23 ديسمبر، 2024 5:38 م

ماذا يحصل في اقليم كردستان؟

ماذا يحصل في اقليم كردستان؟

قبل أيام أصدر رئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني مرسوما اقليميا يقضي بإجراء انتخابات رئاسة الإقليم في العشرين من شهر آب/أغسطس المقبل، اي بعد اكثر من شهرين بقليل.
ويأتي اعلان البارزاني في خضم تحديات حساسة خطيرة يواجهها الإقليم، وتحديات من نوع آخر يواجهها البارزاني شخصيا، تجعل الشكوك والهواجس تحوم حول إمكانية إجراء الاستحقاق الانتخابي في الموعد الذي حدده رئيس الإقليم، وأكثر من ذلك تحوم حول نجاح المتمسكين بزمام الأمور في منع حصول المزيد من التداعيات.

   والتحديات التي يواجهها الإقليم في هذه المرحلة تتمثل بخطر تنظيم “داعش”، الذي يقف على مرمى حجر من أراضي الإقليم، بل انه من الناحية الواقعية استحوذ على مساحات يعدُّها الأكراد لهم في محافظات نينوى وكركوك وديالى، وتتمثل بالازمة المالية التي ألقت بظلالها الثقيلة على مجمل مناحي الحياة في الإقليم، والتحدي الثالث هو الوحدة الداخلية للإقليم، التي لاحت خلال الشهور القلائل الماضية بوادر ومؤشرات على انها متجهه نحو التفكك والتشظي من جديد.

   ولا شكَّ أن من بين ابرز عوامل القلق الكردي في هذا الوقت بالذات، هو “داعش” وكيفية ضمان عدم اقترابه من الإقليم بدرجة اكبر، وفي هذا الجانب فإن الأكراد يدركون انه ما دام ذلك التنظيم يتحرك على أراض عراقية، حتى وان كانت بعيدة عن حدود الإقليم، فإنهم يبقون عرضة للتهديد، ويدركون ان الحماية الأميركية الغربية لهم لا تشكل ضمانة حقيقية لأمنهم، والدليل على ذلك هو انه حين اقترب “داعش” كثيرا من الاقليم بحيث باتت مدينة أربيل مهددة فانهم-اي الأكراد- لجأوا الى ايران لمساعدتهم، ويدركون ايضا ان اي دعم واسناد إقليمي من اي طرف كان، لا بد ان يكون محكوما بشروط والتزامات، ومثل تلك الشروط والالتزامات ليس بالضرورة ان تكون منسجمة مع كل التوجهات والمصالح الكردية ضمن حدود الجغرافيا العراقية على اقل التقادير. كذلك يدرك الأكراد ان قوات البيشمركة لا تمتلك لوحدها القدرة على صيانة أمن الإقليم ودرء خطر “داعش”، بل تحتاج الى إسناد من قوات الجيش العراقي ومن قوات التحاف الدولي، فضلا عن دعم واسناد قوى إقليمية مثل ايران وتركيا.

   واذا كان الاكراد يختلفون مع الحكومة الاتحادية حول جملة ملفات وقضايا من بينها المناطق المتنازع عليها، فإنهم مع تنظيم داعش عليهم ان يخوضوا معارك قد تستنزف قدرا غير قليل من إمكانياتهم المادية والبشرية، وتفقدهم الشعور بالامن والاستقرار الحقيقي الذي عاشوه على امتداد الخمسة عشر عاما.

   عامل القلق، او التحدي الاخر، الذي يواجه الإقليم، هو الأزمة المالية التي انعكست على كل مناحي الحياة هناك، سواء كان سببها عدم إيفاء الحكومة الاتحادية بالتزاماتها حيال الأكراد، او بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط، او بسبب تدفق إعداد كبيرة من النازحين، او بسبب غيابات السياسات الصحيحة واستشراء مظاهر الفساد الاداري والمالي في الاقليم.

