عندما أعلن الرئيس ترامب انسحاب الولايات المتحدة من شمال شرق سوريا، تخلّى بذلك عن القوات الكردية التي حاربت إلى جانب الولايات المتحدة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» لصالح تركيا ومهّد الطريق لاحتمال عودة “النسخة الثانية” من تنظيم “داعش”. وبصرف النظر عن الأبعاد الأخلاقية والإنسانية لهذا القرار، أظهرت التطورات اللاحقة أنه كان قراراً متهوراً. فقد جاء ككارثة أظهرت إلى جميع أعداء الولايات المتحدة وحلفائها أنه لا يمكن الاعتماد إلى حد كبير على القوة العظمى الوحيدة في العالم كونها متقلّبة على نحو غير مسؤول. وربما الأسوأ من ذلك كان القرار غير مترابط مع الأسس الاستراتيجية لإدارة ترامب الواردة في “استراتيجية الأمن القومي” الأمريكية لعام 2017. وكان من المفترض أن يكون التنافس بين القوى العظمى هو برنامج العمل السائد اليوم، ولكنّ التحركات في سوريا كانت بمثابة تنازل واضح لكل من روسيا وإيران.
وفي خضمّ الصخب العام ضاع النظر في الآثار المحدّدة لقرار ترامب. ويمثّل العراق دراسة حالة جيّدة. فعلى الرغم من حديث ترامب عن الانسحاب من الشرق الأوسط ككلّ، تبقى الولايات المتحدة منخرطة في العراق في المستقبل القريب. وبالفعل، سيتم نقل عدد من القوات الأمريكية من سوريا إلى العراق، مع استمرار الولايات المتحدة في تقديم دعمها لجهود مكافحة الإرهاب التي تقوم بها بغداد. وعلى الرغم من أن الالتزام الأمريكي تجاه البلاد – وتجاه الشرق الأوسط على نطاق أوسع – أصبح أكثر غموضاً على المدى الطويل في ظل الأحداث الأخيرة، إلا أنه يجدر دراسة الرهانات الجيوسياسية في العراق، خاصة فيما يتعلق بروسيا، لكي يتم بشكل أوضح فهم الكيفية التي يتم تعرض هذه الرهانات للخطر من خلال الخطوة الأخيرة التي اتخذها ترامب.
هناك عناصر للقوة الناعمة والقوة الصارمة تتّسم بها الاستراتيجية الروسية في العراق، وكان لها تأثير ملموس لفترة من الوقت. فالكرملين يقوم بعقد صفقات وبناء علاقات في مجال الطاقة، والهياكل الأمنية، والمشهد الإعلامي في البلاد، ومع الحكومة أيضاً. وعندما استضاف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف نظيره العراقي محمد علي الحكيم في موسكو في كانون الثاني/يناير 2019، قال: “نحن مهتمون جداً بزيادة علاقاتنا التجارية والاقتصادية والاستثمارية”. وحول زيارة لافروف للعراق قال السفير العراقي في روسيا حيدر منصور هادي إن زيارة الوزير الروسي لا تُظهر فقط اهتماماً بتطوير علاقات أفضل مع العراق، بل “بتسوية الأوضاع في المنطقة” أيضاً. وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها لافروف إلى بغداد وإربيل هذا الشهر، قال إن روسيا والعراق يشاركان الرأي نفسه حول سوريا.
لقد تجاوز إجمالي استثمارات روسيا في مجال الطاقة في العراق 10 مليارات دولار، نتيجةً لسنوات من جهود الكرملين للعودة إلى العراق بعد حرب عام 2003، حين قامت الحكومة الجديدة في بغداد بإلغاء العديد من عقود الطاقة المبرمة مع روسيا في عهد صدام حسين. وفي شباط/ فبراير 2008، شطبت موسكو الجزء الأكبر من ديون العراق من فترة الحقبة السوفييتية البالغة 12.9 مليار دولار مقابل عقد اتفاق في مجال النفط بقيمة 4 مليارات دولار شمل الوصول إلى “غرب القرنة 2″، أحد أكبر حقول النفط في العالم.
