سؤالٌ مصيريٌّ وملح نطرحه و يحتاج لأجابة شجاعة.
تصاعدت وتيرة الدعم العسكري لطرفي النزاع في سويا بإضطراد.وخاصة بعد مؤتمرالدوحة , ومساندو كلي الطرفين يتراشقون التهم بذلك. وكل يدعي له وحده الحق بتجهيز الطرف الذي يسانده بالدعم والسلاح بالمقدمة.أمريكا تدرب مسلحي المعارضة وتزودهم بالخبرة والمعلومات والدعم اللوجستي والسلاح. وفرنسا وبريطانيا تضخ الأسلحة جهارا. وتركيا تقيم معسكرات التدريب. ودول الخليج تدفع بأموال طائلة لتُديم أوار نار الحرب وتزيد من الشحن الطائفي.وبالمقابل إيران وروسيا لا تبخلان على النظام السوري بسلاح أو مقاتلين. الجميع يضخ السلاح ويدعم صاحبه لوجستياً. والتأجيج الطائفي والأعلامي من هنا وهناك على قدمٍ وساق . وشعبنا في سوريا تحرقه نيران الحرب والتشريد في المنافي وبنى سوريا وإقتصادها ينهاران ساعة بعد أخرى.
فماذا ستكون النتيجة بأحسن الأحوال؟أظنها التجربة ذاتها التي نُفِّذَت في أفغانستان والعراق هي ستكون الحصيلة.فوضى وإضطهاد ديني وطائفي وإبادة جماعية وتعطيل لكل المسار الحضاري والأنساني , وإندحار للقوى الليبرالية والديموقراطية وتغييب لحقوق الإنسان عامة والمرأة خاصة.وهذا هو مبتغى الغرب و إسرائيل بلا جدال.
ومن حقنا كعرب ومهتمين بالشأن السوري أن نتحدث بصراحة وأمانة.لأن النار التي تشتعل في سوريا وتداعياتها ستصيب العراق والدول المجاورة وسينعكس هذا بالتأكيد على أمننا القومي.والأمن الأقليمي وربما العالمي بشكل خطير جداً.
ومن حقنا أن نسأل ماذا لو إن الأمور آلت الى إستلام حكم يقوم على منهج جبهة النصرة في سوريا؟
ماذا لوفُتِحَ باب جهنم؟
ماذا سيحل بالشعب في سوريا لما عرفناه عنه من تحضر ورقي ومدنية؟ وما مصير الثقافة والمثقفين والفن والفنانين والشعراء؟ وما مصير السياحة وهل سيورِق ياسمين الشام وهل سيفوح عطراً كما كان؟ وهل سيصدح صباح فخري يا مال الشام يا الله يا مالي طال المطال يا حلوي تعالي؟ وكيف سيكون حال الصالحية وعرنوس والشعلان والروضة والمالكي والقصاع وأبي رمانة,بعد أن تُحْكَم بشريعة طالبان. وتتحول هذه المناطق الجميلة الى قندهار.أم مصير الشام وأهلها الى زوال بقذائف سكودا و الهاون التي يتراشق بها الطرفان؟كما حدث في كلية الهندسة في وسط دمشق.
وهل للديموقراطية مستقبل ووجود في سوريا حينذاك ؟أم سيكون حكماً تكفيرياً شمولياً متزمتاً ؟ألم نتعظ من الدروس في أفغانستان وماذا حل بها من حكم طالبان؟ وكم سيعاني السوريون من هذا؟ وإن مازرعه الغرب من شرِّ بخلق تنظيم القاعدة ورعايته في أفغانستان . حصده الأفغان ومن جاورهم والعالم ضحايا وحروب وتخلف في كل شيء أصاب تلك البلدان؟
وماذا سيحل بلبنان وسلمها الأهلي, والسياحة فيها؟ ووضعها الأمني والأجتماعي ولبنان مرآة تعكس ما يجري في سوريا .فما هو مصير هذه الرئة (لبنان)التي يتنفس منها العرب؟ وقد إمتد لهيب حرائق سوريا لطرابلس تمخض عن قتال بين جبل محسن والتبانة وأحداث أخرى خطيرة في مدن لبنانية أخرى ,وإستقالة حكومتها . وهي من تداعيات الأزمة السورية.فهل سيبقى لصوت فيروز حيز من فضاء في دولة ضبابية مضطربة تتراقص على كف عفريت؟ وماذا سيحل بالعراق وماهيَّ ردة الفعل فيه ؟ وما مصير الديموقراطية وحقوق الأنسان في العراق ولبنان؟لاشك سيسود البلدان إضطراب أمني خطير, وزعزعة لأنظمة, ومتاهات الله يعلم بها.وإن لم تكن نيراناً مشتعلة فدخان ثقيل و كثيف يسمم الأجواء.
