كل دول العالم ، بسلطاتها وأجهزتها ، تتسابق في تقديم الخدمات لمواطنيها وتبذل أقصى جهودها من أجل رفاهيته وتبسيط حياته ، وفي الواقع أن هذا هو فن السياسة الحقيقي بأعتبار أن المواطن هو الغاية من كل هذه الجهود .
ومن خلال معايشة طويلة ومريرة (بل كارثية) ، للعراق منذ عام 2003 ولغاية هذه اللحظة ، لاحظنا أن المواطن آخر ما يهم الطبقة الحاكمة التي أمسكت (بخناق) السلطة في البلد ، حتى أختنق !، قلت الطبقة الحاكمة ولم أقل السياسيون ، فلا يوجد أثر للسياسة في أفعال هؤلاء ، انها أقرب ما تكون توجهات للعصابات والمافيات ، كلٌ بمنطقته ونفوذه وأختصاصه ، ولاحظنا أن المواطن لا يشكل سوى رقما بنظرها ، تتشدّق به الحكومة أمام الدول المانحة والمصارف لأستجداء القروض والمُنح ! ، حتى لو كان (شايلوك) بالذات ، وما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة والمزيد من تكبيل المواطن ، فالمواطن هو الذي يدفع الثمن ، وليس المفاوضين الذين لا يهمهم سوى تسجيل هذه القروض كنصر سياسي ! ، وغالبا ما يكون هذا الرقم مهولا فقد تجاوز 35 مليون نسمة على حد زعمهم ، ودون الأخذ بنظر الأعتبار ، ملايين اللاجئين والنازحين ، ملايين الشباب العازفين عن الزواج لخوفهم من المستقبل ولضيق ذات اليد ، مئات الالاف من الشهداء والمغدورين ، والأوبئة والأمراض وموجات النزوح ، وغيرها من الكوارث وكأنه أيام للقيامة وليس يوما واحدا ، فمن أين أتوا بهذا الرقم المهول ، وسط تلك الفوضى ودون ترتيب تعداد سكاني ؟.
ولكن هذا التهويل يتحوّل الى أرقام بخسة ، اذا تعلق الأمر بشهداء التفجيرات ، فيتم الأعلان عن عُشُر العدد الحقيقي للشهداء ، لأن الأمر يتعلق بفشلهم في بسط الأمن ! ، هكذا تحول المواطن الى رقم للمتاجرة به حيا ، ورقما بخسا وهو ميت ! ، كيف لا والمواطن في هذه الفوضى أقل سعرا بكثير من ذبيحة شاة !.نحن الدولة الوحيدة التي تنظر للمواطن على انه عبء عليها تارة ، ومجرد رقم للتصويت في الأنتخابات وهو يحملها على كاهله المتعب تارة أخرى ، وبعيد كل البعد عن كونه غاية ، وتعامله الدولة بأستراتيجية البراغماتية النفعية المقيتة ، وفوق كل ذلك ، لم تتركه وشأنه ، فبالرغم عن رفعها لكل اشكال الدعم ، باتت تنظر اليه كبقرة حلوب !، وتلجأ لكافة السبل للتضييق عليه ، أحد هذه السبل الكثيرة ، قطع (الأنترنيت) أيام التظاهر ، رغم كونها الخدمة الأسوأ في العالم ، وأغلاها ! ، ولم تترك بابا للجباية غير المشروعة أو تفتقر للواقعية الا وطرقته ، وكأنها تهددنا ، تارة بالتجنيد الألزامي ، والفردي والزوجي ، وأجازات السوق ، والبطاقة الموحدة ، ومضاعفتها لأجور الكهرباء المتماوتة ، ورسوم تحت شتى المسميات وهو يراجع دوائر الدولة وبوصولات رسمية ، أكثرها غرابة وصل المرور العامة وقد كُتب عليه (صندوق دعم معوقي ومعوزي الشرطة) ! ، وجبايات صقر بغداد الطائلة التي لم نعرف سر عدم تحرك الدولة على قضية الأحتيال الكبيرة تلك !، والقائمة تطول .
ويتصاعد نشاط البرلمان هذه الأيام ، لا لغرض رفع جزء من الحيف الذي سببوه للمواطن ، لكن لمناقشة أمتيازاتهم ، واستصدار الكثير من الفرمانات الشيطانية ، منها استصدار قرار بمحاسبة كل كاتب ينتقد شخص ما ! ومنها ما تم أقراره بتفعيل نظام الفردي والزوجي ، وللعلم ، ان هذا النظام غير دستوري حسبما أفضى اليّ أحد المحامين ، ومن الخطير جدا أن يكون الدستور العوبة بيد الأقوياء ، خصوصا ان كانوا قذرين !.
ولا أدري هل الدولة غبية أم تستغبي ؟ فهي تعلم أن 90% من هذه الضرائب والرسوم القرقوشية لا تصل لخزائنها ! ، فعلى سبيل المثال ، تم اصطياد العشرات من السيارات المخالفة هذا اليوم في منطقة ساحة بيروت ، ويفضل سائق السيارة (وأنا منهم بصراحة) ، دفع أتاوة للشرطي تبلغ نصف الغرامة البالغة 30 ألف دينار ، بدلا من سحب السنوية واجراآت دفع الغرامة ، والعودة الى مسلسل الأستخفاف والأهمال ، أوأضاعة سنوية السيارة بعد دفع الغرامة مثلما حصل لي ، فطلبوا مني البحث عن صاحب الدراجة في الشوارع !، وبعد جهد جهيد وجدته وقد أحاط به جيش من السائقين ، فما كان منه الا أن أفرغ حاوية دراجته من السنويات على الأرض ، وصرنا نبحث عنها ، كالباحثين في الأزبال !.
أحدى المنظمات العالمية أدرجت البلد في موسوعة (غينيس) للأرقام القياسية ، كأسوأ بلد في العالم ، من حيث عدد القتلى ، والموت والدمار والحرق والهدم وسوء الخدمات والفساد ! ، فليهنأ سياسيونا بهذه الأنجازات !.