للمرة الثانية خلال أقل من أسبوعين يشاع خبر دخول رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي إلى المستشفى بسبب مشاكل في القلب، لكن هذه المرة عزّزت صحّة الخبر ظهور مجموعة من الصور التي تؤكّده.
المالكي وإن ظهر بعد ذلك في صور تبيّن أنه استعاد ولو بشكل جزئي صحته إلاّ أنّ ملامحه تؤشّر إلى تراجع في وضعه وأنه قد لا يكون قادراً على ممارسة ذات الدور الذي مارسه في المشهد السياسي العراقي طيلة العقدين الماضيين.
وسواء أتفقنا أم اختلفنا فإن الرجل يشكل اليوم محوراً مهماً في إئتلاف الإطار لاسيما وأننا نتكلم عن عملية سياسية لم تنضج بشكل يوجد كيانات سياسية حقيقية ذات عقيدة ورؤى ومنهج، وإنما لازالت في جلّها عبارة عن تجمعات حول شخصيات ذات نفوذ سياسي وعقائدي ومالي. ومما لا شك فيه أن نوري المالكي يعد اليوم الشخصية الأقوى على المستوى السياسي الشيعي التي لا يجاوزها إلاّ زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر.
فالمالكي هو رمانة الميزان للكيانات السياسية الشيعية وإن غيابه يعني الكثير بالنسبة لحسابات الربح والخسارة في الانتخابات القادمة، فالمالكي لازال يمسك بالعديد من الخطوط المهمة بالنسبة للمشهد السياسي الشيعي على المستوى السياسي والأمني والاقتصادي، ويكفي أن نذكر أنه كان العامل الأهم في إيقاف تحرّك بعض الفصائل باتجاه المنطقة الخضراء لإقتحامها بعد أن قامت قوة أمنية باعتقال احد قياداتها في زمن رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي، بل إنه كان كفيل الكاظمي للخروج الآمن من بغداد بعد أن ترصّدته بعض الفصائل الشيعية المسلّحة.
كما يشكل غياب المالكي المباشر أو غير المباشر عن المشهد غياب الرمزيّة الشيعية التي يمثلها على المستوى السياسي، فهو من حمل شعاري (وليّ الدم) و(مختار العصر) وهذا لا يتوفر في أيِّ من القيادات الشيعية اليوم. ولا تمتلك أي كتلة سياسية شيعية اليوم سد هذا الفراغ فشخوص المشهد السياسي الشيعي جميعها تعاني من تراجع كبير في صورتها. وهذا ما يمكن قياسه رقمياً باستعراض نتائج الانتخابات الأخيرة التي شهدها العراق عام 2021، والتي كان للتيار الصدري حصّة الأسد فيها تلاه إئتلاف دولة القانون وتحالف الفتح ثالثاً وتيار الحكمة رابعاً.
عليه فباستثناء التيار الصدري الذي تتزعمه شخصية السيد مقتدى الصدر بهالتها الدينية، فإنه ليس هناك شخصية على المستوى السياسي قادرة على لعب دور مماثل لدور المالكي.
أمام هذا المشهد أتصوّر أن هناك عدة سيناريوهات متوقعة للمرحلة القادمة، في مقدمتها تراجع مكانة ائتلاف دولة القانون ضمن المشهد السياسي، فالائتلاف قام في حقيقته على نفوذ شخص السيد المالكي ولا أتوقع أنه سيكون قادراً على لملمة نفسه والمضي في أدائه السياسي كما هو في حال غياب زعيمه.
كذلك ستكون الفرصة مواتية للتيار الصدري ليضطلع بدور أكبر ضمن الساحة السياسية الشيعية، والذي تأثر بشكل كبير بوجود المالكي وموقفه من التيار، بالتالي فإن فراغ الساحة السياسية من شخصه سيفتح الأبواب على مصراعيها لرجالات التيار لممارسة دوراً أكبر مستظلين بصورة زعيمهم مقتدى الصدر.
بالمقابل هناك تخوّف من إنفلات الوضع على المستوى الأمني وخروج بعض الفصائل عن الضوابط والخطوط الحمراء المحددة والمتفق عليها لممارسة دور أكبر على المستوى السياسي، وهذا مبعثه غياب القيادة الحاكمة للكتل والكيانات المكوّنة للإطار التنسيقي.