وفي عام 2012، دخلت شركتَي “لوك أويل” و”غازبروم نفط” الروسيتين سوق الطاقة في “كردستان العراق” وفازتا بعدد من العقود. وبعد ثلاث سنوات، ومع بدء شركات الطاقة الأمريكية بتقليص وجودها جزئياً [في العراق] بسبب المخاوف الأمنية، قامت «حكومة إقليم كردستان» بدعوة المزيد من الشركات الروسية. ووقّعت شركة النفط الروسية العملاقة “روزنفت” التي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في عام 2014، عقوداً نفطية مع كلّ من بغداد و«حكومة إقليم كردستان». كما قدّمت موسكو قرضاً لـ «حكومة إقليم كردستان» بقيمة 3.5 مليار دولار، يتم سداده مستقبلاً لشركة “روزنفت” عن طريق النفط. وأعاد هذا التمويل شريان الحياة المالي لـ «حكومة إقليم كردستان» في عزّ مشاكلها ووفّر لها درجة من النفوذ تجاه بغداد التي تريد السيطرة على مبيعات نفط «حكومة إقليم كردستان»، ولكن عليها الآن التعامل مع “روزنفت” بشأن هذه المسألة. بالإضافة إلى ذلك، اشترت الشركة الروسية حصة كبرى في خط أنابيب نفط تابع لـ «حكومة إقليم كردستان» يصل إلى تركيا ووافقت على بناء خط أنابيب موازٍ للغاز. وبالنسبة لموسكو، تُعتبر الطاقة أداة للسياسة الخارجية إلى حد كبير، ويكون للسيطرة على خط أنابيب تداعيات استراتيجية طويلة الأجل، ليس لـ «حكومة إقليم كردستان» وبغداد فحسب، بل لتركيا أيضاً.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2013، بدأت موسكو بتسليم الأسلحة إلى العراق كجزء من صفقة أسلحة بقيمة 4.2 مليار دولار، أعيد إحياؤها بعد انسحاب العراق منها في العام الذي سبق، بسبب مزاعم بالفساد. وفي أوائل عام 2014، أرجأت واشنطن تسليم طائرات مقاتلة من طراز “أف-16” وطائرات هليكوبتر من طراز “أباتشي” إلى العراق بسبب مماطلة الكونغرس من جهة، وعدم تزامن العملية البيروقراطية الطويلة للبرنامج مع الوضع الفوري على الأرض من جهة أخرى. وفي هذا الصدد، ناشد رئيس الوزراء العراقي آنذاك حيدر العبادي بوتين الذي وفّر بسرعة 12 طائرة مقاتلة إلى بغداد، دون أيّ قيود. ووصلت الدفعة الأولى من طائرات “أف -16” في تموز/ يوليو 2015، وأعقبتها المزيد من الطائرات على مرّ السنين. ولكن الأمر الأكثر أهمية هو احتياج العراقيين أيضاً في أوائل عام 2014 إلى قيام الولايات المتحدة بتوجيه غارات جوية ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية»، إلا أنّ البيت الأبيض أرجأ القيام بذلك حتى آب/ أغسطس من العام نفسه. وخلال المحادثات التي أجريتُها في بغداد الشهر الماضي، لا يزال العراقيون يتذكرّون السرعة التي وصلت فيها الأسلحة الروسية في وقت كانوا بأمسّ الحاجة إليها. وقد ساعد تسليم موسكو السريع للأسلحة في تشكيل تصوّر لبوتين كشخص ساعد العراق في محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية».
وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بعد أيام من إعلان موسكو تدخلها في سوريا، افتُتح في بغداد مركز جديد لتبادل المعلومات الاستخباراتية، ضمّ موظفين روس وإيرانيين وسوريين، بمشاركة أفراد من «حزب الله»، بهدف توفير معلومات استخباراتية عن الغارات الجوية التي تستهدف مقاتلي تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي الواقع، لم يحقق المركز شيئاً في هذا الصدد، لكنه نجح بدلاً من ذلك في إعطاء موسكو سبباً مشروعاً للحفاظ على وجود استخباراتي لها في العراق.
