ينطبق قول برنارد شو” إنه لا يعرف شيئا، لكنه يظن إنه يعرف كل شيء، وهذا يعني بأنه سيكون له مستقبل سياسي”، على غالبية ساسة العراق ومنهم وزير الخارجية إبراهيم الجعفري.
آخر نشاطات وزارة الخارجية العراقية على الساحتين الدولية والعربية تمثل في مواقف شاذة تعبر عن ضحالة النشاط الدبلوماسي الذي يتزعمه وزير خارجية حزب الدعوة إبراهيم الجعفري المتخصص في شؤون الحملة داريه، يصحبه في إدارته العبثية مارد القمقم وكادر دبلوماسي متخصص في العلوم البيطرية والهندسية والزراعية والبيولوجية الا ما ندر، فصارت الخارجية أشبه بسفينة نوح تضم جميع الأصناف. فقد كشف مصدر في وزارة الخارجية العراقية عن إرسال مخاطبات رسمية إلى دول أوروبية معنية بالشأن العراقي” تحذّر من التعامل مع شخصيات ومنظمات معارضة، قد (تكون مرتبطة) بحزب البعث المحظور في العراق”. بمعنى الوزارة غير مـتأكدة فعليا من إرتباط هذه المنظمات والمعارضين بحزب البعث، ومع هذا تطالب الجهات الأوربيية بالحذر منهم! حسنا! إذا عجزت حكومة العبادي عن التحقيق في هويتهم ومعرفة ميولهم السياسية فكيف تستطيع الحكومات الغربية التحقق منها سواء العلنية أو غير العلنية بمعنى التعاطف؟
ربما أدركت الوزارة ـ مع إنها عسيرة الفهم والأدراك ـ بأن هذه الحجة غير كافية للطعن في هوية المشاركين، فإستعانت بذريعة أخرى لا تقل عن الأولى سذاجة ” بينهم شخصيات مطلوبة للقضاء العراقي بتهم تتعلق بالإرهاب والتحريض على العنف”. وجائت الصفعة سريعة بتبرئة نائب رئيس الجمهورية السابق طارق الهاشمي من قبل الأنتربول وحذف إسمه من قائمة المطلوبين بعد أن تبين أن الإتهامات ضده فبركها طاغية العصر نوري المالكي بالتعاون مع قاضي القضاة مدحت المذموم، وهذا شأن عشرات الآلاف من السجناء والمعتقلين، فأطاحت التبرئة بمصداقية الحكومة العراقية وقضاءها المسيس، وكشفت مخطاطاتها الشيطانية للعالم.
وذكر الناعق والناهق الدعوجي لوزارة الخارجية حزب الدعوة، المدعو أحمد جمال وهو أحد الدخلاء على الوزارة المهجنة بالقول” أن بعض الجهات حاولت الترويج لعقد مؤتمر تأسيسي في باريس للمعارضة العراقية”. مضيفا بأن شائعات أطلقت أن المؤتمر سينعقد بمشاركة وزير الخارجية الفرنسي. مع ان المنطق والفهم في العلاقات الدولية يفترض عدم حضور أي من اعضاء الحكومة الفرنسية الى المؤتمر حفاظا على العلاقات الثنائية، وعادة ما يحضر زعماء سابقون أو نواب متعاطفون ومعظمهم من المتقاعدين الى هذه المؤتمرات، والمشارك عادة يمثل نفسه فقط ولا يمثل البرلمان أو رؤيته. لكن أنى يفهم الأمعات المحسوبين على الدبلوماسية العراقية هذه الأمور ورب الدار تخصصه حملة دار؟
المفاجأة ان الحضور الفرنسي كان أهم من مشاركة أي وزير فرنسي في الحكومة الحالية، فقد حضرت الجلسة الإفتتاحية للمؤتمر أهم شخصية فرنسية وهو ( دومينيك دو فيلبان) رئيس الحكومة الفرنسية السابق، وقد أطلق قنبلة مدوية بقوله ” سيادة العراق منذ عام 2003 مشكوك فيها. وهذا ما قلناه للرئيس جاك شيراك، وسألناه حينها كيف يمكن فرض الديمقراطية على بلد بالقوة والعراق مفتت؟” وعندما يشكك شخص مثل فيلبان في سيادة العراق، فيفترض على الجعفري أن يضع جانبا كراسة (مراسم الحج) ويقرأ أي كتاب يتحدث عن معنى السيادة ليفهمها، ولا بأس ان يستعين بمارد القمقم ليفهمة كينونية السيادة، وماهية إحترام الشؤون الداخلية لبقية الدول.
