لم يكن غريباً على دولة مثل الولايات المتحدة أن يفرز نظامها رئيساً ضمن مقاسات دونالد ترامب، فالخطاب الذي يتحدث به ترامب ليس جديداً على ذهنية هذه الدولة، لكن الجديد في الأمر إن حديث ترامب تحول إلى مواثيق للسياسة الأمريكية بعد أن كان مجرد شعارات في عهد الرئيس بايدن.
الحقيقة التي لا مناص منها أن العالم تحكمه القوة وهي التي تحدد مصائر الشعوب.
تسقط حكومات وتولد أخرى بسبب القوة والهيمنة وليس بغيرها.
يُدرك الرئيس الجديد للولايات المتحدة أن القوة الإقتصادية هي التي تفرض سطوتها على الشعوب وليس الجيوش المجهزة بأرقى أنواع التكنولوجيا، ولذلك شاهد العالم تجربة ترامب السابقة في حروبه الإقتصادية مع الصين عندما فرض حصاراً تكنولوجياً ضد شركة هواوي الصينية.
ليس مبالغة أن نتحدث عن كارثة إقتصادية ستصيب العراق فيما لو نفّذ ترامب وعده وأوقف الحروب مما قد يجعل سعر برميل النفط ينخفض إلى مادون الخمسين دولاراً، وكيف ستفي الحكومة العراقية بإلتزامها في توفير رواتب الموظفين والقطاع الخاص وفي تسيير أمور البلاد الإقتصادية التي تعيش على تصدير النفط وبيعه.
ما يشغلنا من حديث ترامب هو كيف سيكون حال العراق من هذه السياسة؟ وماهو جديد ترامب للمنطقة التي يكون العراق ضمن مساحتها الجغرافية؟.
بدايةً كل التوقعات تؤكد إن سياسة ترامب سوف تتغير من “التفاهمات” إلى مصطلح “القوة” في العراق، فالرئيس الجديد لا ينسى مذكرة إلقاء القبض التي أصدرها بحقه القضاء العراقي، ولن يمر عليه ذلك الحديث الذي كان متداولاً عن دعم أطراف عراقية للمنافس الديمقراطي في الإنتخابات الأمريكية، والأهم هو إستعادة الدور الأمريكي لقوته في العراق بعد أن هيمنت الفصائل المسلحة على القرار السياسي والإقتصادي للبلد.
هل سيُفرض التطبيع على العراقيين مع إسرائيل كشرط لدعم النظام السياسي في بلدهم؟ ليس مستبعداً بل كل الإحتمالات تشير إلى ذلك.
لايخفى على ألسنة العراقيين السؤال التالي وهو هل يوافق ترامب على الإنسحاب الأمريكي الكامل من العراق وترك المجال مفتوحاً لإيران في التمدد؟.
لايحتاج الجواب إلى متحذلق للإجابة بأنه من المستحيلات أن يسمح بذلك، لذلك سيكون من المبكر الحديث عن مغادرة الجيش الأمريكي الأراضي العراقية وترك واعدهم، بل قد يعمل العكس ويزيد من أعداد الجنود على الأراضي العراقية.
من جانبها تُدرك إيران إن ترامب لن يقدم لها العراق على طبق من ذهب كما فعل سابقه بايدن في “المهادنة” مع إيران وفصائلها وإن القادم أسوء مع تأكيدات أمريكية إن إيران حاولت إغتيال ترامب أثناء حملته الإنتخابية وحديث الإدارة الأمريكية الحالية من إن ذلك قد يدخل في خانة الأعمال الحربية، لذلك يتداول أن الجارة الشرقية طلبت من قادة الفصائل المسلحة مغادرة العراق خوفاً من الإنتقام الأمريكي وحاولت التعجيل من إختيار رئيس برلمان عراقي من الجبهة السنية المتحالفة مع طهران من أجل تأمين المزيد من القوانين التي تصب في صالح القوى المدعومة من خارج الحدود، مستغلة حالة الضعف التي مرت بها السياسة الأمريكية في عهد الرئيس السابق بايدن.
يُدرك ترامب أن القرار العراقي ليس مملوكاً بيد الحكومة العراقية، بل بيد الفصائل المسلحة خصوصاً عندما سمعنا من يقول منهم أن قرار السلم والحرب ليس بيد الحكومة بل بيد الفصائل متى ما قررت ذلك.
المشرعون الجمهوريون الذين تمكنوا من السيطرة على مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي بعد فوز مرشحهم ترامب لرئاسة البيت الأبيض سيسعون إلى تشريع قوانين توقف تمويل رواتب الحشد الشعبي ومشاريع مرتبطة به مثل شركة “المهندس” عبر الفيدرالي الأمريكي بسبب إستخدام هذه الأموال لتمويل جماعات مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني وهو ما قد يسعى إليه ترامب في فترته القادمة.
الطبقة السياسية في العراق تعلم أن قدوم ترامب إلى البيت الأبيض لا يبشر بخير بعد أن كان الوضع هادئاً ومستسلماً لإرادة الفصائل المسلحة في الوقت السابق وتعلم جيداً إن مابعد فترة ترامب ليس كما كانت قبلها، خصوصاً مع إقتراب قدوم سفيرة جديدة لأمريكا إلى العراق بديلاً عن رومانوسكي التي ستغادر قريباً.
وكما هو مناخ العراق المتقلّب سيكون الوضع السياسي في العراق متقلباً ومتغيراً في ظل متغيرات إقليمية تشبه لعبة الدومينو يكون العراق ضمن إحدى أحجارها التي تتساقط بالتتابع وهو ما قد يؤشر إلى بداية تختلف عما كانت عليه في السابق.