ليس في الكلمات التي تلي لوم على أمّةٍ بعينها لشيء. إنما هو استعراضٌ لفرصٍ ساهمنا في إضاعتها نحن سكان الشرق الأوسط، لأسباب تعود في مجملها الى ما ترسّب في سلوكنا الاجتماعي من خلل كوننا أمم موغلةٌ في القِدَم، تعيش مرحلةً لا تُحسَدُ عليها ضمن دورة حياتها الانسانية، إنعكست في أحداث مُؤسفة شهدناها ودفعنا ثمنها جميعاً وما نزال. والدافع من تلك الكلمات هو أن المستقبل، شئنا أم أبينا، أكثر قيمةً من الحاضر والماضي مُجتَمِعَين؛ عَلّنا نستقي من حاضرنا المر بنكهة الماضي بما له وما عليه، ما يؤهلنا لإستشراف المستقبل بشيء من المسؤولية. ماذا لو أن قيادتي إيران والعراق كانتا قد تنازلتا عن ثوريتيهما مطلع ثمانينات القرن الماضي وجمعتهما طاولة حوار كما تفعل الأمم المتحضرة؟ ماذا لو أن العراق كان قد دخل الكويت بإستثمارات وشَراكاتٍ تجارية بدل دخوله بجيشٍ جرّار؟ ماذا لو أن العراق كان قد إنسحب من الكويت بسلام دون حرب؟ ماذا لو أن صدام حسين كان قد تنازل عن الحكم في الوقت المناسب وجنّبَ العراق الغزو الأمريكي في 2003؟ ماذا لو أن إيران والعراق في 1980 والكويت والعراق في 1990 كانوا قد تجاوزوا تعقيدات حاضر ذلك الزمن وعقد الماضي بهدوء وقليلٍ من الحكمة؟ ماذا لو أن سياستنا الخارجية عبر تاريخها كانت أكثر إنفتاحاً على الأمم الأكثر تحضُّراً وتقدماً بشكل إيجابي ومتوازن؟ ماذا لو أن رموز النظام الحالي في العراق كانوا قد تَعَلَّموا درساً من مصير صدام حسين ونظامِه؟ ماذا لو أن الشعب العراقي لم يخطئ الاختيار في الانتخابات الأولى أو الثانية أو الثالثة؟ ماذا لو أن حكامنا كانوا أقل فسادً مما هم عليه؟ ماذا لو أننا كنا قد صرفنا عوائد ثرواتنا في تنمية البلد؟ ماذا لو أن مسؤولاً عراقياً واحداً كان قد إعتذر للشعب من أخطاءه أو خطاياه؟ ماذا لو كان التَوَجُّه بعد 2003 هو الحفاظ على المؤسستين العسكرية والأمنيّة وتطويرهما؟ ماذا لو أن تدخلنا العسكري في الأزمة السورية كان مقتصراً على حماية حدودنا واستقبال اللاجئين فقط؟ ماذا لو أننا كنّا قد حاولنا أن نتخذ موقفاً يميل الى الحياد من كل قضيةٍ مزمنة في الشرق الأوسط؟ ماذا لو أن العرب والاسرائيليين كانوا قد حاولوا تجاوز عقد التاريخ والأديان؟ ماذا لو أن إيران والسعودية جمعتهما طاولة حوار؟ ماذا لو أن عاصفة الحزم كانت نسيم سلام ويد عون لليمن وشعبه؟ ماذا لو أن جامعة الدول العربية كانت تدعو الى السلم وتسعى الى حل النزاعات بالطرق السلمية؟ ماذا لو أن جامعة الدول العربية كانت قد حُلَّت بعد أول إخفاق جوهري لها في دَرء خطر داخلي أو خارجي على بلاد العرب؟ ماذا لو أن تاريخنا عبر العصور كان حبيس الكتب ولم يتسلل الى الحياة السياسية والاجتماعية؟ هذا غيض من فيض، ولعل في ذاكرة القارئ الكريم ما هو أكثر مما يجول في خاطري من أمور عاصرناها ونتمنى اليوم لو أنها لم تحدث قط أو لو أن نقائضها هي التي حدثت. ومَرَدُّ ذلك هو النتائج التي ترتّبت على ما حدث ويحدث بالفعل. تلك النتائج التي تسللت الى حياة كل فرد وأسرة في مجتمع شرق أوسطي وعلى رأسها المجتمع العراقي. لكنَّ القاسم المشتَرَك في الأحداث المؤسفة جميعها واحد ويتلخص في أزمة التحضُّر المزمنة التي تعانيها شعوب هذه المنطقة وبطبيعة الحال قياداتها السابقة والقائمة. تلك الأزمة التي منعتنا من أن نرى المستقبل بوضوح وجعلتنا نتمسك بما إنتقل إلينا من الماضي ليعكر صفو حاضرنا، وإلا فما الداعي لأن يعاني شعب العراق كل هذا الشقاء وهو شعب ثري؟ وما الداعي لأن تصبح القدس أو دار السلام (أورشليم) دار بلاء على مسلميها ومسيحييها ويهودها؟ ثمة خلل موروث يسرق أحلامنا ويحطم حاضرنا خلاصته هو أننا رغم كوننا شعوب قديمة وأسلافنا بناة حضارات، إلا أننا لسنا متحضرين بما يكفي. ومع هذا فلا زال الأمل معقوداً بأن نبدأ بطرح التساؤلات والبحث عن الإجابات وأولها (ماذا لو؟) ضمن نطاق بشري أكثر إتساعاً من عدد من سيقرؤون هذه الكلمات، لأن الخطوة الأولى في الشفاء هي أن ندرك على المستوى الجمعي أننا مرضى ولسنا بخير.