23 ديسمبر، 2024 1:33 م

ماذا لو لم ؟!

ماذا لو لم ؟!

يُنقل عن المرجع الشيعي الأعلى الأسبق المرحوم آية الله العظمى السيد محسن الحكيم (قدس سره الشريف) أنه كان يقول:
 )) نريد حاكماً عادلاً ، سواء كان شيعياً أو سنياً ، ولا نريد الحاكم الظالم ، سواء كان شيعياً أو سنياً )) .
ويروي إبن الطقطقي في الآداب السلطانية مايلي :
 (لما فتح السلطان هولاكو بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة هجرية أمر أن يستفتى العلماء أيهما أفضل: السلطان الكافر العادل أم السلطان المسلم الجائر ؟ ثم جمع العلماء بالمستنصرية لذلك ، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب وكان رضيُّ الدين علي بن طاووس حاضراً هذا المجلس وكان مقدماً محترماً ، فلما رأى إحجامهم تناول الفتيا ووضع خطه فيها بتفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر ، فوضع الناس خطوطهم بعده).
حول هذا ؛ تحدث الشيخ علي الكوراني (أطال الله عمره الشريف) بما يلي :
هذه الفتوى قد تصدم شعور المسلم المثالي الذي يعيش أجواء النظرية دون التطبيق ، وينظر الى الشكل والاسم أكثر من المضمون والجوهر !
ولكي تُقنع هؤلاء الذين يحلِّقون في عالم النظرية ينبغي أن تحدثهم عن شئ من الواقع ليصححوا رؤيتهم ! والواقع هنا: أن الدين عندما تستعمله السلطة لمصادرة الحد الأدنى من حق الإنسان في حقه في العيش وحرية الإعتقاد والتعبير ، فلا يمكنك أن تطلب منه أن يعترف بشرعيتها ، أو يسكت على اضطهادها له ولا يقاوم . فالمشكلة مع سلطة كهذه متقدمةٌ رتبةً على الدين لأن الدين موضوعه الإنسان ، فإذا سحق الإنسان فقد سحق موضوع الدين !
إن علينا أن نعترف بأن تاريخ أمتنا ملئٌ بالإجبار والإكراه والاضطهاد ، وبأنا لا نجد في تاريخنا أحداً يحترم الإنسان المسلم إلا النبي وآله صلى الله عليه وآله ولهذا كانت معركة المسلمين مع حكوماتهم دائماً مطالبتها بألف باء حرية الإنسان واحترامه!وهي معركة بدأت بمجرد أن أغمض النبي صلى الله عليه وآله عينيه وما زالت !
قال ابن قتيبة/30: (إن أبا بكر أخبر بقوم تخلفوا عن بيعته عند علي فبعث إليهم عمر بن الخطاب فجاء فناداهم وهم في دار علي وأبوا أن يخرجوا فدعا عمر بالحطب فقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها عليكم على ما فيها ! فقيل له: يا أبا حفص إن فيها فاطمة ! فقال: وإنْ ) ! انتهى.
إن كل القضية تكمن في هذا التحول في يوم وفاة النبي صلى الله عليه وآله ،حيث استبدلت تأكيدات الوحي باحترام الإنسان، بقانون تحالف قريش بالإجبار على بيعة المتغلب ، وإلا فيستحق الممتنعون الحرق وهم أحياء حتى لو كان فيهم عترة النبي وأطفاله صلى الله عليه وآله ! فهذا هو الأساس الذي قامت عليه كل الأنظمة وجاء بكل الخلفاء في العصور! واليك هذه النماذج من تعامل الخلافة مع المسلم:
قال ابن كثير في النهاية:8/123: ( إن معاوية لما مرض مرضته التي هلك فيها دعا ابنه يزيد فقال: يا بني إني قد كفيتك الرحلة والترحال ووطأت لك الأشياء وذللت لك الأعداء ، وأخضعت لك أعناق العرب ، وإني لا أتخوف أن ينازعك هذا الأمر الذي أسسته إلا أربعة نفر: الحسين بن علي ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر . فأما ابن عمر فهو رجل ثقة في العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك ، وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه ليدعونه حتى يخرجونه عليك فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً . وأما ابن أبي بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئاً صنع مثله، ليست له همة إلا في النساء واللهو.