   فموظفو الاقليم الذين يربو عددهم على مليون شخص يعيشون ظروفا وأوضاعا حياتية صعبة وحرجة جراء استمرار تأخر رواتبهم عدة شهور منذ حوالي عام، في الوقت الذي تأثر فيه القطاع الخاص وانكمش نشاطه الى حد كبير، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أعلنت رابطة الفنادق والمطاعم في الإقليم ان قطاع السياحة يمر بأسوأ مراحله هذا الموسم بسبب الإجراءات الأمنية المشددة، وفي كلمة له خلال مؤتمر لهيئة السياحة ورابطة المطاعم والفنادق عقد في أربيل قبل ايام قلائل، أمهل رئيس الرابطة هيرش احمد جاوشين حكومة الإقليم شهرا واحدا لتنفيذ مطالبها بفتح الأماكن التي أغلقتها الأجهزة الأمنية، وهدد باستقالة الهيئة في حال عدم الاستجابة، علما ان اصحاب الفنادق استغنوا عن ٦٠٪ من العاملين جراء تراجع نسبة الحجوزات بنسبة ٨٠٪ . ونفس الشيء يصدق على قطاع الإسكان، الى جانب ذلك فإن الكثير من المواطنين الأكراد باتوا يتحدثون علنا عن سوء الواقع الخدمي في قطعات مختلفة، من بينها قطاع الوقود، الذي تسببت نوعياته الرديئة بمشاكل كثيرة لأصحاب السيارات.

   أضف الى ذلك، فإن ديون الإقليم بلغت، حسب الأرقام والمعطيات الرسمية، قرابة خمسة وثلاثين مليار دولار، نصفها تقريبا يعود لشركات نفط عالمية عملت في مجال استخراج وإنتاج النفط في الإقليم خلال الأعوام الثمانية الماضية.

   وفي ظل الصعوبات والمشاكل المالية المتفاقمة في الإقليم، فإن هناك فئة قليلة من الساسة واصحاب المواقع الحكومية المهمة ورجال الاعمال والتجار المرتبطين بالمحافل السياسية، اثرت الى حد كبير على حساب ذوي المداخيل المحدودة من الموظفين الحكوميين والكسبة وصغار التجار، ووسائل الأعلام في الإقليم وحتى خارجه أخذت تسلط الضوء على هذا الجانب من تردد وحرج.

   التحدي الثالث، يتمثل بالحفاظ على الوحدة الداخلية وتجنب العودة الى صراعات ونزاعات الماضي بين القوى الكردية، لا سيما الرئيسية منها، وتبدو الأمور في  هذا الجانب ليست على ما يرام، فالانتقادات للاطراف المهيمنة على مقاليد الأمور، وتحديدا الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة الرئيس مسعود البارزاني انتقلت من الكواليس والأروقة الخاصة الى صفحات الجرائد وشاشات القنوات الفضائية، ووكالات الأنباء، ومواقع التواصل الاجتماعي.

   فالبعض يقول -او يتساءل- لماذا ننتقد نوري المالكي لأنه حاول البقاء في السلطة ونحن في الإقليم نفعل الشيء ذاته؟.. والبعض يتساءل.. لماذا النظام السياسي في الإقليم رئاسي بينما في العراق برلماني، وفق الدستور الذي صوت عليه الأكراد؟..

   ولعل الخطورة تكمن حينما تنطلق الانتقادات من المستويات العليا، فقبل شهور قلائل تداولت وسائل إعلام كردية رسالة موجهه من السيدة هيرو احمد زوجة الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني جلال الطالباني والقيادية في الحزب، الى قيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني على خلفية قيام اجهزة الأمن الكردية باعتقال قائد قوات حماية سنجار حيدر ششو، قالت فيها “لقد امتلأ إناء الاتحاد الوطني، لا تجعلوها تنضح ايها الكردستانيون، اشهدوا للتاريخ، مرة اخرى ولأي سبّب كان، فإن ما تحقّق بدماء الشهداء مهدّد بان يمتزج بالدم والحرب، الكثير يتساءل عن سِر صمت الاتحاد الوطني الكردستاني، قد يفسرون الامر بأنه ضعف من الاتحاد، كلا، صمتنا هو من موقف القوة، لأننا لا نريد ان تثكل أية ام كردية على يد كردي”، وتضيف هيرو في رسالتها “ان الاتحاد ليس مع اعادة الحرب الداخلية التي تمثل تأريخا اسود، تغاضينا عن الكثير وتحملنا الكثير، ننتظر الإصلاح وعودة الأمور والاوضاع الى حالها”.

