23 ديسمبر، 2024 11:25 ص

ماذا يريد العثمانيون الجدد من العراق؟

ماذا يريد العثمانيون الجدد من العراق؟

بعيد إنتخابات 7/3/2010 صرح وزير الخارجية آنذاك هوشيار زيباري بأن الرئيس التركي أردوغان يوافق على جلال طالباني كرئيس لجمهورية العراق لكنه يرفض تولي نوري المالكي رئاسة الوزارة!!!
وبعدها إنهالت حتى يومنا هذا تصريحات وأفعال من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ورئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو كلها تتعامل مع العراق وكأنه ضيعة من ضيعات بني عثمان بذراع أطلسي. أوغلو مثلاً “أمر” قبل أسابيع أن يخرج الحشد الشعبي من الموصل وألا يبقى فيها  سوى جيش سني فقط بعد تحريرها من داعش!!! ولا ننسى أنه دخل العراق عن طريق كردستان وذهب الى كركوك والقى خطاباً هناك دون إذن من وزارة الخارجية العراقية بل حتى دون علمها يوم كان هو وزيراً للخارجية.

بين الفينة والفينة وحسب ما تمليه الضرورات التكتيكية، تطلق زعيمة حلف الأطلسي و”حليفة” أردوغان وأوغلو الحميمة أي أمريكا – تطلق تصريحات تكشف عن تورط تركيا بالإرهاب وداعش بالذات. هما يحتجان على أمريكا غير أن أمريكا تعتذر عن علنية كشف الحقائق (وهو اعتذار لا يعود نافعاً عملياً) ولكنها لا تتراجع عن فحوى الكشف، ويسكتان على مضض، وذلك لأن أمريكا لا تبالي بسحق شركائها الصغار أي عملائها إذا إستدعى الأمر تبييض صفحتها هي، والعملاء في أنقرة والرياض والدوحة لا يجرئون على الوقوف بوجه أمريكا وإلا فسيواجهون مصيراً مشابهاً للمصير السوري والعراقي(1).

هنا يتذكر أردوغان وأوغلو أن هذه الفضائح تؤثر على مشاريعهما ومخططاتهما في العراق، فينبريان وينبري الجهاز الدبلوماسي لنظامهما لا الى نفي الإتهامات وحسب بل الانتقال الى الهجوم المبطن على المستهدَفين من العراقيين الذين يتصدون لمشاريعهما في أن واحد وبالذات إئتلاف دولة القانون.

تركيا أردوغان بريئة من داعش كبراءة الذئب من دم إبن يعقوب. هذا ما أراد قوله السفير التركي في بغداد في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم الأحد 1/3/ 2015 حسبما نقلت فضائية (الحرة – عراق).

وصدرت تصريحات ومواقف سياسية كثيرة كان آخرها وأخطرها ما طالب به أردوغان في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس العراقي الدكتور فؤاد معصوم في أنقرة بتأريخ 22/4/2015 وهو محور هذا المقال. لقد كان أردوغان “حريصاً” جداً على تخليص العراق من داعش. فطالب التحالف الدولي بالتدخل البري في سوريا والعراق لأن الضربات الجوية ليست ذات مفعول حاسم. موقفه التآمري بالنسبة لسوريا ليس جديداً لكنه جديد بالنسبة للعراق على الأقل من وجهة نظر الطرح السافر والصفيق. أقول “سافر وصفيق” لسببين:

 أولاً : إن أردوغان يعلم علم اليقين أن الحكومة العراقية بقيادة التحالف الوطني وعلى رأسه إئتلاف دولة القانون يرفض رفضاً باتاً دخول أية قوات برية أجنبية للعراق، فلماذا هذا التحرش؟ إنه ليس بريئاً كما سآتي على ذلك لاحقاً.

ثانياً: كان الأولى بأردوغان أن يوجه نداءه بالتدخل البري الى الحكومة العراقية لا الى التحالف الدولي لأن العراق دولة ديمقراطية مستقلة ذات سيادة يحترمها الجميع بضمنهم التحالف الدولي وتركيا طواعية أو عنوةً.

واضح أن التدخل البري هو مشروع لرعاة داعش بعد أن فشل المشروع الأصلي لداعش المتمثل بإسقاط كامل النظام العراقي. لذا أرادوا إستكماله بتدخلهم برياً. قبل أردوغان، كان وزير خارجية السعودية في مؤتمر صحفي جمعه مع الوزير جون كيري قد طالب، أيضاً، بقوات برية الى العراق قبل شهرين تقريباً دون أن يكلفه أحد بذلك. وطالب قبلهما أياد علاوي في فضائية “العربية” بقوات برية ونوه بقوات درع الجزيرة. ولا أستبعد أن تكون الزيارة التي قام بها كل من النجيفي وسليم الجبوري وصالح المطلك سوية الى الملك الآردني عبد الله “بصفتهم الحزبية” لا الرسمية لطلب السلاح للعشائر السنية دون علم الحكومة العراقية على حد قول النجيفي(2) –  تندرج تحت هذا الباب خاصة وأن عاصفة الحزم قد فتحت شهية هؤلاء الطغمويين وأنعشت آمالهم الطغموية في محاولة إسترداد سلطتهم الطغموية أو بالأقل فرض نظام حق النقض أو الفيتو أو أهل الحل والعقد.