وأما الذي يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب ، وإذا أمكنته فرصة وثب ، فذاك ابن الزبير ، فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطعه إرْباً إرْباً ).
وفي تاريخ دمشق:10/256: (بشْرُ بن مروان بن الحكم كان إذا ضرب البعث(التجنيد) على أحد من جنده ثم وجده قد أخل بمركزه ، أقامه على كرسي ثم سمَّرَ يديه في الحائط ثم انتزع الكرسي من تحت رجليه فلا يزال يتشحط حتى يموت) !
وفي تاريخ الطبري:6/525: (كنت فيمن جاء إلى الرشيد بأخي رافع(أسيراً)قال فدخل عليه وهو على سرير مرتفع عن الأرض بقدر عظم الذراع ، وعليه فرش بقدر ذلك أو قال أكثر ، وفي يده مرآة ينظر إلى وجهه قال: فسمعته يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون . ونظر إلى أخي رافع فقال: أما والله يا ابن اللخناء(القذرة)إني لأرجو أن لا يفوتني خامل يريد رافعاً كما لم تفتني! فقال له: يا أمير المؤمنين قد كنت لك حرباً وقد أظفرك الله بي فافعل ما يحب الله أكن لك سلماً ولعل الله أن يلين لك قلب رافع إذا علم أنك قد مننت عليَّ . فغضب وقال: والله لو لم يبق من أجلي إلا أن أحرك شفتي بكلمة لقلت: أقتلوه ! ثم دعا بقصاب فقال: لا تشحذ مداك أتركها على حالها(لاتحدَّ سكاكينك)وفَصِّلْ هذا الفاسق وعجِّل لايحضرن أجَلي وعضوان من أعضائه في جسمه ! ففصله حتى جعله أشلاء فقال: عُدَ أعضاءه فعددت له أعضاءه فإذا هي أربعة عشر عضواً ، فرفع يديه إلى السماء فقال: اللهم كما مكنتني من ثأرك وعدوك فبلغت فيه رضاك ، فمكني من أخيه ! ثم أغمي عليه وتفرق من حضره ثم مات من ساعته). (وغرر الخصائص/394 ، والنهاية:10/231).
وفي عيون إخبار الرضا عليه السلام:1/172: (وكان الجلودي في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بن محمد بالمدينة، بعثه الرشيد وأمره إن ظفر به أن يضرب عنقه ، وأن يغير على دور آل أبي طالب وأن يسلب نساءهم ولايدع على واحدة منهن إلا ثوباً واحداً ! ففعل الجلودي ذلك ، وقد كان مضى أبو الحسن موسى بن جعفر فصار الجلودي إلى باب دار أبي الحسن الرضا هجم على داره مع خيله، فلما نظر إليه الرضا جعل النساء كلهن في بيت، ووقف على باب البيت فقال الجلودي لأبي الحسن:لا بد من أن أدخل البيت فأسلبهن كما أمرني أمير المؤمنين!فقال الرضا: أنا أسلبهنَّ لك وأحلف أني لاأدع عليهن شيئاً إلا أخذته! فلم يزل يطلب إليه ويحلف له حتى سكن فدخل أبو الحسن الرضا فلم يدع عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وأزرهن إلا أخذه منهن ، وجميع ما كان في الدار من قليل وكثير) !!
وفي مقاتل الطالبيين/396: (استعمل المتوكل على المدينة ومكة عمر بن الفرج الرخجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم وكان لايبلغه أن أحداً أبر أحداً منهم بشئ وإن قل إلا أنهكه عقوبة وأثقله غرماً، حتى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة ثم يرقعنه ويجلسن على مغازلهن عواري حواسر إلى أن قتل المتوكل)!
