27 ديسمبر، 2024 8:03 م

ماذا يصنع الشحيح بنفسه ؟

ماذا يصنع الشحيح بنفسه ؟

-1-
من أخطر الأمراض وافتكها شحُ النفس بالمال ، وحرصها الشديد على الاحتفاظ به بعيداً عن إنفاقِهِ في مواطنه المشروعة والممدوحة …

ويُخيلُّ للشحيح أنَّ الإمساك بالمال ، هو (ربحٌ) محض ،لا تلحقه أية خسارة..!!

وهذا وهم كبير ..!!

انّ الشحيح الذي يكتنز الأموال ويدخرُّها دون انفاق ، يحرم نفسه من أنْ يكون مَصَبّاً للعطاء والصلة من قبل الاذكياء من الأثرياء .

انهم حين يرونه مُقَتِرّا على نفسه يحتقرونه ، ويحجبون عند الأعطيات والصلات والهِبات …

هكذا يصل الى الحرمان .

-2-

ومن طريف ما جاء في هذا الباب ، قصة (جعفر بن يحيى) البرمكي مع ” الأصمعيّ ” ، حيث قيل :

إنّ جعفر بن يحيى ركب يوماً وَأَمَرَ خادماً له أنْ يحمل معه ألف دينار ، وقال لخادِمِه :

سأجعل طريقي على الأصمعي ،

فاذا حَدَّثَني فَرَأَيتِنَي ضحكتُ ، فاجعلها بين يديه :

ونزل جعفر عند الاصمعي ،

وبادر الاصمعي يحدّثه بكل أعجوبة ونادرة تُطرب وتُضحك ، والبرمكي تَفْتَرُ شفتاه عن ابتسامة فضلاً عن ضحكة .

وحين خرج جعفر من عند الأصمعيّ ، قال له خادمه :

رأيت منك عجباً ،

أمرتَ بألف دينار للأصمعي ، وقد حرّكَكَ بكل مُضحِكَة ، وليس من عادتك أن ترّد الى مالِكَ ما قد خرج عنه ،

فقال له جعفر :

ويحك !!

انه قد وصل الى الاصمعي من أموالنا مائة ألف درهم قَبْل هذه المرّة ،

وحين دخلتُ دارَهُ ،

وجدتُ (كلَّ شيء عنده رَثّاً )

-من الثياب الى المقعد الوسخ – ،

وأنا أرى أنَّ لسان النعمة أنطق من لسانِهِ ،

وانَّ ظهور الصنيعة أمدح وأهجى من مدحه وهجائه ،

فعلى أي وَجْه أُعطيه ، اذا كانت الصنيعة لم تَظْهر عنده ، ولم تنطق بالشكر عنه ؟

-3-

إنّ أمثال الاصمعي، البخيل المُقتّرِ على نفسه، كثيرون ، ولكنّ أمثال جعفر بن يحيى قليلون .

إنّ الاصمعي لم يكن متقشفا زاهداً بالمال، بل كان من أشد الناس حرصاً على تجميع المال .

والفرق بين الزهد والحرص كبير للغاية

إنّ الاصمعي كان قد جعل الثياب والأثاث، شِباكاً يصيد بها أموال الأثرياء ، الذين تنطلي عليهم الحيل …!!!

-4-

إنّ العقل هو من أعظم النِعم الإلهية التي مَنَحها الله سبحانه للانسان ، فلماذا يُقدمُ على تعطيله اذن ؟!

انه لابُدَّ ان يتعامل مع الأشخاص والأشياء على ضوء معطياته .

وعندها سوف تتغير الكثير من الأمور ، وتنكشف الحقائق ….

وهنا تكمن العبرة .

*[email protected]