فضح الشطر الثاني من تصريح أردوغان آنف الذكر نواياه الكامنة وراء دعوته للتدخل البري في العراق. لقد أراد ضرب عصفورين بحجر: إبعاد الأنظار عن مسؤولية تركيا والسعودية وقطر عن تسليح وتمويل جبهة النصرة وداعش وأخواتهما الإرهابيات منذ مدة أي قبل إرسال داعش الى العراق؛ ومن ناحية أخرى أراد تسقيط القيادة العراقية وخاصة صقر التصدي لجميع أعداء العراق الجديد وسيادته واستقلاله وديمقراطيته نوري المالكي. إذ قال أردوغان في تصريحه كلاماً غامضاً فيه غمز ولمز وإيحاء ينطلي على من يريد أن ينطلي عليه كلام من هذا النوع. لقد قال: يعلم الجميع من أين جاءت أسلحة داعش وأصبح الشعب العراقي يعاني من تلك الأخطاء!! ويقصد الأسلحة التي غنمتها داعش عند تسليم الموصل اليها.

سؤال بسيط يدحض هذه الديماغوجية: هل دخلت داعش الموصل وهي غير مسلحة؟ ماذا كانت وماتزال تفعله في سوريا وفي كوباني عين العرب على سبيل المثال؟

من السهولة بمكان نفي تلك البراءة من التورط مع داعش بالإستنادً الى ما قاله حلفاء النظام التركي نفسه سواء على صعيد العلاقات الثنائية أو العلاقات عبر حلف الناتو الذي ينتمي اليه. هناك سيل من التصريحات الامريكية في هذا الاتجاه بدءاً من تصريحات نائب الرئيس الأمريكي بايدن التي باتت معروفة ومكشوفة وإنتهاءً بتصريحات مدير وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.أي.) أمام لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأمريكي حيث قال أن التصدي لداعش ليس من بين أولويات الحكومة التركية؛ ويعني هذا الكلام، بعد ترجمته من لغة النفاق الامبريالي الى اللغة المباشرة، أن النظام التركي متورط مع داعش.

أعتقد أن مطالبة أردوغان بالتدخل البري الأجنبي في العراق بتلك الصفاقة يمثل إختناقاً طوَّق رقبته كما طوَّق رقاب أمريكا والطغمويين(3) وداعش بسبب عدم قدرتهم جميعاً على إحداث التغييرات السياسية المرتقبة والمخططة من جانبهم في العراق والإمساك بالقرار السياسي والهيمنة على العراق وسوريا للتقدم  خطوة هامة نحو تشكيل شرق أوسط جديد كجزء من المشروع الإمبريالي الراسمالي الكوني الرامي الى السيطرة على العالم للخروج من أزمتهم الإقتصادية المستحكمة.

حصل الإختناق بعد أن إستنفذوا كل إمكانياتهم في التآمر على العراق الذي كان إرسال داعش آخر فصوله. ورغم فشل هذا الفصل بالعموم ونجاحه جزئياً إلا أن المحاولات لن تهدأ ولن تستكين من جانبهم مازال العراق بشعبه ونظامه الديمقراطي واعياً لما يحاك ومدافعاً عن نفسه.

 أخذ المشروع التركي في سوريا والعراق مساراً مختلفاً عن باقي الحلفاء من حيث الهدف. فقد رأى النظام التركي أنه الأحق في التحكم بمصير المنطقة، نيابة عن أمريكا وحلفائها، من غيره من دول المنطقة بواقع القدرة العسكرية والاقتصادية النسبية لتركيا وانتماء تركيا لحلف الأطلسي والبعد التأريخي الامبراطوري العثماني. إنه مشروع إقامة إمبراطورية عثمانية جديدة هدفها خدمة مصالح الإمبريالية العالمية وخدمة مصالح البرجوازية التركية التي تشير الدراسات الإقتصادية الى كونها تتحكم بواحد من أكثر الإقتصادات إستغلالاً ويتضح ذلك من الهوة الطبقية السحيقة التي تفصل بين الأغنياء والفقراء.