وفي عيون إخبار الرضا عليه السلام:2/102: (لما بنى المنصور الأبنية ببغداد جعل يطلب العلوية طلباً شديداً ويجعل من ظفر منهم في الأسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر ! فظفر ذات يوم بغلام منهم حسن الوجه عليه شعر أسود من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب ، فسلمه إلى البناء الذي كان يبني له وأمره أن يجعله في جوف أسطوانة ويبني عليه ، ووكل عليه من ثقاته من يراعى ذلك حتى يجعله في جوف أسطوانة بمشهده ، فجعله البناء في جوف أسطوانة فدخلته رقه عليه ورحمه له فترك الأسطوانة فُرْجةً يدخل منها الروح فقال للغلام: لا بأس عليك فاصبر فإني سأخرجك من جوف هذه الأسطوانة إذا جن الليل ، فلما جن الليل جاء البناء في ظلمه فأخرج ذلك العلوي من جوف تلك الأسطوانة وقال له: إتق الله في دمي ودم الفعلة الذين معي وغيِّب شخصك ، فإني إنما أخرجتك ظلمه هذه الليلة من جوف هذه الأسطوانة لأني خفت أن تركتك في جوفها أن يكون جدك رسول الله يوم القيامة خصمي بين يدي الله عز وجل) ! وفي بيت الأحزان/103:(فلما نام القوم دخل خالد بمن معه على مالك في بيته وقتله غدراً ودخل بامرأته في ليلته… ثم سباهم وسماهم أهل الردة).
وفي معجم البلدان: 4/447: ( أبو جعفر الكرخي…وكان أبو القاسم بن أبي عبد الله البريدي لما ملك البصرة صادره على مال أقرف به وسمر يديه في حائط وهو قائم على كرسي ، فلما سُمِّرت يداه بالمسامير في الحائط نحَّى الكرسي من تحته وسلت أظافره وضرب لحمه بالقضيب الفارسي) .
وفي شرح النهج: 18/270: (فاستأذن عليه جماعة من أهل البصرة منهم ابن المقفع فأدخل ابن المقفع قبلهم وعدل به إلى حجرة في دهليزه، وجلس غلامه بدابته ينتظره على باب سفيان ، فصادف ابن المقفع في تلك الحجرة سفيان بن معاوية وعنده غلمانه وتنور نار يسجر فقال له سفيان: أتذكر يوم قلت لي كذا؟! أمي مغتلمة إن لم أقتلك قتله لم يقتل بها أحد ! ثم قطع أعضاءه عضواً عضواً وألقاها في النار وهو ينظر إليها حتى أتى على جميع جسده ، ثم أطبق التنور عليه وخرج إلى الناس).
وفي أعيان الشيعة:1/28: (وفعل المنصور ببني الحسن السبط الأفاعيل فحملهم من المدينة إلى الهاشمية بالعراق مقيدين مغللين وحبسهم في سجن لا يعرفون فيه الليل من النهار، وإذا مات منهم واحد تركه معهم ، ثم هدم السجن عليهم). (راجع مروج الذهب:3/299 ، وابن الأثير:5/551) .
(وكان لنمرود تنور من حديد يحرق فيه من غضب عليه). (نهاية الإرب/2599).
وفي وفيات الأعيان:5/100: (وكان ابن الزيات المذكور قد اتخذ تنوراً من حديد وأطراف مساميره المحددة إلى داخل وهي قائمة مثل رؤوس المسال ، في أيام وزارته ، وكان يعذب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال ، فكيفما انقلب واحد منهم أو تحرك من حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه فيجد لذلك أشد الألم ، ولم يسبقه أحد إلى هذه المعاقبة ، وكان إذا قال له أحد منهم أيها الوزير ارحمني فيقول له: الرحمة خور في الطبيعة)!
(سنة سبع وعشرين وستمائة ، فيها أخذ السلطان جلال الدين بن خوارزم شاه مدينة خلاط بعد حصار طويل أقام عليها عشرة أشهر ، ولما بلغ صاحبها الملك الأشرف ذلك استنجد بملك الروم وغيره من الملوك وواقع جلال الدين الخوارزمي المذكور وكسره بعد أمور، وقتل معظم عسكره وامتلأت الجبال والأودية منهم وشبعت الوحوش والطيور من رممهم، وعظم الملك الأشرف في النفوس) ! (النجوم الزاهرة:6/273).
(سار إلى خلاط فنهب وسبى الحريم ، واسترق الأولاد وقتل الرجال ، وخرب القرى وفعل ما لايفعله أهل الكفر).(السلوك للمقريزي/122) .