وبالكاد تبدو موسكو وكأنها الجهة المهيمنة في العراق، ولكنّها تبنت تصوراً بأنها، بخلاف الولايات المتحدة، لا تعِد بالكثير – ولكنها، عندما تعطي وعوداً تفي بها. ومنذ كانون الأول/ ديسمبر 2018، بدأ التخطيط لإعادة فتح المركز الثقافي العراقي-الروسي في بغداد، الذي أغلقته موسكو في عام 2003. وفي هذا السياق، تسهم قناة “آر تي العربية” في تشكيل صورة إيجابية عن الكرملين، ويعتبر العراقيون هذا المنفذ الإعلامي مصدراً مشروعاً للمعلومات. ومن بين ادعاءات قناة “آر تي العربية” أن روسيا قاتلت تنظيم «الدولة الإسلامية» بصورة مستمرة. كما تُظهر موسكو نفسها أيضاً كدولة تهتم بحقوق الإنسان من خلال إعادة أطفال المواطنين الروس الذين انضموا إلى التنظيم في العراق وسوريا [إلى روسيا]. وفي الوقت نفسه، علّقت الحكومة العراقية بث قناة “الحرة عراق” الممولة من قبل الولايات المتحدة بعد أن بثّت ادعاءات بالفساد الذي يكتنف رجال الدين.
وتوفّر موسكو لطلاب الجامعات العراقية عدداً صغيراً من المنح الدراسية للدراسة في روسيا، ولاحظ لافروف أن “عشرات الدبلوماسيين من العراق يشاركون في دورات تدريبية خاصة في “الأكاديمية الدبلوماسية” بوزارة الخارجية الروسية”. وفي هذا السياق، وقّع وزير التعليم العالي العراقي قصي السهيل مذكرة تفاهم في أيلول/ سبتمبر لزيادة المنح الدراسية الروسية للعراقيين وتوسيع نطاق التعاون. يُشار إلى أنّ العراقيين يميلون بشكل عام إلى تفضيل الدراسة في الغرب، إلاّ أنّ التكاليف الباهظة والعقبات البيروقراطية غالباً ما تقف في طريقهم. بالإضافة إلى ذلك، تلقّى العديد من كبار الضباط في الجيش العراقي، ممن لديهم خبرة في العراق ما قبل عام 2003، تدريبات في الاتحاد السوفيتي، خلافاً للجيل الأصغر سناً الذي عمل بشكل أساسي مع الولايات المتحدة.
وتواجه موسكو منافسة في العراق من إيران، لكنّ الروس يميلون إلى محاولة التعاون مع إيران بدلاً من العمل تجاه أهداف متعارضة. وقد وحّدت معاداة أمريكا والمعارضة المشتركة للنفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط كلا البلدين لسنوات، غير أنّ البلدين لم يكونا متّسقان على هذا النحو لقرون، ولكن الحرب في سوريا، على وجه الخصوص، رفعت الشراكة إلى مستويات غير مسبوقة.
كما تعمل بغداد على توسيع نطاق التواصل مع الصين كجزء من جهد أوسع نطاقاً لتمويل إعادة الإعمار. ومع استمرار تزايد شهية بكين للطاقة، فستوجه أنظارها نحو الشرق الأوسط بصورة متزايدة. ووفقاً للأرقام العليا، تُعد تجارة روسيا الثنائية مع العراق التي تبلغ 1.7 مليار دولار ضئيلة مقارنة بالأعمال التجارية التي تقوم بها بغداد مع بكين والتي تبلغ قيمتها 30 مليار دولار. ومع ذلك، حينما يتعلق الأمر بتطوير الأمن والطاقة، يلجأ العراق إلى موسكو بدلاً من بكين. وبالنسبة للكثير من الأمريكيين، ثمة شعور عميق بالإرهاق من العراق. وما لا يدركه الكثيرون هو أنه على الرغم من مشاكل البلاد، إلّا أن بعض الحريات المكتسبة بشق الأنفس قد ترسخت منذ سقوط صدام، الطاغية الوحشي الذي أُعجب علانية بجوزيف ستالين. ويواجه العراق اليوم العديد من التحديات الرهيبة، ولكنّ العراقيين لا يخشون طرح أسئلة صعبة على حكومتهم في المنتديات العامة، وهو أمر شاهدْتُه بنفسي خلال رحلتي الأخيرة. ومن الصعب أن نجد ذلك في أي دولة في الشرق الأوسط الكبير، باستثناء إسرائيل وربما تونس. وفي تطور إيجابي آخر، تُظهر استطلاعات الرأي أن الطائفية في العراق قد تراجعت في السنوات الأخيرة، مع تزايد عدد المواطنين الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم عراقيون أولاً.