ما تريده تركيا أردوغان، إذاً، هي السيطرة على مقدرات المنطقة ومنها العراق وتأسيس إمبراطورية جديدة مدعومة أطلسياً؛ وتتخذ من تنظيمات الإخوان المسلمين وداعش والنصرة وسيلة لذلك.

بناءً على هذا الطموح المفرط والوسيلة إصطدمت تركيا بكل من السعودية ومصر وإسرائيل وأمريكا.

 إذا تَمثَّل الإستثمار التآمري لأمريكا والسعودية وقطر في العراق بداعش وما سيتبع سيطرتها من تداعيات لاحقة، فإن تركيا قد سبقتهم بخطوة إضافية في الاستثمار إذ حجزت تذكرة دخول العراق لجيش أردوغان في الوقت المناسب وذلك حسب مسيرة الأحداث التالية:

هناك قضية لم يعرها الإعلام العالمي والاقليمي والمحلي الأهمية التي تستحقها لسبب لا يخفى على أحد، وهي قضية السيطرة على القنصلية التركية في الموصل من قبل داعش وفيها 42 دبلوماسياً ومن ثم اطلاق سراحهم بـ”أعجوبة” كما ذكر الإعلام.

ما كان ليحصل شيء للقنصلية التركية لو نجحت مؤامرة إدخال داعش الى العراق حسب المخطط الأصلي القاضي بإسقاط النظام والسيطرة على كامل التراب العراقي. عندئذ كانت داعش ستنهي مجازرها من جنوب العراق صعوداً الى شماله خلال مدة وجيزة لا تتعدى أسابيع معدودة لتسقط، داعش، بعدئذ على يد “ثوار العشائر” الغيارى الذين “يهبون لنصرة شعبهم”. ما كان ذلك ليكلف داعش نفسها أكثر من حلق اللحى وتغيير الزي، ولتركيا مكان متميز في ثورة الإنقاذ وتحقيق الآمال الأردوغانية في العراق(4). “ثوار العشائر” هو الإسم الرمزي للبعثيين والطغمويين.

رغم فشل الجزء الأعظم من مخطط إرسال داعش الى العراق خلال الأيام الأولى، لكن الأمل ظل يراود داعش ورعاتها عسى أن تستكمل داعش مسيرتها نحو الجنوب. وإلى أن يأتي ذلك اليوم ويتحقق ذلك الإحتمال كان لابد من إحتجاز أعضاء القنصلية في الموصل لئلا يفتضح أمر التناغم بين تركيا وداعش.

بعد أن صمد الجيش العراقي والشعب وأعلن رئيس الوزراء نوري المالكي الجيش الرديف ومن ثم جاءت دعوة السيد علي السيستاني المجلجلة الى الجهاد الكفائي وأخيراً وصول المساعدات الإيرانية من أسلحة ومعدات، يئست داعش ورعاتها وكان لابد من إطلاق سراح محتجزي القنصلية التركية في الموصل بـ”أعجوبة” إستعداداً لجولة جديدة من قبيل تصعيد المطالبة بتدخل عسكري بري كما طرحه السيد أردوغان قبل أيام ربما بالتناغم مع إشتداد الوضع الأمني في الرمادي والأنبار عموماً على إثر تسلل (1500) من عناصر داعش واستيلائها على منطقة (ألبو فراج) الاستراتيجية مما تسبب في نزوح عشرات الآلاف من أهالي الأنبار بينما كانت طائرات التحالف الدولي “منشغلة” بأمر ما مشابه لما قامت به من رصد لأرقام سيارات عصائب أهل الحق في آمرلي !!

ولو لم يكن الإفراج بـ”أعجوبة” لافتضح الأمر!!!  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1): قبل شهور قليلة من الآن أطلق جون كيري، وزير خارجية أمريكا، تهديداً مبطناً الى دول منطقة الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً. وبعده بقليل كرر التهديد الرئيس أوباما نفسه. مفاد التهديد: سوف نسحق من يقف بوجه أمريكا. شكل التهديد: أطلقا التهديد نحو المنظمات الإرهابية ولكن المستهدف كان شاملاً الجميع على قاعدة “أكلمكِ يا جارة وأُسمعكِ يا كنة”!!

 (2): أعود وأقول: هكذا الوطنية والحريات والديمقراطية واحترام الدستور والقوانين وصيانة هيبة الدولة وحكومة المقبولية … وإلا بلاش!!!!

(3): للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي” بمفرداته: “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:

http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

(4): تعتبر تركيا الموصل جزءاً منها وترصد لها مبلغاً رمزياً قدره (صفر) في الموازنة السنوية للدولة بإعتبارها محافظة مستلبة منها. للعلم فإن عائلة النجيفي قد صوتت لصالح ضم الموصل الى تركيا في الإستفتاء الذي أجرته عصبة الأمم.