أصبح منظرا مألوفا لدى عموم العراقيين وهم يشاهدون كل جمعة تظاهر المئات من العراقيين في ساحة التحرير(الباب الشرقي)، للتعبير عن أحتجاجهم على الحكومة والطبقة السياسة عامة متهمين أياهم بالفساد ويطالبونهم بالأصلاح. وهذا المشهد مثلما تعود عليه العراقيين، تعودت عليه الحكومة وكل الطبقة السياسية واحزاب السلطة أيضا!، حيث لم تعد الحكومة تبالي لأية مطلب من مطالب الشعب، كما لم يعد أحد يسمع هؤلاء المتظاهرين!، كما أنها لم تشعر الحكومة ولا كل أجهزتها الأمنية ولا الطبقة السياسية بشيء من الخوف!.ألأ ان الجمعة الفائتة 24/3/2017 لم تكن كذلك! حيث تجمع مئات الألاف من أتباع التيار الصدري وهم يستمعون الى خطبة زعيمهم السيد مقتدى الصدر، الذي أعلن أمام كل المتظاهرين من أتباعه وبقية المتظاهرين من عموم الشعب وأمام العالم أجمع بأنه مهدد بالأغتيال!!، ودعى انصاره ومريديه الى قراءة الفاتحة على روحه مؤكدا عليهم الأستمرار بالتظاهر السلمي حتى بعد وفاته!. والسؤال هنا: هل اخطأ السيد الصدر عندما أعلن ذلك وسط كل هذه الفوضى التي يعيشها العراق سياسيا وأمنيا وأقتصاديا وحتى عسكريا وهو يخوض المعارك ضد مجرمي داعش؟ قبل الأجابة على السؤال والخوض في تفاصيله، نقول : أن موضوع تعرض السيد الصدرللأغتيال أصبح امرا واردا ليس الآن ولكن منذ تزعمه وتياره للتظاهرات والأعتصامات الشعبية المطالبة بالقضاء على الفساد وتقديم الفاسدين للعدالة؟ وقد توقع وذكر ذلك الكثير من المحللين والمتابعين للشأن العراقي وكذلك الكثير من الكتاب الصحفيين ومنهم كاتب السطور في أحد المقالات. ورغم ما يأخذه البعض على السيد الصدر! بأن قيادته للجماهير الثائرة والمنتفضة والمطالبة بالأصلاح جاءت متاخرة لا سيما وان تياره وخلال السنوات التي مضت كان جزء مشاركا وفعالا في كل الحكومات التي قادت البلاد من بعد سقوط النظام السابق، ولديه الوزراء في الحكومة ووكلاء الوزراء والمدراء العامون، كما وصل عدد نوابه في أحد الدورات في البرلمان بحدود (40) نائب. ويرى الكثيرين بأن كل ممثلين التيار الصدري سواء في وزارات الدولة ومؤوساتها أوفي البرلمان، لم يكونوا أحسن حالا من غيرهم من ممثلي الأحزاب السياسية الأخرى في الحكومة وأكثرهم شرفا وأقلهم فسادا!، بل كانوا كغيرهم من الوزراء والمسؤولين في الحكومة عليهم الكثير من ملفات الفساد!، على سبيل المثال لا الحصر نذكر (بهاء الأعرجي) الغائب عن المشهد السياسي العراقي منذ فترة ( قيل أنه مصاب بالسرطان! وقيل انه اصبح سفير العراق في النرويج!) هذا (الأعرجي) صاحب عبارة ( سأضع كل المتظاهرين تحت قدمي)! أصبح أشهر من
نار على علم بين الفاسدين لكثرة فساده حتى صار حديث الشارع العراقي!!، وقد سبب الكثير من الحرج لأتباع التيار الصدري وحتى لزعيمه السيد الصدر! الذي أضطر اخيرا الى أحتجازه لأكثر من شهرين في منطقة الحنانة في كربلاء!!!. نعود للقول: رغم كل ذلك، يعتبر السيد الصدر الآن قائد تظاهرات الأصلاح الأول في العراق!