تجدر الإشارة إلى إنّ الانسحاب الذي أعلنه الرئيس ترامب يلحق أضراراً جسيمة بمصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط الكبير، ولكنّ واشنطن لا تزال قادرة على الانخراط في العراق – ويجب عليها أن تفعل ذلك، ليس فقط لضمان الأمن ومواجهة النفوذ الإيراني (الذي ما زال يُعد ذو أهمية للبيت الأبيض كما يُفترض)، بل النفوذ الروسي أيضاً، حيث تُعتبر روسيا واحدة من المنافسين الصاعدين المحددين في استراتيجية الأمن القومي الأمريكية. ولن يكون هذا الانطلاق سهلاً، ولكن إذا استمرت الولايات المتحدة في عدم إعطاء الأولوية للعراق، فمن المؤكد أن يضيع هذا الانطلاق أمام المد الاستبدادي المتصاعد الذي يجتاح المنطقة. يجب أن نتذكر أولاً، الحقيقة البديهية القائلة بأن ما يحدث في الشرق الأوسط نادراً ما يبقى في الشرق الأوسط.
سنركز الحديث عن ثلاث نقاط، الاولى السلوك الامريكي حيال العملية السياسية في العراق منذ عام 2003 وحتى الوقت الحاضر، والثانية قراءة للمشاريع الامريكية المطروحة للتعامل مع الوضع السياسي قي العراق، والثالثة نظرة مستقبلية لمآلات السلوك الامريكي وكيف ستتعامل مع الحالة السياسية القادمة ومن المهم وضمن مناقشة موضوع السلوك السياسي الامريكي القول انه انطلق من توجه نحو منطقة الشرق الاوسط ومنها العراق قوامه تغير الانظمة التي وصفتها الولايات المتحدة بالاستبدادية وتدشين الديمقراطية، اذ كان هذين المصطلحين الاكثر صخبا في الخطابات الامريكية،ومع ذلك لم يكن لاحتلال العراق اي علاقة بالديمقراطية، فالحجتين اللتان سوقتا لاحتلاله تتعلق احداهما بادعائهم امتلاكه اسلحة الدمار الشامل، والثانية تتعلق بالعلاقة المزعومة بين النظام الحاكم في العراق وبين تنظيم القاعدة .الا ان بدء المقاومة العراقية للمحتل الامريكي جعلت مسار الاحتلال ياخذ منحى جديد، كما انه اعاد رسم الخطط الامريكية من جديد، فالقوات اخذت اوامرها بالبقاء، والتدخل الامريكي في الشان الداخلي العراق ازداد، واصبح لابد من تبرير لكل ذلك، وهنا دخل موضوع نشر الديمقراطية على الخط، فتحت هذه الحجة وحجة الحرية وحقوق الانسان عمدت الولايات المتحدة للبحث عن ادوات اخرى للسيطرة والهيمنة بعيدا عن ادوات الاحتلال التقليدي للسيطرة الامبريالية، اذ كانت واشنطن تسعى للهيمنة العسكرية والسياسية والاقتصادية على العراق والمنطقة وبسط نفوذها، وكان ما يعلن ان الولايات المتحدة تريد القضاء على الارهاب واحداث التغيير الديمقراطي، وفي سبيل ذلك وجدنا ان الرئيس بوش الابن مثلا قام بتبني ما سمي( استراتيجية تقدمية للحرية) وطلب من الصندوق الوطني للديمقراطية NED تخصيص مبلغ 40 مليون دولار من ميزانية الصندوق المخصصة للشرق الاوسط، وبحساب الارقام فان ذلك يعادل ما تم انفاقه خلال سنوات التغيير في صربيا مجتمعة. وفي سبيل ذلك ايضا روج الوزير كولن باول لما سماها ( المبادرة الامريكية للديمقراطية في العالم العربي) وقد خصصت الادارة الامريكية مبلغ 29 مليون دولار لتنفيذها، واستمر انفاق الاموال التي لم يكن هدفها الحقيقي التحول الديمقراطي بقدر ماكان الهدف ايجاد بيئة داخلية في العراق وبلدان الشرق الاوسط تقبل بالمشاريع الامريكية للمنطقة وفي سبيل تحقيق الاهداف ذاتها، ظهرت دراسات كثيرة ترسم للولايات المتحدة مسارات التحرك، لكننا في هذا الصدد نشير الى واحدة من اهم تلك الدراسات رغم قدمها فهي صدرت عام 2003، ونقول اهم لاننا نراها واقعية وقابلة للتطبيق في السنوات القادمة على العراق، تلك الدراسة التي اعدت بناء على طلب من وكالة الاستخبارات الامريكية ، وعنوانها “الاسلام المدني الديمقراطي، الشركاء والمصادر والاستراتيجيات” ، وتكمن اهميتها في انها بمثابة مسح جيولوجي لمعالم المجتمعات الاسلامية من الداخل بحثا عن شريك مستقبلي يمكن ان يحقق المرامي الامريكية، وقد قسمت الدراسة الكتل الاسلامية الفاعلة الى اربع وهي:ّ
1- الاصوليون او الراديكاليون: وهؤلاء يرفضون القيم الديمقراطية والثقافة الغربية المعاصرة.
