ادخل الرئيس الأمريكي «جونسون» بلده في حرب مدمرة في فيتنام، ونتائجها كانت كارثية وسط أفراح للمعسكر الشرقي السوفياتي، والصين والدول الشيوعية في اوربا الشرقية انذاك بانتصار عقيدتهما الشيوعية وخططهما العسكرية وسلاحهما، ثم بعد سقوط السوفيات تجرأ الرئيس «بوش» الأب على خوض حرب ارجاع الكويت فأعطته، امتياز القائد الاوحد والدولة العظمى،
بعد تدمير القوة العسكرية والترسانة والاقتصاد العراقي والسيطره على مقدرات المنطقة وكسب منطقة الخليج العربي اليه كراعي ومدافع عنهم وعن الشرعية الدولية وعن الدول الضعيفة والتي تحتاج رعاية وعناية خاصة للدفاع عنها من الاعتداءات الخارجية وتوسيع نطاق علاقاته العسكرية والاقتصادية لتشمل مناطق في اسيا واوربا وافريقيا .
وإعلان سيادة أمريكا على العالم في سد جميع الفراغات الأمنية بما فيها اختيار الضربة لأي دولة أو نظام يخرج عن طاعتها، والسيطرة على جميع مقدرات دول العلم الثالث الاقتصادية والتبعية اليه في كل شيئ والاحتياج اليه لابسط الامور الاقتصادية والعسكرية والعلميه والطبية والتجارية والصناعية والزراعية . والخ .
وهذا الغرور بالقوة دفع «بوش» الابن لأن يحارب بزمن متقارب في أفغانستان والتي هي مقبرة الغزاة منذ الاسكندر الأكبر وحتى آخر حروبها الراهنة، وقد كانت المغامرة مكلفة مادياً حين تصاعدت أرقام الخسائر إلى (الترليونات) من الدولارات وآلاف من الضحايا، وإعلان عام عالمي على كره أمريكا وسياستها، وكذلك الحرب على العراق التي كانت شركاً وقعت فيه القوة العظمى..
والتي فقدت فيه افضل قواتها وتسليحها واموالها وسمعتها الدولية ومصداقيتها امام العالم بكذب تقاريرها بامتلاك العراق النووي وتهديده للسلام الدولي وادخلت العراق في اتون حروب دولية وطائفية وداخلية والغرض منها السيطرة الكاملة على مقدرات المنطقة والعالم والاقتصاد والتسليح وحتى على الارهاب لللاستفاده منه كما حصل في العراق وافغانستان وسوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس .
أوباما لا يستطيع الادعاء أنه رسول سلام لعصور ما بعد الحروب، إذ جرب خوض حرب محدودة في ليبيا، وفي صلب سياسته التي أعلن عنها قبل اختياره رئيساً أنه ضد أي مغامرات عسكرية يخوضها بلده، لكن مسؤوليات دولة عظمى قد لا تكون صاحبة الخيار في شن هذه الحروب إذا ما تطورت الأحداث لضرورة تدخلها تحت ضغط داخلي أو إقليمي وعالمي، ووفق حساباتها ومصالحها ومصلحة وسلامة اسرائيل في المنطقة .
وقد جاءت سورية لتكون المشكلة الجديدة لامتحان قدرة رئيس، وقوة دولة عظمى، وهي مسألة لابد من مراعاة جميع الظروف المحيطة بالرئيس وبلده، ولذلك فُسر تردد أوباماً بأنه عجز وغباء سياسي وجبن، وهي صفات يمكن قبولها تحت أي ذريعة لكن بحسابات اليوم فالظرف مختلف، أي أن اتخاذ قرار كهذا يمكن لصلاحيات الرئيس أن تعطيه هذا الحق وفق القوانين الأمريكية،
لكن اقتناعه يأتي لأسباب مختلفة. تبعا للموقف الراهن وموقف الدول المؤيدة للضربة وموقف الدول الرافضة وموقف مجلس الامن . بعدما فقدت المصداقية بامريكا لفبركة الاحداث لصالحها مثلما فعلت بالعراق وفبركت تقارير لامتلاك العراق اسلحة نووية والعراق خطر على جميع جيرانه وعلى العالم .
