قال لي احد العراقيين انه كان يدرس في مصر قبل ثلاثين عاما,وذات مرة حدث خلاف بسيط بينه وبين بعض المصريين,وعند اول جملة انهال ذلك العراقي على اولئك المصريين ركلا و صفعا وضربا! ,بعد فترة تصالح ذلك العراقي مع اولئك المصريين,فاخبروه انهم تعجبوا كيف انه لجا الى القوة عند اول جملة وكان عليه ان يستمع قبل ان يشمر عن “راشدياته وبوكسياته ودفراته”!.
المشكلة ليست في المالكي ولا في صدام ولا فيمن جاء قبلهم او سياتي بعدهم,المشكلة هي في “الجنس” العراقي الذي اعتاد ان يستخدم السيف للحصول على ما يريد بدلا من ان يستخدم الابتسامة !.
بينما يعترف العالم بان الفرنسيين اكثر الناس مهارة في “الدبلوماسية” والحصول على ما يريدون بدون سلاح,فان العالم يشهد بان اكثر الناس ابتعادا عن الدبلوماسية واسرع الناس لجوءا للعنف والحرب والسلاح للحصول حتى على ما لا يريدون!.
العراقي مستعد ان يتشاجر ويتصارع ويسيل دمه بل وربما ان يقتل من اجل “خمسة وعشرين دينار” نسي احد الركاب ان يدفعها كثمن لاجرة احد الباصات رغم ان ذلك الشجار كان يؤدي في الغالب الى خسائر افدح بعشرات المرات من ثمن الاجرة كتكسير بعض زجاج الباص او كسر “خشم” احد الركاب !(كم منا تشاجر الى حدّ سيلان الدم بسبب ان احد سواق الباصات قد رفع اجرة الباس خمسة دنانير !,شخصيا حدثت امامي الكثير من هذه الصراعات خصوصا ايام الحصار حين كان سواق الباصات يرفعون ثمن الاجرة كل شهر!!).
مشكلة العراقيين انهم يفكرون في الوسيلة اكثر مما يفكرون في الغاية,فهم يحبون الحرب لذاتها ولا يحبون الحرب لانها وسيلة لتحقيق هدف اخر!,على خلاف كل دول العالم التي تعتبر الحرب وسيلة للردع بل ويعدونها من “ابغض الحلال” لذلك فهي اخر الاحتمالات ولم ولن تكون الاحتمال الاول الا حين يكون رئيسهم احمقا كجورج بوش او غبيا كصدام!.
من يتابع تصريحات المالكي خصوصا في السنوت الاربع الماضية,وهي الفترة التي ظن فيها المالكي انه سيكون “انا ربكم الاعلى” للعراقيين,وبعد ان وجد المالكي نفسه قد هيمن بطريقة تسلطية على مقدرات السلاح والقضاء والمال, يجد ان تفكير المالكي بات لا يرى غير السلاح والحرب وسيلة لتحقيق اي هدف او رغبة تخطر في باله ,والامر انساب الى من حوله حتى بات احد حواشيه يلجا الى السلاح من اجل الحصول على قطعة ارض او ربما من اجل الحصول على قنينة ماء!.
كان بامكان المالكي ان يحقق الكثير من اهدافه بطريقة الحرب الناعمة او الدبلوماسية,لكنه ومن خلفه مراجعه الشيعية,لم يكونوا راغبين بتحقيق تلك الاهداف وانما رغبتهم كانت في تحقيق تلك الاهداف بطريقة الحرب والقتل فقط!, فعندما خرج اهل السنة في مظاهراتهم,كان بامكان المالكي ان يحقق لهم بعض مطالبهم فيحصل من خلال ذلك على الكثير من اهدافه في تدجينهم ,لكنه كان يريد قتلهم اكثر من رغبته في تدجينهم,ولذلك حتى لو فرضنا جدلا بان اهل السنة قد انهوا اعتصماتهم وسمحوا لجيش المالكي بالدخول الى مدنهم سلميا,فان المالكي سوف لن يدخل تلك المدن الا بعد قصفها وتدميرها والبطش باهلها ورفع شارات النصر على منائر مساجدها!.
الحرب هي غاية عند المالكي,وهي الاحتمال الاول وربما الوحيد المطروح على مائدته عند كل قضية او مشكلة,وهو لا يعرف غير ذلك الاحتمال خصوصا عندما نعرف بان احد اقرب مستشاريه واوثقهم تاثيرا به هو “ابو مجاهد” الميليشياوي الذي يتسلى بشرب دماء الابرياء اكثر من تسليته بشرب الحشيشة!!.
مقارنة بين سلوك الاكراد مع مخالفيهم بل ومع اعدائهم من اتباع صدام,وبين سلوك الشيعة مع البعثيين ومع السنة عموما,نجد ذلك الخلاف الكبير ليس في المنهج فقط وانما في النتائج,فبينما استطاع الاكراد كسب البعثيين ومنعهم من حمل اي حقد تجاه الكرد,تجد الشيعة قد شحنوا قلوب وعقول البعثيين بعقد واكوام من ملفات الحقد وروح الثار والتي لم ولن تتوقف الا بعد الانفجار.
