قبل اكثر من عام نشرت مقال في صحيفة عربية واسعة الانتشار طرحت فيه فكرة ترشيح رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني لرئاسة الجمهورية العراقية ، بناء على شائعة قوية انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي تفيد بنية رئيس الإقليم بترشيح نفسه للمنصب العراقي الكبير ورغم نفي مكتب الرئاسة الخبر جملة وتفصيلا وكذب الشائعة ، فانها فيما يبدو قد راقت لبعض الأوساط السياسية العراقية والزعماء السياسيين الفكرة واولوا أهمية خاصة للامر وعلى رأس هؤلاء زعيم التيار الصدري”مقتدى الصدر”الذي كان ضمن التحالف الثلاثي مع الديمقراطي الكردستاني والسيادة السنية قبل ان ينفرط عقده تحت ضغوط داخلية وخارجية ، ففي لقاء مهم جمع “الصدر” ب”نيجرفان” في مدينة النجف في أواخر شهر يونيو من عام 2022 فاتحه الصدر بفكرة تقديم نفسه كمرشح لرئاسة جمهورية العراق ، ولكن الحزب الديمقراطي لم يأخذ مبادرة الصدر مأخذ الجد واصر على مرشحه الذي قدمه ورفضه الاطار التنسيقي ، وبرأي ان تجاهل مباردة الصدر كان من اكبر الأخطاء التي ارتكبها الديمقراطي الكردستاني ، وذلك لعدة اسباب منها ؛ ان نيجيرفان بارزاني رجل مقبول داخليا وخارجيا وله علاقات دولية ممتازة وتربطه صداقات مع زعماء دول مهمة مثل تركيا والامارات وفرنسا والاهم انه يحظى باحترام ومقبولية لدى قادة”الاتحادالوطني” فاذا ما تذللت عقبة “الاتحاد” فان القوى الشيعية والسنية لا توجد لديها خطوط حمراء على شخص”نيجيرفان” لكون المنصب من حصة الاكراد أصلا ، وأيضا لكونه يتمتع بصداقات طيبة مع زعماء الشيعة والسنة على حد سواء .
ولو عمل الديمقراطي الكردستاني بنصيحة او مقترح مقتدى الصدر وطرح اسم “نيجيرفان” للترشيح لرئاسة العراق واراد هو ان يخوض التجربة فانه كان سينالها في النهاية من خلال التسوية اوالمقايضة السياسية. وكنا قد تخطينا ازمة اختيار مرشح لهذا المنصب المثير للجدل دائما.
وربما لتغير مسار الاحداث اللاحقة واثّر على قرار مقتدى الصدر بالانسحاب من العملية السياسية ومواصلة عمله السياسي باتجاه تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية مع شريكيه السني والكردي بسلاسة ويسر وكفى الله المؤمنيين شر القتال!
ولكن الصراع العبثي بين الحزبين الكرديين على منصب رئاسة العراق وإصرار كل طرف على مرشحه المثير للجدل من تشكيل الحكومة قد مكن الاطار التنسيقي والفصائل المسلحة من حياكة المؤامرات والدسائس ضد مقتدى الصدر والتحالف الثلاثي واجهاض تشكيل حكومة وطنية، وهذا ما أدى الى تفويت فرصة كبيرة على الشعب الكردي لأداء دور اكثر قوة وفعالية في الحكومة الوطنية القادمة والتخلص من الطغمة السياسية القديمة التي هيمنت على حكم العراق منذ 2003 والتي دمرت البلاد و جعلتها في اسفل قائمة الدول الأكثر سوءا وفسادا في العالم .
وكان من الممكن لإقليم كردستان ان يتخلص من ويلات الحصار السياسي والاقتصادي والإجراءات التعسفية”الوهمية”التي فرضها عليه “نوري المالكي”منذ 2014 ويبعد عن سماه صواريخ الفصائل الإرهابية وينعم بسلام دائم ، ولكن تعنت الحزبين الكرديين في موقفهما الخاطيء وعدم شعورهما بالمسؤولية الوطنية واصرارهما على اختيار شخصيات جدلية لرئاسة الجمهورية ، واصطفاف بعض الأطراف مع أعداء السلطة في إقليم كردستان والتخندق ضدها ، قد فوت فرصة كبيرة على الشعب الكردي .. صحيح ان للضغوطات الخارجية والداخلية دور كبير على قرار الصدر المفاجيء بالانسحاب من العملية السياسية ولكن لو كان الحزبان على وفاق في اختيار مرشح غير جدلي لرئاسة العراق، ووحدا كلمتهما ولم يقف احدهما ضد الاخر في جبهتين معاديتين ، ربما لتغيرت الأوضاع كثيرا ولم تتجه الى مزيد من التوتر والتدهور.