(وأخذ زوجة الأشرف ودخل بها من ليلته).(نهاية الإرب للنويري/6648(
وفي أعيان الشيعة:2/69: (الشيخ أيوب بن عبد الباقي البوري البحراني . هو من أعيان العلماء ، وفي السنة التاسعة بعد الألف رحل من البحرين لضيق المعيشة وقطن في الديار المصرية ، وصار مدرساً للشافعية حتى فهموا منه التشيع فقتل في حجرته في السنة العاشرة بعد الألف). انتهى. فتأمل جيداً في قوله: (حتى فهموا منه التشيع فقتل) ! فيكفي أن يظنوا أو يشكوا شكاً في تشيعه ، حتى يستحق الموت !!
أقول: على ضوء هذا الواقع فإن سؤال أيهما أفضل: الحاكم الكافر العادل أم المسلم الجائر؟ ينبغي أن يوجه الى المسلمين المضطَهدين المسلوبين أبسطَ حقوقهم ، فهم ضحايا الجور الذين يفهمون السؤال وأنه يعني: أيهما تفضل: الحرية الدينية باسم الكفر ، أو الإضطهاد الديني باسم الإسلام ؟
وعلى هذا السؤال أجاب ابن طاووس رحمه الله وتبعه فقهاء المذاهب وأفتوا بتفضيل حكم الكافر العادل على حكم المسلم الجائر ، وبه يجيب كل صاحب دين .
وبه حكمَ الإمام الصادق (عليه السلام) ففي الكافي:2/410: (عن أبي بكر الحضرمي قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أهل الشام شرٌّ أم الروم؟ فقال: إن الروم كفروا ولم يعادونا ، وإن أهل الشام كفروا وعادونا ! ).
وفي معرض آخر ؛ يذكر محمود الزيباوي عن إبن الطقطقي في الآداب السلطانية أيضا …
يخبرنا الراوي أن “السلطان هولاكو لما فتح بغداد وقتل الخليفة ، محا أثر بني العباس كل المحو، وغيَّر جميع قواعدهم، حتى إن الذي كان يتلفظ باسم بني العباس كان على خطر من ذلك”. جمع الحاكم الجديد بعضًا من خدم الخليفة المخلوع، وكان عليهم “زي دار الخلافة”، وقال لهم: أنتم كنتم قبل هذا للخليفة، وأنتم اليوم لي، فينبغي أنكم تخدمون خدمةً جيدة بنصيحة، وتزيلون من قلوبكم اسم الخليفة، فذاك شيء كان ومضى، وإن آثرتم تغيير الزي والدخول في زينا كان أصلح”. فقالوا: “السمع والطاعة”، ثم غيَّروا زيِّهم ودخلوا في زيِّ المغول.
والحالة هذه ؛ فلعل كتاب الآداب السلطانية لا يختلف كثيراً عن كتاب الأمير ميكافيلي من ناحية إفادة الحكام والزعماء . ولعل أهل العراق العباسيون لا يختلفون عن أهل العراق البعثيون ، الذين بدّلوا الزيتوني والقلمين بالقاط والمحبسبن ، وبدلوا (رفيقي) إلى (مولانا) و (أستاذ) و (كاكا) و(حياتم) و (أغاتي) و (حبيبي) !!!
ومهما يكن من حال ؛ فليس المهم من يحكم العراق ، لكن المهم أن يحكم العراق رجال صدقوا ما عاهدوا الشعب عليه .
الشعب العراقي ؛ شعبٌ مسلم مسيحي صابئي إيزيدي شبكي عربي كردي تركماني سني شيعي آثوري شيوعي متديّن قومي علماني كافر هذه حقيقة ، لكن ؛ التي ليست حقيقة أنَّ هؤلاء متفقين متعايشين منسجمين متعاونين لأجل وطنهم.
كيف ؟!!! والأكراد يفكرون بسعادة إقليمهم ، والشيعة يفكرون في حصاد مقاعدهم ، والسنة يفكرون في حصاد مقاعدهم ، والعلمانيون يهمهم سلامة حالهم ، والشيوعيون يفكرون بفوز قائمتهم ، والفضيلة تتمنى أن تحصد العدد الأكبر من المقاعد ، والدعوة تتمنى أن تحصد العدد الأكبر من المقاعد ، والتيار الصدري يتمنى أن يحصد العدد الأكبر من المقاعد، وأهل الرمادي لهم تظاهراتهم الخاصة ، وأهل البصرة لهم تظاهراتهم الخاصة ، والمفخخات تنفجر على كافة المكونات العراقية !!!