لا يتوقف الباحث الأستاذ باسم حسين غلب عن التنقيب في تاريخ البصرة، بحثا عن ما يخص معالم المدينة وشخصياتها وفي كتابه (مارية بطلة كربلاء في البصرة) من اصدارات المكتبة الأهلية في 2023
يعزز بحثه التاريخي بمصادر موثوقة. وهو يقول (مثلما تحتاج المدن القديمة لعمليات تنقيب وبحث وتحديد مواقع ودراسة ميدانية، فأن الشخصيات التاريخية التي لها مواقف مشرفة، تحتاج هي الأخرى للبحث لإبراز دورها بالشكل الذي يليق بمواقفها العقائدية، لرفع الحيف الذي وصل إلى مستوى ضياع تفاصيل دقيقة ومهمة عن مواقف هذه المرأة البصرية البطلة التي واجهت تحديات كبيرة في ظروف مرتبطة بحركة تصحيح فكري وإنساني انطلقت من مكة مروراً بالمدينة المنورة، وصولا إلى العراق(كربلاء).. / ص73) وفي بداية كتابه يتحدث الباحث، عن أهم سجايا هذه المرأة البصرية التي بادرت بكل شجاعة في تلك الفترة من الظلم الأموي وحولت(منزلها إلى مقر عمليات تناقش فيه الخطط العسكرية المطلوبة، ورفع الحالة المعنوية بين صفوف الرجال الذين توافدوا إلى دارها../ ص14) فمن هي مارية ..؟ يقولالباحث أنها من ذوات الشرف في البصرة وأن والدها من حملة الرايات مع علي ابن أبي طالب – عليه السلام – في ملحمة معركة الجمل التي كلفت مارية كثيرا، فصارت(أرملة لشهيد وأمٌ لشهداء قضوا نحبهم في نُصرة أمير المؤمنين –ع- / ص29) وتساءلتُ أثناء قراءتي الكتاب كيف وافق الرجال على أن تقودهم امرأة مهما كانت منزلتها المشرّفة؟ فكان الجواب هو ما يقوله الباحث : أن المجتمع البصري، مجتمعٌ متحضر، لذا تقبل زعامة امرأة لحراك سياسي عسكري. ثانيا قوة شخصيتها وشجاعتها الميدانية وعلاقاتها الطيبة مع المجتمع البصري، كما أن لها قدرة مالية خاصة مكنتها من تمويل الحركة المساندة لثورة الحسين عليه السلام فهي تملك الأموال والبساتين لذا تمكنت من شراء، الأسلحة والمؤنة وكذلك كان تحت أمرها العيون التي تراقب مجريات الحياة المدنية والعسكرية، ويقول الباحث (في البصرة لعب الوعي والتحضر دوراً مهما في انبثاق جبهة معارضة للخط الأموي، وقد تمثلت حالة الوعي بالحضور النخبوي لوجهاء البصرة ِورموزها لدار مارية../ 51) وبجهودها ارسلت مارية أربع دفعات من المقاتلين إلى الحسين عليه السلام كما يقول الباحث في ص61،وهذا الموقف يجسد أقوى أنواع التحدي، إذيومها كانت البصرة مطوقة بأمر الحاكم الاموي عبيد الله ابن زياد.. وحين تقاعس بعض الرجال عن نصرة الحسين انتقلت مارية
من العمل السري إلى العمل العلني وصارت تقف على عتبة باب بيتها
(صارخة باكية غاضبة/ 66) وأوصلها موقفها العلني الثوري إلى سجون بني أمية وبعد شهور تعادل سنوات ٍ توفيت مارية في سجنها فتحررت من الجبروت إلى الملكوت الإلهي..
مارية هي النموذج الحي على أهمية دور المرأة البصرية في مناحي الحياة كافة.. ولا يسعني إلا أن ابارك هذا الجهد البحثي العميق الذي بذله الأستاذ الباحث باسم حسين غلب في كتابه( مارية بطل كربلاء في البصرة)