   وفي وقت لاحق صرح المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الوطني، ان حزبه “مع العمل بالنظام البرلماني في الإقليم وليس النظام الرئاسي وسيكون له مشروعه الخاص حول نظام الحكم في اقليم كردستان”، هذا في الوقت الذي سربت بعض وسائل الاعلام تأكيدات من قياديين في الاتحاد الوطني، بأن الأخير سوف يعلن اقليم السليمانية في حال انفصل اقليم كردستان عن العراق، في إشارة الى رفض دعوات وتهديدات قيادات الحزب الديمقراطي بإعلان انفصال الإقليم، واعتبار تلك الدعوات والتهديدات تنطلق من ضعف لا من قوة وتعكس ارتباكا وتخبطا، خصوصا وان مجمل الظروف الداخلية والخارجية الراهنة لا تتيح اتخاذ مثل تلك الخطوة.

    وتتسع مساحة الانتقادات على لسان الأمين العام لحركة التغير الكردية (كوران) نوشيروان مصطفى حينما يقول “ان اقليم كردستان يمر بسلسلة من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية، وبعض تلك الأزمات قديمة وموروثة منذ انبثاق الدولة العراقية، اما الأزمات الأخرى مثل الثروات والسلطة فقد نتجت جراء إخفاقات حكومات المناصفة بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستانيين”.

   وعلى الصعيد الشخصي بالنسبة للرئيس، فإن معظم شركائه وخصومه السياسيين، حتى وان كانوا لا يعارضون الإبقاء على النظام الرئاسي في الإقليم، فإنهم لا يحبذون استمرار البارزاني بتولي المنصب، لأن ذلك من شأنه أن يطلق رسالة غير طيبة يفهم منها أن هناك تكريسا للديكتاتورية والاستفراد بالسلطة.

   النقطة الأخرى ترتبط بالوضع الصحي للبارزاني البالغ من العمر ٦٩ عاما، اذ تؤكد تسريبات من داخل أوساط الحزب الديمقراطي الكردستاني، ان البارزاني يعاني من جملة مشاكل صحية وهو يسافر بين الفينة والأخرى الى النمسا لإجراء الفحوصات الطبية والتمتع بفترات نقاهة للتخلص من ضغوطات العمل.

   وفي هذا السياق تداولت بعض مواقع التواصل الاجتماعي قبل بضعة ايام خبرا يفيد بوفاة البارزاني اثر نوبة قلبية مفاجئة، وهو ما أرغم قيادة الحزب الديمقراطي على إصدار بيان تنفي فيه خبر الوفاة.

   فضلا عن ذلك، فإن هناك تقاطعات وتجاذبات وتنافس على مواقع السلطة والنفوذ بين شخصيات مقربة من البارزاني في إطار الدائرتين الحزبية والعائلية، تبعث على القلق من أن تفضي مستقبلا الى حدوث انشقاقات في بنية الحزب، وخصوصا حينما يبتعد البارزاني او يختفي من المشهد السياسي، كما حصل مع الاتحاد الوطني عندما اقعد المرض زعيمه جلال الطالباني لتتفجر الخلافات والصراعات بين قياداته العليا.

   وفي ضوء ذلك الواقع الكردي المرتبك. ربما يكون الإنجاز والمكسب الحقيقي هو إبعاد خطر تنظيم “داعش” عن الإقليم، ومعالجة الأزمة المالية وتبعاتها وآثارها الاجتماعية بأقل قدر من الخسائر والاستحقاقات، وتطويق الخلافات والاختلافات الداخلية والحؤول دون تكرار مشاهد الماضي المؤلمة. وتجنب الخوض في ملف الانفصال في هذه المرحلة تحديدا، الذي يمكن ان يدفع الى مزيد من المتاهات بدلا من ان يفتح آفاقا رحبة للاستقرار والنهوض والازدهار…بعبارة مختصرة، المسار الكردي يسير بخط متواز مع مجمل المسار العراقي، وأي حلول وانفراجات في الثاني يمكن ان تفضي الى حلول وانفراجات في الاول.