23 ديسمبر، 2024 5:33 ص

ماذا وراء هذه الحملة..؟

ماذا وراء هذه الحملة..؟

ليس كلّ السياسيين في هذا البلد سياسيين .. يدخل في هذا التصنيف نواب ووزراء وأعضاء مجالس محافظات، وحتى زعماء جماعات تُوصف بأنها سياسية، أو تقدّم نفسها على أنها كذلك، قبل وبعد حصولها على الترخيص الرسمي من مفوضية الانتخابات!
ليسوا بسياسيين هم، وإنّما شُبِّهَ لهم. السياسي الحقيقي، على سبيل المثال، يتصرّف على وفق مبادئ وقواعد متعارف عليها، ومنها ما يوجزه القول العراقي المأثور:”أقعد أعوَجْ وأحكِ عدلْ”.
الحملة التي يشنّها البعض على مؤتمر الكويت لإعمار العراق، حتى قبل بدء أعماله، غير مفهومة، بل غير مبرّرة، وربما كان وراء الأكمّة ما وراءها كما يقال. من الواضح أن القائمين على هذه الحملة هم من النوع الذي “لا يقعد عدلْ ولا يحكي عدلْ”.
عراقيون كثيرون، بل الاغلبية الساحقة من العراقيين ما كانت تتمنّى أن تؤول بنا الحال الى هذه المآل، فيُصبح العراق شحّاذاً دوليّاً، ينتظر أن تتصدّق عليه الدول والمنظمات الدولية والاقليمية لإعادة بناء مدنه المدمرة وإحياء بناه التحتية المخرّبة.
بالطبع ما كان العراق سيواجه مثل هذا المصير لو لم يكن في تاريخه حاكم اسمه صدام حسين الذي ظلّ يشعل نيران الحروب الداخلية والخارجية المرة بعد الأخرى ليحترق الاخضر واليابس في بلاد الرافدين. وللأمانة فإن صدام ليس الملوم الوحيد .. خلفاؤه، وهم في أغلبيتهم من قوى وأحزاب الإسلام السياسي، يُمكن وضع مسؤوليتهم في الكفّة الأخرى للميزان لتتعادل معها في أدنى تقدير.
العراقيون جميعاً كانوا عاقدين الآمال العريضة على مَنْ يحكمهم بعد صدام .. كانوا يظنّون أن صدام هو الامبراطور الأخير في تاريخهم ، لكنّنا ما لبثنا أن صحونا ذات صباح، وقد ولّى صدام وعهده، لنجد أن الزمن قد عاد بنا الى عهود الطغيان والفقر والجهل، فما مِنْ فرق إلا بالأسماء وببعض التفاصيل، أما الجوهر فلا تغيير فيه.
الجديرون بشنّ الحملة عليهم، لمناسبة مؤتمر الكويت أو من دونه، هم أفراد الطبقة السياسية الحاكمة منذ 2003 حتى الآن.. هؤلاء هم، بعد صدام حسين، مَنْ وضعوا العراق في سوق النخاسة الدولية.. وهؤلاء بينهم ومن ضمنهم بعض الذين يرفعون أصواتهم ضد مؤتمر الكويت.
في مؤتمر الكويت أعلن ممثلو الحكومة عن أنّ العراق يحتاج الى 88 مليار دولار على المدى القريب والمتوسط لإنجاز مهمة الإعمار، بما فيها عودة النازحين الى ديارهم.. هذا المبلغ على ضخامته لا يمثّل سوى ثلاثة أرباع ما كانت خزينة الدولة تتلقاه في سنة واحدة من بعض السنين التي مرّت، وهذا المبلغ لا يعادل سوى الربع من أموال عائدات النفط التي اختفى كلّ أثر لها في ظرف عشر سنين فقط، بفعل فاعل معلوم هو الفساد الإداري والمالي.
الحاملون والمتحاملون على مؤتمر الكويت قبل انطلاقه كان الأولى بهم أن يلوموا أنفسهم وزملاءهم من أفراد الطبقة السياسية الحاكمة الذين أشعلوا نار الحرب الطائفية واستجلبوا داعش وسواه من منظمات الإرهاب .. بفعل فسادهم أيضاً.