2- التقليديون: ويسعى هؤلاء نحو مجتمع محافظ، ويرتابون في دعوات الحضارة والابتكار ( ومن بينهم تيار الاسلام السياسي)
3- الحداثيون: يريدون ان يصبح العالم الاسلامي جزءا من الحداثة العالمية وتحديث الاسلام ( ومنهم تيار فتح الله غولن في تركيا).
4- العلمانيون: وقالت الدراسة عنهم انهم افضل من يمكن ان يكونوا شريكا رئيسيا للولايات المتحدة داخل العالم الاسلامي، الا ان الدراسة ذاتها اوصت صانع القرار الامريكي بعدم تفضيل التحالف معهم لسببين: ان اغلبهم ذو توجهات مناهضة للامركة وانهم قوميون او يساريون، وثانيا لان عددهم قليل وهم اقلية داخل تلك المجتمعات. وبالتالي فالدراسة فضلت التعامل مع الاسلاميين، ومالم تذكره الدراسة وفهمته الاداراة الامريكية انها يجب ان تهيء المسرح لتقبل صعود العلمانيين للسلطة، وهذا مافعلته الولايات المتحدة براينا، فالعراق الان مهيء لتقبل صعود العلمانيين لانها اي الولايات المتحدة عمدت الى افشال تجربة الاسلام السياسي ووضعت كل العوائق امام امكانية بناء دولة عراقية متطورة ليصل الشعب لقناعة ان التغيير امر اصبح لازما وان تيارات الاسلام السياسي غير قادرة على النهوض بالعراق.
وعليه نتساءل: بعد 17 عاما من تلك الدراسة هل ستعود الولايات المتحدة للتغيير بالتحالف مع من قالت عنهم انهم الافضل بالنسبة للسياسة الامريكية؟ ان دراسة ماهية السلوك السياسي الامريكي في المدة القادمة تعتمد على عدد من المدخلات على فرض انهاء وجود تنظيم داعش، منها ما يتعلق بالوضع الداخلي في العراق، لا سيما موضوع اقليم كردستان ومستقبل تطيق نتيجة الاستفتاء الذي جرى يوم 25 ايلول عام 2017 وقالت المفوضية الكردية للانتخابات ان نسبة من قال نعم من عدد المشاركين كانت تفوق ال 92 بالمئة باجزاء من العشرة، وما سيجلبه الوضع الجديد من تاثيرات بالقطع لن تكون ايجابية على العملية السياسية في العراق وكذلك على الاوضاع الامنية وضمن الحديث عما تقدم، فالولايات المتحدة امام العلن اعنت انها غير موافقة على ماجرى في الاستفتاء، وانها لا تعترف بالنتائج، وهذا ما اصدرته السفارة الامريكية في العراق يوم 29 ايلول، لكن ما خلف الستار يحيلنا للقول ان الولايات المتحدة موافقة على موضوع الاستفتاء لكن الخلاف مع البارزاني حول الزمان والمكان، فلم توافق عليه الان، ولم تكن المناطق المتنازع عليها ضمن الاتفاق، ولكن بالمحصلة وكما كتب السفير الامريكي الاسبق في العراق زلماي خليل زاد او الملك زاد كما يسمونه في واشنطن مقاله الذي نشرته صحيفة الواشنطن بوست الامريكية يوم 25 ايلول بعنوان ” لقد صوت الاكراد.. ماذا على واشنطن العمل الان” وقال فيه ان على الولايات المتحدة القبول بالوضع الحالي والتعامل معه كامر واقع والعمل على الحيلولة دون وقوع اي صدام مسلح في المنطقة لان الاكراد هم خير حليف للامريكان..”