سؤال مهم جداً ماذا لو إستولت جبهة النصرة على الحكم في سوريا وفُتِحَ باب جهنم؟
وماذا سيكون شكل الموقف العربي عموماً والمنطقة بأسرها, إن فقدت سوريا هويتها العربية كما فقدها العراق, أو تشوشت هويته وأصبحت ضبابية؟وما الموقف العربي حيال تجاوزات إسرائيل الخطيرة, بعد أن تخور قوى العرب وتضعف؟ بالتأكيد إن إسرائيل ستوسع مشروعها الأستيطاني. وتستولي على أرضٍ أكبر. وترسخ أقدامها في القدس الشريف. وستهودها بالكامل .لنتحرى كل هذا, ونتصور مآل الشعوب العربية التي تخوض معركة التغيير. وما حصل فيها من تكالب على السلطة من الأسلام السياسي المتشدد , وإلغاءه حق الآخرين بالمشاركة في صنع القرار. ومقتل المناضل شكري بلعيد في تونس هو الشاهد والدليل. وهذا هو الجرح المصري النازف بعد تجربة أخونة الدولة المصرية العريقة في المدنية, وممارسات الأخوان المسلمين المشبوهة ومنهجهم في التسريع بإكمال أخونة الدولة وإزالة المعوقات التي تقف حائلاً دون تغيير معالمها المدنية, وتشويه الهوية الحضارية والثقافية والمجتمعية لمصر , بدءً بتشوية صورة وهوية القوات المسلحة المصرية الوطنية ودورها التأريخي.وتلبيسها تهماً وتشويه سمعتها ومحاولة أخونتها, والهيمنة على القضاء وتسخيره لنواياهم, وإلغاء حياديته ونزاهته ومهنيته التي يشهد لها القضاء العالمي . ومحاولة إلغاء دور الأعلام المصري وكم أفواه المعارضين من أصحاب الرأي والفكر المتحرر.وإلصاق تهم بفنانين وكتاب ورميهم بالفجور أو معاداة الأسلام. للبدء بإنتاج دولة دينية وراثية سواء كانت دولة الخلافة أو دولة المرشد الأعلى أو إمارة الأخوان . ومحاولتهم فرض أنظمة وقوانين بحجة تطبيق الشريعة الأسلامية في مصر.فمصر اليوم فوضى وإعتصامات وغلق لشوارع وميادين ومصانع, وتعطيل للأقتصاد والتنمية.فمن غير المعقول أن تَستبعد فئةٌ بإسم الأسلام ملايين المسيحيين الأقباط. وهم أهل مصر الأوائل من الساحة السياسية.وتلغي حقوقهم المدنية والدستورية والأنسانية. فالأسلام لا يرتضي هذا أبداً.
إن كل يوم يمرُّ يشكل خسارة فادحة لمصر وشعبها ولأهداف ثورة 25 يناير وشعارها (عيش حرية عدالة إجتماعية) فجماعة الأخوان المسلمين ومرشدها والرئيس المنتمي لها ليست في أجندتهم مصر الشعب والأمة. وإنَّما تسعى للأستيلاء على مقدراتها وإمكانياتها وإستغلالها في الأمتداد هنا وهناك, لتحقيق حلم الخلافة الأسلامية ولكن ليس كما أراد الأسلام بل كما يردون وكما يوحي لهم به ذهنهم التكفيري.
وأمامنا في ليبيا مشهد رجال ملتحين يجلدون شباباً بالسياط في ساحة عامة تطبيقاً لشريعتهم التكفيرية ,لا للشريعة الأسلامية السمحة.وهذه هيَّ حصيلة ربط الدين بالدولة اليوم, لا كما كانت أيام الرسول الكريم .
وكأنك يا أبا زيد ما غزيت . فقد تحولت الأنظمة من حكومات ديكتاتورية ثارت عليها الشعوب لديكتاتوريات بلون آخر مُحَسَّن. فإستولت على السلطة أحزاب الأسلام السياسي وهي لا تعرف و لا تفهم إلا مَنْ لم يكن معي فهو ضدي وعليه ليَّ كل الحق أن أستبيحُ دمه وعرضه وماله ولا حق له بشيء.
ماذا لو نجح المشروع الأمريكي الأسرائيلي الخليجي وآل الأمر لجبهة النصرة التسلط على شعبنا في سوريا وتداعت الهوية العربية في البلدان العربية الواحدة تلو الأخرى كما حصل في العراق؟أليس هذا هو فتحٌ لباب جهنم؟
العقل يقول والدين يقول إن الأسلام ليس حركة سياسية.بل دين عقل وتَفَكرٍ وحضارة وعلم ومنطق ومدنية وإنسانية.دين(لعلهم يتفكرون,و, لعلهم يعقلون).فماذا لو تسلط على الرقاب من يفهم الدين قتلاً وتهجيراً وإقصاءً وتحريم علومٍ وإلغاءَ حضارة؟؟؟؟؟
إن إستحوذت جبهة النصرة على الحكم في سوريا فهل هناك أملٌ بإقامة دولة مؤسسات المجتمع المدني في سوريا,وهل سَتُأسس دولة حديثة تفصل الدين عن الدولة؟أم سيجري في سوريا ما جرى في العراق.حيث لا وجود فعلي لمؤسسات المجتمع المدني فيه.بل دولة قائمة على المحاصصة الطائفية والعرقية,تلغي كل حق لمن لا ينتمي لأحد مكوناتها الدينية المسيسة أو القومية المتطرفة.
هناك مفهومان للأسلام الأول يقول: وجادلهم بالتي هي أحسن.وهو جوهر الأسلام الذي يدعو للسلام, والثاني يُفَسَّر على هوى البعض: وإقتلوهم حيث ثقفتموهم.فأي مفهوم نعتمد؟
ولماذا لا يكون الدين لله والوطن للشعوب؟فلا أظن الأسلام إلا دين سعادة للأنسانية,ولن يرضى الله عمَّن يريد شراً بالبشر.
هذه أسئلة نوجهها للحكام في سوريا وللمعارضة أيضاً وللعرب عامة.أما آن الأوان للحوار والتبادل السلمي للسلطة وفق صناديق إقتراع يشرف عليها محايدون في بلداننا؟والكف عن التأجيج الطائفي والأعلامي والهرولة وراء مخططات من يريد بنا شرّاً.
[email protected]