الوطن الجغرافي المحدود، مفهوم يتضارب مع فقه الخلافة والأمامة، ولذلك تشهد إنعكاسات هذا الفقه الخطير على الوطن وروح المواطنة، حتى باتت كل جهة تناشد فقهائها وبابواتها عبر الحدود، لتستعين بها على الداخل، بل ولاتستحي من المضاربة بالعمالة للخارج علناً، وهو ما أعلن موت الوطن وحلول الإحتلال الشرعي، ومنه ليتكالب الخارج على تقطيع أوصال شعب الوطن في الداخل بما يخدم أجنداته السياسية ومصالحه الإقتصادية.
الوطن والروح الوطنية في فقه رجال الدين: هو من مستجدات ثقافة الفكر الإستعماري التي لاتنسجم مع القول الرباني عن الخلافة كما فَقِهوا.
من هنا نقول: لانستطيع ضمان الوطن من التدخل الخارجي لتكريس مفهوم الوطنية وحب الوطن وشجب العمالة أو جعلها مفسدة عظيمة، وكيف لنا ذلك والفقهاء هم من رخّص بها وعدها شرعاً مصحلة مفيدة.
بسبب هذه الثقافة الفقهية، نرى ضرورة خروج الناس من الفقه الى الدين للحد من تحكُّم المراجع بإرادة الشعب، من كونها تزرع قواعد التربية التبعية الفقهية لهم، لتحصد قيادات لاتستحي من العمالة لمراجع مذهبها في دولة أخرى على حساب مصلحة الوطن وقوانينه، وهذا هو المستشري في عقلية التابع لهم اليوم ولانحتاج لدليل وشاهد أكثر من أوضاع العراق السياسية.
كيف يتناغم مفهوم الوطنية ومفهوم الخلافة والإمامة الدينية التي تكرس له المراجع فقهاً؟
إن أردنا إحياء الوطن ومفهوم الوطنية والسلم الإجتماعي، علينا نبذ التربية الفقهية الماضوية للحد من ساحة ومساحة مقبولية الإملاءات الخارجية التي أفسدت العباد والبلاد، وقسمت الشعب العربي ذو الغالبية المسلمة الى ظالم ومظلوم أو حسينٍ ويزيد ولازالت تكرس لهذه الحكاية لتحيا بها ويموت حاضر ومستقبل السلم الأهلي للشعب.
العلمانية كحل للوضع العراقي بالخصوص والعربي بالعموم، لا تعادي الدين بل تحترم وتحمي كافة الأديان وتعمل على جعل خصوصياتهم حقاً مشروعاً لهم، ولاتتخذ الدولة لها دين، ولا تنفق على دين، خدمةً لمآربها، على حساب دين آخر، فهي خالية من تربية العداء والإستعداء، لأن توجهها إحترام الجميع وتسعى لزرع الألفة والمحبة بين الناس على الأقل في نظامها ومجتمعها ليعم السلم الإجتماعي، فما يحصل اليوم هو فخ فقهي ماضوي سقيم جداً، يتكز على عقلية أحقية الخلافة، ومراده ديمومة الدوران في غياهب الجُّب الفقهي، ليُخمر عقول الناس ويسكرهم عن أوضاعهم حاضراً ومآلهم مستقبلاً.