23 ديسمبر، 2024 2:29 م

ماذا وراء تركيز أميركا على “داعش” في سوريا؟

ماذا وراء تركيز أميركا على “داعش” في سوريا؟

من حق الانسان أن يتسائل عن أهداف وأسباب الخطة العسكرية الأميركية في محاربة “داعش” وأن يستغرب من سياسة مكافحة التنظيم المذكور بالشكل الذي تتبعه الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيون والاقليميون، الاّ ان نضع أهدافاً اخرى لما تقوم به أميركا في حملتها المزعومة ضد الارهاب.

لكن قبل ذلك، لابد من بيان بعض الحقائق التي تساعدنا في فهم ما يجري على الارض وكيف تتحرك الولايات المتحدة خلافاً لما تدعيه:

1. ان طلب مكافحة الارهاب جاء من العراق وبعد احتلال مناطق واسعة منه من قبل “داعش”، وبالتالي فالاحرى ان ينطلق اي عمل عسكري في الاراضي والاجواء العراقية، لا ان يترك العراق ويوضع في الهامش ويتم التركيز على سوريا!

2. أبسط الخطط والاستراتيجيات العسكرية والمنطق السليم يقضي بكفكفة اطراف واذيال داعش من المناطق التي يسيطر عليها في محافظات ديالى وكركوك وصلاح الدين والأنبار وحصره في مناطق محددة كالموصل والاراضي السورية، وذلك لتنظيم الجهد الذي يواجهه وعدم تشتيت القوات التي تحاربه على الارض.. وبعد محاصرته يتم التركيز على مراكزه في الموصل والرقة او معالجة الهدفين بشكل موازي، لا ان تترك المناطق العراقية ويتم التركيز على المناطق السورية.

3. ان الاسلوب المتبع في ضرب “داعش” سيؤدي الى انتشاره على مساحة جغرافية اوسع وبالتالي انتقاء المناطق التي يخلى منها تماماً عن المناطق التي يتم ابقاءه فيها لاهداف تعلمها الولايات المتحدة!
بالضبط كما جرى مع تنظيم القاعدة من قبل حيث عملت الضربات الأميركية على انتشاره.
الخطورة الاكبر في هذه النقطة هي ان الضربات الأميركية تدفع بالتنظيم الى تبني خطة عمل غير مركزية واستقلالية من قبل وحداته الميدانية، في حين ان تحول مقاتليه من ميليشيات الى جيش نظامي يسهل عملية ضربه من قبل القوات النظامية التي تواجهه.

4. كان بامكان الولايات المتحدة قبل الضربات الجوية وحتى قبل تمدد “داعش” بهذا النحو الضغط على حلفاءها، وبالتحديد قطر وتركيا والاردن والسعودية والامارات، نفس هذه البلدان التي تتسابق اليوم لـ”حرب” الارهاب الداعشي!
نعم.. كان بالامكان الضغط عليها لوقف دعمها لـ”داعش” على الاقل، فهل يعقل ان تشن أميركا هجوماً على ادوات حلفاءها في المنطقة.. في حين أنها تستثني القوى المتضررة من “داعش” كالحكومتين السورية والعراقية من مخططاتها وبرامجها؟!

5. الحديث عن اقامة منطقة حظر للطيران في شمال سوريا، وهذا الاجراء لايستهدف محاربة الارهاب وداعش بأي نحو كان ومهما تأول “الهرمنيوطيقيون السياسيون” فيه، لانه وببساطة “داعش” والارهاب لايملك طائرات لكي يتم حظرها، بل ان داعش يعاني وقبل ان تتدخل أميركا وحلفاءها بطائراتهم، من الضربات الجوية للقوات المسلحة السورية.
وبذلك يتضح ان الهدف هو الطيران السوري في مرحلة مابعد داعش!

6. ما يدور الحديث عن اصرار تركي باقامة منطقة عازلة على الحدود مع سوريا، على غرار المناطق العازلة التي أقامها الكيان الصهيوني على حدود لبنان..
ولا نعلم ما هي دواعي الربط بين محاربة “داعش” المتهمة تركيا بدعمه من قبل حلفاءها الاوروبيين قبل غيرهم، وبين اقامة المنطقة العازلة التي تستهدف فيها السيادة السورية؟!
طبعاً المنطقة العازلة جزء من الخطة الأميركية الغربية مع الرجعية العربية في المنطقة وان جاءت بلسان تركي اردوغاني.. كيف؟ لان المنطقة العازلة تحتاج الى ميليشيات وقوة عسكرية لحمايتها كما تم تأسيس “جيش لبنان الحر” على يد المقبور سعد حداد بعد الاجتياح الصهيوني للبنان ومن ثم “جيش لبنان الجنوبي” المعروف بجيش لحد (نسبة الى متزعمه العقيد انطوان لحد) وهو ما تقوم أميركا والسعودية والاردن بأعداده وتدريبه!

بهذه المقدمات، يحق لنا وللجميع ان نتسائل عن السر الكامن وراء أهتمام أميركا بالمناطق السورية التي تسيطر عليها داعش، علماً أن مركز الخلافة الداعشية وبالتبع القوة الضاربة الرئيسية في العراق وليست على الاراضي السورية؟!
بعض المراقبين للحدث السوري والعراقي والمهتمين بشؤون المنطقة يرون أن التركيز على قصف مواقع “داعش” في سوريا تقف وراءه جملة اهداف، منها:
اولاً: تغيير ميزان القوى على الارض وفي ميدان القتال المسلح لصالح فئات معينة من المعارضة، التي تريدها أميركا وتشكل اولوية بالنسبة اليها، لان داعش لاتزال تعتبر نفسها بل ويعتبرها كثير من المعارضين العصب الرئيسي في المعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس بشار الاسد.. فبضرب داعش وكف يد الجيش السوري من خلال مشروع التدريب والاسلحة المتطورة والمنطقة العازلة ومنطقة حظر الطيران يتم خلق قوة على الارض يمكن استخدامها لاحقاً في اي عملية تفاوض مع الحكومة السوريا.
لأن المعارضة وبدون هذه الخطة ـ التي نأمل لها الفشل كسابقاتها من المؤامرات ـ اثبتت فشلها في مواجهة الجيش العربي السوري لاسباب متعددة منها غياب الدوافع الحقيقية في المواجهة والاقتتال فيما بينها وتعدد ولاءات قياداتها والاجندات الخارجية التي يمثلونها و…الخ.

ثانياً: تدمير اكبر لما تبقى من البنى التحتية السورية.. مما سلم من المواجهات بين الارهابيين والقوات السورية ولم تصله يد النسف من قبل المجموعات الارهابية وما لو تقم تركيا بنقله الى اراضيها من معدات ومكننة ومعامل بكاملها.
الامر الذي يوفر لشركاتها وشركات حلفاءها ارضية لازمة في الاعمار والنشاط والكسب، ويدعم مواقفها من قبل الرأسماليين في بلدانها الذين يملكون ادوات تعبئة الرأي العام والضغط على مراكز صناعة القرار.

ثالثاً: توفير الارضية اللازمة للقيام بهجوم بري فيما لو عجزت الميليشيات الحليفة لها عن الامساك بالارض..
والحقيقة ان الولايات المتحدة تريد ان تبقي الابواب مفتوحة بوجه عودة قواتها الى المنطقة فلاتزال سوريا ومناطق شاسعة من العراق تخلوا من قواعد لها، وهذا لايبعث الاطمئنان لدى حلفاءها من الرجعيين العرب والصهاينة.
علماً ان مجموع قواتها التي ارسلت خلال الاحداث الاخيرة في العراق يصل الى 1600 عسكري، والذين يتمركزون في عدة نقاط ستراتيجية في بغداد ومحافظات صلاح الدين والانبار واربيل.

رابعاً: ومع انني لا اميل الى رؤية بعض الخبراء  بأن تنتهي هذه الهجمات الجوية الى هجوم مباشر على الحكومة السورية بهدف اسقاطها، لاسباب متعددة منها ان هذا العمل يحتاج الى فرصة وذرائع اقوى مما يتذرع به الغرب وحلفاءه حالياً، في حين ان الادارة الأميركية امامها سنة واحدة قبل انشغالها بالانتخابات عام 2016 وبجانب العديد من الملفات الاخرى داخليا واقليميا ودوليا.

خامساً: ما يمكن ان تفعله الضربات الصاروخية والجوية من تلميع للوجه الاميركي المشوه والمتهم بالارهاب هو وحلفاءه من صهاينة وبلدان استعمارية وأنظمة اقليمية تعتبر مفقسات للفكر والعناصر التكفيرية الدموية في المنطقة والعالم.