فهو وضع ميزاناً دقيقاً لرد الفعل الداخلي في حال ما كانت الضربة مؤثرة، أو اضطر لتجاوزها، لتدخل مباشر واحتلال سورية أسوة بما جرى في العراق، وهنا يعني دخوله الأنفاق المظلمة، وبالتالي فاشتراك الكونكرس وتحميله المسؤولية، بالاتفاق على خوض هذه المعركة أو الامتناع عنها ينقذه من ورطة على من سبقوه،
لكن هناك من يقيس التردد على سمعة أمريكا كقوة منفردة يخشاها العالم، وكيف ستؤثر سياسياً وعسكرياً في مجريات الأحداث، وهل روسيا والصين وإيران هم من حقق المكاسب؟. ام سياسة سوريا وعلاقاتها مع الدول العربية والاسلامية والاقليمية والعالم الغربي وعدائها الى امريكا واسرائيل والامبريالية العالمية .
ثم كيف سيكون عليه الوضع الداخلي السوري إذا ما شعر الأسد أنه مطلق الصلاحية في استخدام ما يريد من أسلحة تقليدية أو كيماوية دون مخاوف من أي عقاب، وأن الحلول السياسية لم تعد قابلة للتفاوض إلاّ بشروطه وحده؟لقوته ولسيطرته على جميع مفاصل هيئة الامم ومجلس الامن وحلف النايتو والاقتصادالعالمي .
هذه الأفكار مطروحة بين الأسود والحمائم في الكونكرس الأمريكي ومتخذي القرار، وستكون الأغلبية للتصويت الذي يرجح أي إجراء يتخذ، وهنا سيخرج أوباما من الملامة إلى السند القانوني والديمقراطي، وأن صلاحياته لا يمكن تجاوزها بوجود ممثلين عن كل الأمريكيين،
والسبب قد لا يعود لتصويت البرلمان البريطاني ضد المشاركة، بينما في فرنسا هناك صلاحيات للرئيس بحق استخدام القوة دون الرجوع للبرلمان ، حسب متطلبات الموقف العام للبلد .
وهذا ما يفتح الباب، إذا ما تم الاتفاق على الضربة لمحور أمريكي – فرنسي جديد، لكن ماذا عن بقية دول أوروبا الأعضاء في حلف الأطلسي حين اختفت ألمانيا وهي القوة الأساسية في أوروبا وكذلك أسبانيا وإيطاليا، وتنفرد تركيا فقط في تأييد التدخل والمشاركة فيه؟. حسابا لمصالحها الخاصة وليس مصالح النايتو او الشعوب الاخرى .
التقديرات العربية وحتى الدولية تختلف عن أمريكا وحلفائها، فهي تملك جميع الأسباب القانونية والقدرات العسكرية بتوجيه الضربة لكن يبقى الأهم ما بعدها، وهو الذي تجري عليه حسابات الخسائر والمكاسب والتقويم التام لجميع الاحتمالات الأخرى..
وتختلف القرارات والتقديرات من رئيس الى اخر ومن زمن الى اخر وحسب حكم علاقاته بالعالم العربي والاسلامي والدولي وحسب مصلحة امريكا العليا وحتى تبقى امريكا على راس تاج الهرم العالمي والخوف منه ويحسب له الف حساب قبل الدخول معه باي حرب او عداء يجب ان تعيد حساباتها الف مرة قبل ان تقدم على اي عمل عسكري من شانه المساس بمصداقيتها وافقادها بريق الثقة في العالم وتجنب العالم امريكا في تعاملها في جميع امور الحياة .