، كما تطلق عليه الكثير من الصحف العربية الخليجية منها وتحديدا الصحف السعودية!. من جانب آخر أن التظاهرات التي يقودها السيد الصدر واتباعه صحيح انها تطالب بالأصلاحات والقضاء على الفساد وتقديم الفاسدين للعدالة وكذلك مطلبهم الأخير بضرورة تغيير مفوضية الأنتخابات، الا ان الكثير من المحللين السياسيين يرون أن تظاهرات السيد الصدر كأنها موجهة ضد التحالف الشيعي وتحديدا أئتلاف دولة القانون!؟ لكون التحالف هو من قاد (رئاسة الحكومة) منذ تشكيل أول حكومة من بعد سقوط النظام السابق ولحد الان أذا أستثنينا (فترة الشهور الستة التي تزعم فيها الدكتور علاوي الحكومة وهو شيعي أيضا! ولكن ليس من التحالف الشيعي!). وهنا لا بد من الأشارة الى الخلاف القديم بين التيار الصدري وائتلاف دولة القانون والذي يعود الى (حكومة المالكي) في دورته الأولى عام 2006 عندما وجه ضربة قاسية لأتباع التيار الصدري في عموم العراق وتحديدا في محافظة (البصرة) تلك الضربة التي أطلق عليها حينها (صولة الفرسان)!، وهذا الخلاف تعمق أكثر واكثر بمرور الوقت حتى هدد (المالكي) التيار الصدري (بصولة فرسان ثانية) على خلفية الأحداث التي تعرض لها وموكبه في زيارته للبصرة قبل أشهر!!، ولم تفلح كل محاولات قادة بقية الأحزاب الشيعية لرأب الصدع بين أتباع السيد الصدر واتباع المالكي. واكرر ما ذكرته في مقال سابق ان التيار الصدري محسوب على التحالف الوطني الشيعي بالأسم فقط! حيث أنه يختلف مع كل طروحاتهم وأرائهم جملة وتفصيلا!!، وآخرها وليس أخيرها هو عدم حضوره للأجتماع الخاص الذي طرح فيه السيد عمار الحكيم (ورقة التسوية) وكذلك موقفه من موضوع الحشد الشعبي حيث يرى بضرورة حل الحشد الشعبي بعد الأنتهاء من المعارك مع مجرمي داعش!.وتبعا لذلك يرى الكثيرون أن آراء السيد الصدر وطروحاته تتوائم ليس مع مطالب السنة فحسب! بل حتى مع مطالب ومواقف أمريكا والسعودية وقطر وباقي دول الخليج فيما يخص موضوع الحشد الشعبي تحديدا!. لا سيما وأن موضوع الحشد الشعبي وطريقة التصويت عليه في البرلمان وأقرار القانون الخاص به بعد أن أصبح رديف للجيش العراقي أثار الكثير من الجدال في حينها!. ورغم التضحيات الكبيرة التي قدمها أبطال الحشد الشعبي في كل المعارك التي أشتركوا بها والتي أعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء فأن موضوع (الحشد الشعبي) يمثل جوهر الخلاف السياسي الجديد بالعراق بين التحالف الشيعي والتحالف السني أضافة الى الخلافات والمشاكل الكثيرة الأخرى!.ورغم أجواء الدفء السياسي التي تشهدها
علاقات الدول العربية والخليجية تحديدا وتركيا مع العراق في المدة الأخيرة، ألا ان هذه الأجواء لا تعني بأن العراق مقبل على ربيع سياسي بل على العكس من ذلك تماما!، حيث يتوقع الكثيرون بأن الساحة العراقية تحديدا والساحة الأقليمية بشكل عام ستشهد مزيد من التشنج والصراع حال الأنتهاء من المعارك مع داعش، بل سيكون هناك سباق سريع للحصول على المغانم وخاصة من قبل أقليم كردستان وزعيمه البرزاني الطامع في ضم الكثير من الأراضي العراقية للأقليم والذي يرى الكثيرون بأنه يضمر كل الشر والحقد على العراق!( دائما ما يثير البرزاني مشاكل وازمات مع الحكومة الأتحادية وآخرها موضوع رفع علم الأقليم في كركوك). نعود الى صلب الموضوع والى خطبة السيد الصدر التي أعلن فيها بأنه تلقى تهديدات بأغتياله، ونكرر السؤال: هل أخطأ السيد الصدر بأعلانه ذلك؟ أرى وقد يتفق معي البعض بأنه أخطأ في ذلك الى حد بعيد؟!، لأن الذين يتربصون الشر بالعراق كثيرون أن كانوا بالداخل أو الخارج وما زالوا يراهنون ويعملون على أستمرار حالة الفوضى والصراعات الداخلية كلما أمكنهم ذلك!. ومن الطبيعي أن هؤلاء الأعداء الكثر سيستغلون مثل هذا التصريح لتحقيق مآربهم الشيطانية لا سيما أن السيد الصدر لم يسمي الجهة التي هددته بالأغتيال وهذا مما يسهل عليهم خلط الأوراق!، وأذا حدث الأغتيال وهذا مالا نتمناه وما لا نريده، فهذا يعني أنفجار الوضع الداخلي واعادة الأقتتال الأهلي وجر العراق الى مزيد من الفوضى والى نقطة الصفر!، لا سيما والكل يعلم بأن السيد الصدر هو مثابة نصف أله لأتباعه ومريديه! والذين من الطبيعي سينفلت عقالهم بشكل كبير ومخيف وسيكون أنتقامهم أعمى! في حال حدوث أي مكروه لزعيمهم لكونهم لا يعرفون الجهة التي قامت بذلك وهذا ما يريده أعداء العراق وأعداء السيد الصدر؟! ومن الطبيعي أن أتباع السيد الصدر سيصبون جام غضبهم على التحالف الشيعي! وتحديدا أئتلاف دولة القانون الذين يعتبرونه عدوهم المبين!!، ولكم أن تتصوروا ماذا سيحدث والكل تمتلك فصائل مسلحة بكل أنواع الأسلحة! وكيف سيتم تغذية المشهد من قبل أعداء العراق بأكثر من طريقة وطريقة!. وبقدر ما لا نريد ولا نرغب أن يصاب السيد الصدر بأي مكروه لا سامح الله ليس أحتراما لمواقفه وثورته الأصلاحية فحسب، بل من أجل أن لا تسيل أنهار جديدة من الدم العراقي!. وبقدر ما يستبعد الكثيرين حدوث ذلك( أغتيال السيد الصدر) وذلك لكثرة حمايته وكذلك لأعلان الحكومة المحلية في كربلاء والنجف مسؤوليتها الكاملة لحماية السيد الصدر، ولكن بنفس الوقت علينا أن نعرف بأنه لا يصعب على أعداء العراق وأجهزتهم المخابراتية ذلك!، وسبق لهم أن أغتالوا (الدكتور الجلبي) زعيم حزب المؤتمر الوطني رغم الحماية المشددة عليه!، حيث أن المخابرات العالمية لها فنونها في كيفية التخلص ممن تريد التخلص منه!،ولم يعد مخفيا على أحد أن سبب أغتيال الجلبي هو بسبب
تهديده بالكشف عن أسماء الفاسدين! والذين نهبوا ثروات العراق أن لم يكفوا عن فسادهم!، وهذا يعتبرمن الناحية الأمنية والمخابراتية تجاوز للخطوط الحمراء المرسومة للسياسيين الذين قادوا العراق من بعد سقوط النظام السابق فكان لابد من أسكاته!، كما وأن أغتياله حمل رسالة واضحة بأن من يتصدى للفساد والفاسدين سيلاقي نفس المصير!. نعود الى السيد الصدر المهدد بالأغتيال على حد زعمه، والذي يبدوا أنه لم يبالي بذلك ولم تخيفه أية تهديدات ورسائل بل زاد عنادا وأصرارا في تزعمه للتظاهرات الجماهيرية المطالبة بالأصلاح والقضاء على الفساد، أي أن مضمون موقفه لا يختلف عن موقف الدكتور الجلبي!!، والسؤال هنا: هل تجاوز السيد الصدر الخطوط الحمراء بتزعمه للتظاهرات والمطالبة بالأصلاحات فحان الوقت لأسكاته وليكون مصيره كمصير الجلبي؟!، أم أن هناك قراءة أخرى من قبل بعض المحللين السياسيين لكل مشهد التيار الصدري تختلف عن كل ما طرحناه!!. هذا ما ستكشفه قادمات الأيام.