في الواقع إن ذلك لا يخيفنا بل العكس ، فالجميع يتمنى أن يحصل على كهرباء مستقرة ودائبة على مدار اليوم ، لكن الذي يخيفنا هو الضياع التام لثقتنا في الحكومة المنغمسة تماما في الفساد ، والمتوجهة بكل ثقلها للجباية ورفعها للدعم ، فما الذي سيضمن انها ستختلف عن خدمات الهاتف النقال والأنترنيت ، وهي الأسوأ والأغلى في العالم ، ربما تشبه أساليب الإبتزاز ذات الصيغة الرسمية ، كصقر بغداد مثلا ، وأتضح انه لم يكن سوى فأر نافق ! ، هذا هو الخط العام للحكومة ، ذلك الذي أدركه المواطن منذ زمن بعيد ، فقد كانت الخصخصة ذريعة للقضاء على التجاوزات والهدر ، ولو كانت للحكومة هيبة وقوة لفرض القانون ، ما حصل ذلك أصلا ، أي إننا ندفع ثمن فشل الحكومة على هيئة أرواح ودم ومال وجهد ! .
الشبكة الكهربائية متهالكة ولا تحتمل التجهيز المستمر أصلا ، ثم إن الطاقة الإنتاجية غير كافية إطلاقا لهذا المشروع ، هذا يعني أن إنتشار هذا المشروع سيعمل بنظام التقنين ، أي بنظام الحصص ، وربما ستشغل العائلة العراقية جهاز تكييف واحد ، ينام الجميع تحت نسيمه ، وكأنهم لاجئون في عقر دارهم ! ، ولكون أجور الجباية ستكون باهضة لأن المواطن سيقع تحت رحمة ومزاج تلكم الشركات المعنية بالمشروع ، وسيعزف عن تشغيل حتى مصابيح إنارة منزله الخارجية ، وستبقى أحيائنا غارقة في الظلام ، وسوف لن يعيد هذا المشروع ألق بغداد المضيء ، وسيبقى وجهها مظلما ، بل ربما سيحن المواطن إلى كهرباء المولّدات (السحب) ، رغم مزاجية أصحابها العكرة والإنتهازية ! .
فلماذا كُتب على العراقي أن لا ينعم بهواء بارد بمفرده في المنطقة الأشد حرّا على وجه الأرض ، اليس ذلك من أبسط الحقوق ؟ وهو يعيش على بحيرة من البترول ، حوّلتها السياسات الرعناء والفاسدة والبعيدة عن الأمانة والمسؤولية ، إلى جحيم يعتمل تحت قدميه ؟ هل يعلم المعنيون ، أن درجة الحرارة المثالية للإنسان جسدا وعقلا ليعمل بصورة سوّية هو 24 مئوية ، وكل درجة تزداد ، تقلل من كفاءة هذا الجسد 10% ، أي عليهم أن لا يتوقعوا عملا أو إنتاجا بدرجة 40 مئوية ، ثم كيف ستتعامل هذه الشركات مع المرافق العامة المستهلكة للطاقة ؟ كإنارة الشوارع والتي تحتاج إلى مئات الميغاواطات من الطاقة في بغداد ؟ هل يعلم المعنيون بهذا المشروع ، أن مصابيح السيارات لا تكفي وحدها ليلا ، لأن المعوّل القانوني العالمي للقيادة السليمة ليلا هو إنارة الشوارع بأنوار باهرة ؟ ، ربما ستحوّل جباية أعمدة الإنارة هذه إلى المنازل القريبة منها ، وسيكون مجرد قرار قرقوشي آخر لا نسنبعده ! ، لأن (الميّت ميتي وأعرفه شلون مشعول صفحة) ! ، نسأل الله أن يجعل حياة من كان السبب (وهم جيش من الفاسدين) مظلمة كظلمة أحيائنا التي صارت كالقبور ، تعتصر النفس وتغرس التشاؤم واليأس ، وأنت تشق الظلام إلى حيث منزلك المظلم !.