23 ديسمبر، 2024 12:42 ص

ماذا لو تصالحت السعودية و إيران ؟

ماذا لو تصالحت السعودية و إيران ؟

ما دعاني للكتابة حول موضوع المصالحة السعودية الإيرانية أمران مترابطان، الأول هو بروزه مجدداً على الساحة الإعلامية بشكل كبير، والثاني وهو الأهم دوره في تحقيق الأمن والاستقرار في البلاد من خلال حسم ملفات عدة في المنطقة، فالمتتبع لتطورات الأحداث الحالية التي تتفاعل على الساحة السعودية الإيرانية يدرك جيداً بتصاعد وتيرة الجهود التي تبذلها قوى إقليمية ودولية عديدة للوصول الى حوار مباشر بينهما، ومن هذا المنطلق يرى الكثير أن المصالحة السعودية الإيرانية، رغم التعقيدات الحاصلة في المشهد السياسي، إلا أنها ما تزال ذاهبة باتجاه خلق مزيد من الانفراجات في الحوار.

 

في مفاجأة أخرى توجد هناك جهود عراقية تحاول تسهيل الاتصالات بين السعودية وإيران ، خاصة أن العراق سبق أن حققت نجاحات كبيرة في “تسهيل الاتصالات” بين إيران ومصر وإيران والأردن. كما أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي “يريد شخصياً أن يلعب دوراً في تحويل العراق إلى جسر بين الدول المتنافرة”. وهو ما يعطي مؤشرات أولية على احتمالات نجاحها، وذلك لارتباطها بسببين وهما: أنها لم تجرِ في مسقط ولا في الدوحة، ولا في عواصم أوروبية، علماً أن مسقط والدوحة، إلى حد ما، تُعتبران من العواصم العربية المرشحة لمثل هذه المباحثات، والسبب الثاني أن تلك المباحثات تنسجم مع التكوين السياسي والأمني لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي القادم من المؤسسة الأمنية، وهو ما يعني أن بغداد الكاظمي تحظى بثقة وقبول سعودي وإيراني، خلافاً للحكومات العراقية السابقة.

 

من غير المستبعد أن تكون حساسية البنية التحتية النفطية في السعودية (للضربات) قد أثرت في قرار السعودية التفاوض مع إيران وجهاً لوجه. ومع ذلك، كان من الواضح أن العامل الرئيس الذي أثر في قرار السعوديين هو استعداد إدارة الرئيس الأمريكي بايدن إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات مجدداً واستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة من أجل تقليل التوترات في الشرق الأوسط. ما يعني نتائج سلبية جديدة لبعض دول الاقليم في المنطقة “الكيان الصهيوني” الإرهابي الذي يبذل كل ما في وسعه لتأجيج هذا الخلاف حتى لا يحدث أي تقارب حتى ولو كان طفيفاً سواءً على المستوى السياسي أو الدبلوماسي.

 

هنا يبرز السؤال المهم هنا وهو: كيف سترد “إسرائيل” على المحادثات الإيرانية السعودية. فبعد سلسلة من اتفاقيات السلام مع الدول العربية التي تم إطلاقها بوساطة الرئيس الأمريكي السابق ترامب، أبدت سلطات الكيان الصهيوني مراراً رغبتها في إقامة علاقات رسمية مع السعودية، مؤكدة على الحاجة إلى تفاعل كامل في مواجهة “التهديد الإيراني”. ويرى محللون استراتيجيون وسياسيون إسرائيليون أن الحوار المباشر بين طهران والرياض يبطل فاعلية هذه الحجة الآن. ربما يعني نجاح الحوار في بغداد أن الجهود الإسرائيلية المناهضة لإيران، عسكريا ودبلوماسيا، لن تحظى بعد الآن بدعم واسع النطاق في الشرق الأوسط. فقد اختارت معظم الدول العربية الحوار لتحقيق أهدافها بدلاً من العنف والحرب.

 

في هذا السياق إن كل هذه المعطيات تشير الى أن الأيام المقبلة قد تحمل مفاجآت كثيرة، فالسعوديون يشعرون بالإحباط جراء عدم قدرتهم على حجب ما يرونه عودة إيران إلى الساحة الدبلوماسية والدولية، ونهج واشنطن التوافقي والتصالحي تجاه طهران، ، وتراجع حظوظ “إسرائيل” في حشد العرب ضد إيران.

 

مجملاً… إن ثبات واستقرار هذه المنطقة رهن العلاقات الإيجابية بين كل من إيران والدول العربية وعلى الأخص الخليجية منها وان التنمية المستديمة في الدول العربية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال علاقات متينة وإيجابية وثابتة ومستقرة مع جارتهم الكبرى إيران.

 

وخلاصة القول أتوقع حصول إنفراج في العلاقات السعودية- الإيرانية ، لأن ما يجمع هذين البلدين مصالح مشتركة، وما يهدّدهما من مخاطر مشتركة أيضاً، وبالتالي فإن هذه التطورات تشير إلى وجود نوايا للتهدئة فيما يخص المسائل والقضايا الشائكة والمعقدة بين البلدين، إلا أنها لا تحمل حلولاً نهائية لها، كما أن الفترة المقبلة ستوضح مدى فاعلية هذه التحركات، وتأثيرها على إحتمالات التقارب أو التصعيد ومع هذا الإنفراج المرتقب ستشهد المنطقة إنفراجات متعدّدة في بعض الملفات الاقليمية والدولية.