5 نوفمبر، 2024 10:59 ص
Search
Close this search box.

ماذا يعني نكران الذات ؟

ماذا يعني نكران الذات ؟

نكران الذات يعني الخروج من شرنقة الانانية الفظيعة الى فضاء الموضوعية والعقلانية، ويعني ايضا :
التخلص من عقدة (العدوانية) ازاء المنافسين و (الدونية) في التعامل مع الاخرين، بعيداً عن الجمود على الأحادية في كل القضايا والمسارات
-1-

ثمة صنف من الناس يبتعدون عن الضوء ، ولكنّ الضوء لا يبتعد عنهم .

إنّهم شديدو النكران لذواتهم …

وهؤلاء الصفوة من الأطياب الذين وهبهم الله عقولاً راجحة، ونفوسا صافية ، وضمائر نقيّة ، فباتوا مبرئين من الانتفاخ الذاتي ، ومن التعلق الشديد بالمظاهر الزائفة ، والعناوين البّراقة …

انّ ( نكران الذات) يحمل من المعاني الأخلاقية روحها وجوهرها، فهو ينطوي على ألوانٍ من الأبعاد العظيمة والصفات الكريمة :

أليس هو التواضع العالي ، والسموّ الذي لايُدانى ولا يُضارع ؟!

أليس نكرانُ الذات انتصاراً على هوى النفس وتشبثاتها الدنيوية العريضة ؟!

أليس لنكران الذات ومضاتُه في حالك الصراعات على المال والجاه والمنصب ؟!

إنّه المحصلة العملية ” للزهد” في أروع مضامينه ومعطياته ..!!

إنّ (نكران الذات) يعكس قوة الإرادة ، وأصالة الشخصية ، على نحو ينأى بها عن الشوائب الذميمة ووسائل الاشتهار السقيمة ؟!

أليس ” نكران الذات” نابعاً من ايمان عميق، يغمر النفس بالسكينة والطمأنينة ويغمرها بالرضا، ويجعلها عازِفةً عن كل العوارض الموقوته؟!

إنّ وراء (نكران الذات) خَلْفيّة ملائكية تترفع عن الأوضار والدنايا ، وترفض المساوات والسباقات نحو الارتكاس في المستنقعات المحمومة…

ومن هنا كان ” نكران الذات ” من أكبر المؤشرات على امتلاك مقومات المجد والرفعة والشموخ …

انّ عشّاق ذواتهم، والهائمين بها، يطبعون الاطنان من (صورهم) الشخصية ، وينفقون الأموال الطائلة لوضعها في الساحات العامة وعلى الجدران كسباً للشهرة …

انهم يريدون بها ( الغَدْرة ) بالسذج والبسطاء من الناس، الذين لايستطيعون التمييز بين الرجال ولا يريدون بها (العَمْرة) ..!!

ولو أنهم أنفقوا جزءً من هذه الأموال الضخمة التي ينفقونها لتلميع ذواتهم، على الفقراء والجياع والبائسين والمستضعفين، لكان خيراً لهم لا في الاخرة فحسب بل في الدنيا والاخرة …

ان فقدان الوسامة والجمال لا يقدح في الرجال ولا يطففُ من شأنهم متى ما كانوا اصحاب مواقف وطنية ، ونزعات انسانية وانفاقات حقيقية في مضامير البر والاحسان والنفع الاجتماعي …

وانّ الوسيم لا تشفع له وسامتُه، ولا تجديه نفعاً عند الناس على الاطلاق، اذا كان انانيا لئيما لا يهتم الاّ بنفسه ومصالحه ومكاسبه وامتيازاته .

-2-

وفي كتب التاريخ والسيرة والأدب والاخلاق قصص وحكايات عن مواقف رائعة ومسارات ناصعة ، تنبض بما يملأ النفس اعجابا، ويُثير فيها

الرغبة في محاكاة تلك الصفوة الطاهرة ، ولكنها سرعان ما تنكفأ وتخبو فيها الجذوة بفعل الواقع الاجتماعي المرير … والعجز عن اجتياز عقباته وصعوباته ومواضعاتِه …

-3-

جاء في كتاب “صفة الصفوة” لابن الجوزي /ج2/ص125 :

عن ابي عبيدة العنبري قال :

لما هبط المسلمون المدائن وجمعوا الأقباض ، أقبل رجلٌ بِحُقٍّ معه ، فدفعه الى صاحب الأقباض ، فقال الذين معه :

ما رأينا مثل هذا قط ، ما يعدله ما عندنا ولا يُقارِبهُ .

فقال له :

هل أخذت منه شيئاً ؟

فقال :

أما والله لولا الله ما أتيتُكُم به ، فعرفوا أنّ للرجل شأنا

فقالوا :

مَنْ انت ؟

فقال :

لا والله لا أخبركم لتحمدوني ، ولا غيركم ليقرظوني ، ولكن أحمد الله وأرضى بثوابه …”

والقصة تشير الى انّ هناك مسؤولاً عن جمع الغنائم وما يستحوذ عليه المسلمون الفاتحون من أموال وأشياء …

وقد عثر أحدهم على (حُقّ) – وهو وعاء صغير يُتخذ من عاج أو زجاج أو غيرهما وتوضع فيه عادة أثمن النفائس من المصوغات والأحجار الكريمة –

وبادر الى تسليمه للمسؤول عن تجميع ما يقع تحت أيدي المسلم الفاتحين من غنائم دون ان يفتح الوعاء ويرى ما فيه ..!!

وبالفعل لقد كان الوعاء باهراً لم يُرَ ما يُشبههُ أو يقاربُه قيمةً وروعةً

وحين سئل :

هل أخذتَ منه شيئا ؟

أجاب :

انه جاء به شعراً منه بالمسؤولية أمام الله ..!!

والمهم انه رفض الكشف عن اسمه وعلّل ذلك بانه لايريد أنْ يحمده الناس على صنيعِهِ ، ولا ليقرظه المقرّظون ، وهو يحمد الله تعالى على ما وفقّه اليه وينتظر جميل ثوابه ..!!

انظر الى ” نكران الذات ” كيف تجلّى، والى هذا الرجل الذي آثر أنْ يكون (الجندي المجهول) .

ان الذين ينكرون ذواتهم لا يريدون المكافأة من الناس، وجلّ ما يريدونه ان ينالوا المثوبة يوم الجزاء من ربّ العالمين

وهنا تكمن العظمة …

ان كثيراً من المشكلات والازمات سببها الغياب الكبير لنكران الذات من قاموس السلطويين ، وعشّاق الدنيا ، والساعين الى الاستحواذ التام على معاقد الأمور ، بعيداً عن اهل الخبرة والنزاهة والوطنية …

انهم يريدون الاستئثار بالمكاسب والامتيازات على حساب الوطن والمواطنين .

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات