23 ديسمبر، 2024 3:09 ص

ماذا وراء الحملات الاعلامية ضد الحشد بعد تحرير الموصل؟

ماذا وراء الحملات الاعلامية ضد الحشد بعد تحرير الموصل؟

بعد اكتمال تحرير مدينة الموصل، واعلان النصر النهائي على تنظيم داعش الارهابي في العاشر من شهر تموز-يوليو الجاري، اتجه عدد من وسائل الاعلام العربية والاجنبية الى تبني خطاب اعلامي، يتمحور حول ثلاثة عناوين، هي:

– مهاجمة قوات الحشد الشعبي وبث الدعايات والشائعات عن ارتكابها انتهاكات واسعة لحقوق الانسان، وتحديدا الناس المدنيين، ومن يتم اعتقالهم من العناصر الارهابية.

– طرح واثارة المخاوف من اندلاع الصراع بين القوى السياسية والمجتمعية في الموصل بعد الخلاص من تنظيم داعش الارهابي.

– التركيز على حجم الدمار والخراب الذي لحق بالبنى التحتية والمؤسسات الحكومية والممتلكات العامة في الموصل جراء معارك تحرير المدينة من الدواعش.

وحينما نقول ان وسائل اعلام عربية واجنبية تتبنى هذا التوجه، فيمكن ان نكون اكثر وضوحا، ونقرب الصورة، ونشير الى ان وسائل الاعلام السعودية والاماراتية -عربيا-، والاميركية والبريطانية -عالميا- هي اكثر من غيرها تسير في ذلك المسار. ولا شك ان وسائل
الاعلام المقصودة، لا تنطلق من حرص على المهنية والموضوعية، بقدر ما هي تسوق وتنفذ اجندات معينة، لانها من جانب لم تتحدث عن الانتصارات الكبيرة المتحققة على تنظيم داعش، بنفس القدر الذي تحدثت فيه عن العناوين الثلاثة المشار اليها، ومن جانب آخر،
انها عمدت الى تضخيم احداث ربما تكون صغيرة من خلال تكرار بث مشاهد معينة وتركيز الحديث السلبي عليها، وكذلك التقليل من اهمية ومحورية دور الحشد الشعبي في المعارك ضد داعش، سواء في الموصل او المدن والمناطق التي سبق تحريرها، ناهيك عن
اطلاق تسمية “الميليشيات” على الحشد، وهي تسمية تنطوي على جوانب وابعاد سلبية.

اضف الى ذلك ان وسائل الاعلام صاحبة ذلك التوجه لا تنفك عن تكرار بث أي تصريح، من شأنه ان يخلق مخاوف وهواجس، ويثير اختلافات، ويعمق احتقانات، لا سيما بين المكونات العراقية المختلفة -الكردية والعربية والسنية والشيعية والمسيحية والايزيدية- .

وربما تقتضي الدقة الاشارة الى ان وسائل اعلام، وجهات سياسية وواجهات حقوقية عالمية، استبقت اعلان تحقيق النصر، وراحت تتحدث عن انتهاكات حقوق الانسان، وتهول الامور، كما فعلت منظمة العفو الدولية التي اصدرت بعد انطلاق عمليات تحرير الموصل
مباشرة، تقريرا حذرت فيه من قيام “المليشيات شبه العسكرية والقوات الحكومية في العراق بارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان”. وهذا ما استخدمته قنوات فضائية عديدة مثل (بي.بي.سي) البريطانية، و(سي.ان.ان) الاميركية، و”العربية الحدث” السعودية، و”سكاي نيوز
العربية” الامارتية، و”الجزيرة” القطرية، وغيرها لتشويه صورة الواقع من جهة، وتضخيم بعض الوقائع والاحداث الصغيرة الجانبية، من جهة اخرى. ثم سارت وكالات اخبارية، ومواقع سياسية الكترونية وصحف ورقية، على هذا الطريق، وعبأت الجو العام بذلك.

فعلى سبيل المثال، تكرر وكالة رويترز للانباء بين طيات اخبارها وتقاريرها تحذيرات من قيام الحشد الشعبي بحملات تصفية جسدية لابناء السنة. وتسمي قناة بي. بي. سي البريطانية في نشراتها الخبرية باللغات المختلفة تنظيم داعش، بـ “المنظمة المتشددة” وليس
الارهابية”، ولا تبتعد القنوات السعودية والاماراتية والقطرية، ومعها الوكالات والمواقع الخبرية والصحف الورقية عن ذلك، ان لم تذهب ابعد منه.

وهنا نسوق مصداقا بسيطا لما نقوله، ويتمثل بصحيفة عكاظ السعودية، التي تشبّه قوات الحشد الشعبي بمسلحي داعش، وتستخدم مفردة “الوحشي” في وصفها للحشد الشعبي، وهي تقول في احد تقاريرها “ان المثلث السني في العراق محاصر الآن بين وحشية الحشد
الشعبي والارهاب الداعشي، وان هاتين الجهتين تمارسان القتل والاغتصاب والتدمير في هذا المثلث”.

وتدعي الصحيفة ان “الحشد الشعبي يستهدف المدنيين الابرياء ويعدم السنة في ديالى ويفجر مساجدهم في المقدادية، وانه ينفذ خطة ايرانية لتطهير المناطق التي يقطنها السنة”.

وهناك مثال آخر لاي قل وضوحا عن سابقه، ففي الرابع من شهر تشرين الثاني-نوفمبر من العام الماضي (2016) اقدمت قناة سكاي نيوز العربية الاماراتية على اغلاق مكاتبها في العراق، وتسريح العاملين فيها دون اعطائهم حقوقهم ومستحقاتهم المالية، علما ان
عددا منهم كانوا يتواجدون حين الاغلاق في الموصل لتغطية المعارك ضد تنظيم داعش.

وبحسب المرصد العراقي للحريات الصحفية “ان العاملين في مكتب سكاي نيوز ببغداد تعرضوا لضغوط شديدة مستمرة بعد أن رفضوا وصف الحشد الشعبي بالمليشيات، ولعدم التزام إدارة القناة بمعايير محددة لحمايتهم من المخاطر التي تواجههم على خلفية التغطية
غير المتوازنة”.

ويشير المرصد نقلا عن بعض الاعلاميين الذين كانوا يعملون في القناة “ان ادارة القناة تبث مواد خبرية يقوم العاملون في مكتب بغداد بتجهيزها لكنها تبث من مقر القناة الرئيسي بشكل مختلف وصادم ويسبب متاعب للمراسلين والمصورين في مختلف أماكن الأحداث
في العراق”.

وبالاجمال فإن هذا الخطاب التحريضي-التكفيري، لا يختلف بشيء عن الادبيات السياسية والاعلامية لتنظيم داعش الارهابي، وبقية الجماعات الارهابية المسلحة، التي تعمل باستمرار على تأجيج الفتن، وتصوير الصراع على انه صراع بين السنة والشيعة، بينما واقع
الحال يؤشر الى خلاف ذلك تماما، لأن من قام بتدمير المناطق والمدن ذات المكون السني، وهجر ابناءها واستباح حرماتهم واعراضهم هو تنظيم داعش الارهابي، وهذا ما يقوله ويؤكده ابناء ذلك المكون، وما تثبته الشواهد والوقائع.

وعن ذلك يقول رئيس مجلس انقاذ الانبار الشيخ حميد الهايس انه “لولا قوات الحشد الشعبي لوصل ابو بكر البغدادي الى البصرة وصلى جماعة فيها”، ويضيف مؤكدا “ان قوات الحشد الشعبي بذلوا جهوداً وتضحيات كبيرة لا يقدر ثمنها في التصدي لتنظيم داعش في
جميع المحافظات التي اغتصبها التنظيم”.

والخطير والمؤلم في الموضوع ان هناك قنوات فضائية عراقية، وجهات اعلامية مختلفة في العراق، تربطها بوسائل الاعلام العربية والاجنبية المشار اليها اجندات ومصالح متشابكة، تغض الطرف عن جرائم وبشاعات تنظيم داعش بحق ابناء المناطق التي احتلها،
وتجهد نفسها في البحث، واختلاق القصص والروايات التي تشوه صورة الحشد الشعبي.

وطبيعي ان ذلك التوجه في اطار الساحة المحلية، لا بد ان يساهم في تصعيد حدة الاحتقانات السياسية والمجتمعية، ويعقّد فرص اجراء المصالحات والتسويات، التي لا بد من اطلاقها، لمحو كل الآثار السياسية والاجتماعية والثقافية والامنية السلبية التي خلفها تنظيم
داعش بعد ثلاثة اعوام صعبة ومؤلمة.