، وهذا يتفق مع ما اعلنه الجنرال جوزيف دنفورد خلال جلسة مجلس الشيوخ للموافقة عليه رئيسا للاركان يوم 9 حزيران 2015عندما قال ان الاكراد هم القوة البرية الاكبر فعالية في سوريا والعراق وبدأنا في تسليحهم وتدريبهم . ويحضرني هنا ايضا موقف الولايات المتحدة الذي رفض قرار الحكومة العراقية بغلق المجال الجوي في شمال العراق . ان المثالين اعلاه، مدعومين بما جرى في مؤتمر ميونخ للامن والسياسات الدفاعية يوم 17 شباط 2017 عندما حضر البارزاني بوفد منفصل عن العبادي وكانه رئيس دولة مستقلة واستقبل وعومل كذلك، وعندما نشر تغريدته ” احضر لمؤتمر ميونخ بهدف تعزيز العلاقات بين اقليم كردستان وشركائه في التحالف الدولي” فان الولايات المتحدة كانت راضية بكل ذلك وتعامل كردستان وكانها جزء منفصل عن العراق وان الولايات المتحدة تعلم بكل ماجرى، بالتالي فما حصل له علاقة بالسلوك الامريكي القادم تجاه العراق، والذي نراه سيكون وفق المعادلة الاتية: ترضية الاكراد في مقابل اجراء تغييرات واسعة في بغداد تخدم المصالح الامريكية والمشروع الامريكي، اولها تغيير على مستوى العملية السياسية اشار له البارزاني بوضوح متفقا مع الامريكان في ذلك فقال ” لن اعمل بعد الان مع حكومة طائفية ودينية” كما سماها هو، وهذا يعني ان عودة الاكراد للمشروع يعني اجراء تغييرات سياسية وانهاء هيمنة الاسلام السياسي . ان السلوك الامريكي القادم تجاه العراق سيركز على عودة الانغماس في الشان العراقي بعد سنوات من الانكفاء للوراء كما ارادت ذلك ادارتي اوباما، وسيكون السلوك الجديد ميالا للتدخل في الشؤون السياسية والعسكرية والاقتصادية، وما تقوم به اللجنة الامريكية لمكافحة الفساد التي ارسلتها الولايات المتحدة، الا بداية لكشف ملفات كبيرة ستؤثر على مجريات الواقع السياسي في العراق، والولايات المتحدة تهيء المسرح لدورها القادم، داخل منقسم قابل للانفجار في اي لحظة، دفع دول عربية للتدخل في العراق والبحث عن ادوار كانت ممنوعة من تاديتها منذ عام 2003، العمل على تقليل الدور الايراني في العراق، ضبط الدور التركي، عودة جديدة للشركات الامنية الامريكية بلباس ومهمات جديدة، ومن ثم فان العودة للانغماس والتغيير سيشكل العلامة القادمة للسلوك الامريكي تجاه العراق والذي قد ياخذ واحد من اتجاهين،الاتجاه الاول الاعتماد على مجموعة جديدة لحكم العراق تعمد لاعادة ترميمه من جديد ليعود ليمارس دوره المفقود مدعومة بالرضا التركي السياسي، و الدعم الامني الامريكي والمالي الخليجي. اما الاتجاه الثاني فانها ستلجا لتقسيم العراق الى اقليمين كما يؤيد ذلك رئيس الاركان الامريكي دنفورد الذي قال “ان العراق لايصلح ان يقسم سوى لدولتين دولة للشيعة ودولة للاكراد اما السنة فلا يستطيعون انشاء اقليمهم او دولتهم”. واذا ما حصل ذلك فاعتقد ان السنة سيلتحقون بدولة كردستان وهناك اصوات تدعو لذلك. او ان الامريكان سيعودون لمشروع جوزيف بايدن وتقسيم العراق لثلاثة اقسام. وفي كل الاحوال فان الاقاليم الجديدة ستعيش المشاكل البينية المتراكمة، ولا ننسى ابدا الدور الاسرائيلي الذي وافق عليه الاكراد علنا بوصفهم الداعم الاكبر لهم، الامر الذي يبنبئ بتغييرات واسعة قد لا تخدم العراق بقدر خدمة المشروع الامريكي القادم في العراق والمنطقة