايفا في فترة هجرتها من روسيا , والتي عكست فيها كل حنينها الى طفولتها وايامها الخوالي في وطنها روسيا وهي في هذا البعد والحنين والغربة, وبالتالي فان هذا الكتيب لم يكن مناسبا فعلا لترجمته الى اللغة العربية لانه صعب ومعقد جدا بالنسبة لترجمته الى العربية , و لانه لا يرسم صورة شاملة و متكاملة لبوشكين – الشاعر والكاتب الروسي الكبير بالنسبة للقارئ العربي او حتى بالنسبة للقارئ الاجنبي بشكل عام .

ان كتيب تسفيتايفا عن بوشكين – قبل كل شئ – هو صورة قلمية ذاتية جدا لافكارها عن بوشكين وتصوراتها الشخصية البحتة عن هذا الشاعر العملاق ليس الا وقد كتبته للقارئ الروسي بالذات فقط والذي يفقه ويتفهم بعمق اهمية بوشكين وقيمته وروعته وتميٌزه منذ نعومة أظفار هذا القارئ كما يقال , وانه بالتالي لا يمكن ان يمثٌل للقارئ غير الروسي صورة متكاملة لبوشكين ابدا , او ان يرسم لوحة شاملة لكل ابعاد ادبه وشاعريته المتنوعة والعبقرية والتي كانت تستوعب كل جوانب الحياة الروسية آنذاك و تعكس كل تعقيداتها وتناقضاتها ومشاكلها الاجتماعية و تجسٌد كل ابعادها الانسانية في نفس الوقت طبعا .

يقع هذا الكتيب ( الذي اصدرته تسفيتايفا عام 1937 خارج روسيا , اذ انها هاجرت منها في عام 1922 وعادت اليها عام 1939 ) في صفحات قليلة نسبيا ليس الا , وهو ليس عملا ادبيا متكاملا , او بحثا نقديا لنتاجات بوشكين الهائلة والمتنوعة جدا والمتميزة , وانما هو خواطر وذكريات كتبتها تسفيتايفا نثرا – ولكنه نثر بقلم شاعرة كبيرة ومتميزة طبعا – , والذي يمكن اعتباره دراسة ذاتية سايكولوجية لانطباعاتها – كشاعرة – اثناء طفولتها حول ابداع بوشكين , وانه كلمات شاعرة روسية في القرن العشرين عن شاعر روسي عملاق في القرن التاسع عشر, كلمات مصاغة بنثر شاعري نسائي رشيق وانيق وذاتي جدا .

لم يتقبل النقد الادبي الروسي في حينه هذا الكتيب بشكل ايجابي عموماواعتبره وكأنه محاولة ( للاستحواذ الشخصي ) من قبل تسفيتايفا على شاعرية بوشكين, مما اضطر الشاعرة ان تبدأ بالدفاع عن كتيبها هذا , مؤكدة ان لكل مبدع روسي يوجد رأي ذاتي بشأن بوشكين لانه عظيم ومهم وكبير في مسيرة الادب الروسي , وبالتالي فان هناك حق لكل مبدع روسي ان يعبٌر عن وجهة نظره تجاه بوشكين وأن يعتبره كاتبا خاصا به ويرتبط بشكل او بآخر مع مسيرته الابداعية الذاتية وان يسميه ( بوشكينه ), وانها لم تقصد ( الاستحواذ ! ) عليه وجعله ملكا لها كما يدعون , وانما ارادت ان تتحدث عنه من وجهة نظرها ومن الزاوية التي تنظر اليه منها وما الذي يمثٌله وما الذي يعنيه بالنسبة لها. ومن الطريف ان نشير الى وجهة نظر الشاعرة الروسية الكبيرة آنا أخماتوفا حول ذلك الموضوع , اذ ان أخماتوفا كانت ترى ان تسفيتايفا (.. بعيدة عن بوشكين اكثر من ثلاثة فراسخ .. ) , ولم تكن تعترف ابدا بتناسق تسفتايفا مع شعر بوشكين وتناغمه معه , وعلى الرغم من ان أخماتوفا كتبت كثيرا عن بوشكين , الا انها – حسب ما أشار اليه نقاد الادب الروسي وهم على حق – لم ( تتجاسر ! ) ابدا ان تكتب عنه كما كتبت تسفيتايفا , ولم تعتبره ( بوشكينها ) , رغم انها كانت تؤكد دائما على كتاباتها حول بوشكين , بل انها أشارت الى ذلك حتى في رسائلها الى ستالين , عندما طلبت منه الافراج عن ابنها من المعتقلات آنذاك ( انظر مقالتنا بعنوان – رسالتان من آنٌا أخماتوفا الى ستالين – من وثائق الادب الروسي ) .

ختاما لهذا العرض السريع لكتيب تسفيايفا نقدم للقارئ بعض السطور منه , والتي يمكن ان تعكس طبيعة ذلك النص وذاتيته وحلاوته –

( يبدأ فصل الرواية الموجودة على طاولة كل جداتنا وامهاتنا – وهي للروائية شارلوت برونتي الكاتبة الانكليزية في القرن التاسع عشر – عن سر الغرفة الحمراء … في الغرفة الحمراء كان هناك دولاب سريٌ …لكن قبل الدولاب السري كان هناك شئ آخر , كانت لوحة في غرفة نوم امي

وعنوانها – المبارزة …. هناك ثلج وغصينات سوداء لاشجار و شخصان بالاسود يقودان شخصا ثالثا من تحت ابطيه نحو الزلاقات , وشخص آخر بمفرده وهو يذهب وقد بدا ظهره فقط … الذي يحملونه – بوشكين, والذي يذهب – دانتيس . دانتيس دعا بوشكين للمبارزة , انه استدرجه الى حيث الثلج , وهناك , بين الاشجار السوداء الخالية من الاغصان , قتله .

اول شئ عرفته عن بوشكين – بانهم قتلوه , بعدئذ عرفت ان بوشكين – شاعر , وان دانتيس – فرنسي . دانتيس كان يكره بوشكين لانه لا يستطيع ان يكتب قصائد …واستدرجه الى حيث الثلج , وهناك قتله باطلاقة مسدس أصابت بطنه..وهكذا علمت وانا في السنة الثالثة من عمري وبصورة اكيدة بانه توجد لدى الشاعر بطن .. وعندما استعرض كل الشعراء الذين التقيت بهم طوال حياتي – أتذكر بطونهم .. التي غالبا ما كانت شبه جائعة …)