أما ان ترسل وزارة الخارجية المسؤول الأمني الدعوجي عبد الله الفياض لإقناع الحكومة الفرنسية بعدم إستضافة مؤتمر المعارضة العراقية، ويرعد ويهدد بإتخاذ موقف سلبي أزاء فرنسا، فهذا بربٌي في قمة الغباء! المفروض أن توكل المهمة بوزير الخارجية نفسه أو السفير العراقي في باريس، وليس مسؤول أمني لحزب الدعوة. كما أن إستضافة أي مؤتمر معارض هو شأن فرنسي داخلي ولا يجوز التدخل فيه من قبل بقية الدول، ولكن يمكن الإلتماس من الحكومة الفرنسية عبر القنوات الدبلوماسية للإستفسار عن طبيعة المؤتمر فقط لا غير. أما التهديد بإتخاذ موقف ضد فرنسا فهو حمق ما بعده من حمق! عندما يظن الفأر بإنه يستطيع أن يواجه القط، بلا شك سيقهقه القط كثيرا على هذا التحدي الساذج.
مع هذا فأن الدبلوماسية الفرنسية تعاملت بحكمة مع الفياض، كان لا بد أن يستفيق من جهله، وبث شحنة من نور المعرفة في عقله الحالك الظلمة، عندما ذكروه بأن فرنسا إستضافت عشرات المؤتمرات للمعارضة العراقية قبل الغزو الغاشم، ولم يعارض الحكم الوطني السابق (الدكتاتوري كما يصفونه) هذه المؤتمرات أو يتخذ موقفا سلبيا تجاه الدول التي إستضافتها، على العكس من الحكم (الديمقراطي الحالي المزعوم). بمعنى (هل تحلون لأنفسكم وتحرمون على الآخرين). لو أطلع الفياض (جزار مخيم أشرف وليبرتي) على تأريخ فرنسا ومباديءالثورة الفرنسية والدستور الفرنسي أو القانون الدولي كحد أدنى، ما كان بحاجة لهذه الزيارة الخائبة، ولكان وفر مصروفات الإيفاد الباهظة للخزينة الخاوية. الدول الأوربية تستضيف المئات من المؤتمرات الدولية بغض النظر عن الموقف الرسمي للحكومة من مباديء وآراء هذه المؤتمرات وما يتمخض عنها من قرارات هي غير ملزمة بطبيعة الحال للحكومة الفرنسية. الحكومة ذات السيادة لها خطوط ثابتة في العلاقات الدولية والتعامل مع الجهات المعارضة لبقية الدول، ولا يمكن أن تتنازل عنها من أجل الفياض او الجعفري. وهذا الموقف الفرنسي تجاه الحكومة العراقية أثبت مقدار الجهل والحمق في الدبلوماسية العراقية. صدق نيوتن بقوله” نحن نبني الكثير من الجدران، ولكننا لا نبني الكثير من الجسور”
وبنفس الروح الجاهلية طالب وزير الخارجية العراقية الحكومة الأردنية بتسليم :شخصيّات مطلوبة للقضاء العراقيّ والمتواجدة على الأراضي الأردنية”. والغريب أن الطلب تم خلال اللقاء مع القنصل الأردني في أربيل هيثم عليان، ويبدو ان الخارجية لا تعرف مهام القنصل وإلا لما فاتحت القنصل حول طلب يفترض أن يسلم الى السفير الأردني في العراق وليس القنصل. يحتاج الجعفري ومستشاروه العباقرة الإطلاع على مهام القنصل لمعرفة مسؤولياته التي تتعلق بإصدار وتمديد الجوازات ومنح السمات والوكالات العامة والخاصة، وإصدار شهادات الولادة والوفاة، ومتابعة شؤون الجالية الأردنية في العراق. والأغرب من هذا كله انه تجاوز الخطوط الحمراء الأردنية بطلب تسليم السيدة كريمة الرئيس الراحل صدام حسين رحمه الله بتهمة الإرهاب، ولا نفهم كيف تمارس السيدة رغد الإرهاب وهي أصلا غير مسموح لها ممارسة أي دور سياسي في الأردن! ثم كيف تسلمها الأردن وهي حاصلة على حق اللجوء ومشمولة بضوابط إتفاقية المفوضية العليا للاجئين؟ وهل سلمت الأردن وبقية الدول في الغرب والشرق عناصر المعارضة العراقية السابقة لحكومة البعث؟ حتى يطالب الجعفري المقابلة بالمثل؟ وهل يظن الجعفري أن دول العالم والأنتربول يعترفان بقضاء مدحت المحموم! أي عاقل ولديه 1% من المعلومات في العلاقات العامة وليس الدولية سيقول للجعفري الا لحمقكم من حدود؟ أغلق قمقمك الخائب، وإرمه في النهر!
وللحديث تكملة..