مقارنة اخرى بين سلوك الاكراد والاتراك مع داعش وبين سلوك الشيعة معها نلاحظ ذلك الجهل المدقع في طريقة التعامل مع ملف خطير مثل ملف داعش, فبينما نجد الاكراد ومعهم دولة كبرى مثل تركيا قد لجات للحلول الدبلوماسية لتحقيق اهداف اكبر من مجرد الرغبة في رفع شارة النصر على جثث بعض الارهابيين, نجد الشيعة جيشوا جيوش الشباب وملؤوا الفضاء بطبول الحرب والتي لم يكن نتيجتها سوى سفك المزيد من دماء الشيعة المساكين الذين لا ناقة لهم في تلك الحرب ولا جمل سوى لان السيد المالكي يريد ان يرى المزيد من لون الدم!.
لقد جربنا الاحتمال الاول وهو ان نخوض الحرب مع داعش ,وكانت نتيجتها ما نحن عليه الان ,فها هي قوات داعش على اسوار بغداد,فما رايكم لو جربنا الاحتمال الاخر فازحنا السيف عن مائدة الحلول ووضعنا بدلا منه قناعا “فانديتا” المبتسم؟(قناع فانديتا و ذلك القناع الذي انتشر حاليا بين شباب العالم ويحمل صورة رجل يبتسم والذي تجسد في فلم v For vendetta).
على الشيعة ان يوقنوا بان دمائهم اغلى من رغبات المالكي وحلمه في اقامة دولة بني مالك,وان دماءهم اقدس من ان تسال من اجل ولاية ثالثة للمالكي وولاية رابعة لحمودي,وعلى الشيعة ان يوقنوا بان دماءهم ازكى من ان تسيل انهارا وكان بامكانهم ان يحفظوا تلك الدماء بمجرد ان يبدلوا لغة الحرب بلغة الابتسامة.
يمكن لاي منا ان يتخيل كيف سيكون حال العراقيين عموما وحال الشيعة خصوصا لو استبدل الشيعة في مواكبهم الحسينية الورود بدلا من السيوف ورفعوا شعارات “عفا الله عما سلف” بدلا من “يالثارات الحسين” واطلقوا اسراب الحمام بدلا من اطلاقهم لاسراب التطبير واللطم والنياحة؟!,
تخيلوا لو ابدل صوت باسم الكربلائي المزعج بصوت بلبل رقيق ليكون رمزا لثورة الحسين ,ولو ابدلت صورة راس الحسين بايات من سورة التغابن (ورد في هذه السورة قوله تعالى ” وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيم”)؟!,
تخيلوا لو كانت فتوى السيستاني الاخيرة هي الدعوة لان يساند الشيعة اهل السنة في الموصل والانبار وصلاح الدين وديالى من اجل تنظيف المدينة من اثار الحرب وبقايا الهمرات المدمرة ومن صور المالكي وبطشه بدلا من ان يرسلهم للموت فيها نحرا او تفجيرا او تاسيرا ؟,
تخيلوا لو قام السيستاني اليوم بارسال رسالة الى ابو بكر البغدادي زعيم الدولة الاسلامية في العراق والشام “داعش” يسأله فيها عن سبب رغبته في الهجوم على كربلاء والنجف, ويدعوه فيها لزيارتها سلميا هو وبعض وزراءه والصلاة في مسجد الكوفة جماعة ,بدلا من ان يجيش الشيعة ليحموا النجف وكربلاء ويسيلوا دمائهم من اجل ضريح مجهول, وهم يعرفون بان قدسية دم المسلم اعلى من قدسية الكعبة فكيف بقدسية كربلاء التي نحر فيها الحسين او النجف التي سفك فيها دم ابن ابي طالب؟.
تخيلوا ماذا كان سيكتب التاريخ عن السيستاني (او مقتدى او غيرهم من مراجع وقادة الشيعة) لو تجرا على مثل هذه المبادرة, وتخيلوا ماذا يكتب وسيكتب التاريخ عن السيستاني بعد ان رفع لغة الدم على لغة الابتسامة؟.
انها دعوة صادقة بان يستبدل الشيعة لغة الدم بلغة الابتسامة,فقد تعبوا وتعبنا من استخدام هذه اللغة منذ الف سنة ,تعبوا وتعبنا من سفك الدماء ومشاهد التطبير وشعارات الثار ورائحة الدم العبيط ,يريدون ونريد ان يعيشوا ونعيش كما يعيش خلق الله بسلام, في خضار يانع يذكرنا بجنة الله الخضراء وليس في دم ناقع يذكرنا بجهنم الحمراء!.
فمن يجيد هذه اللغة فليتقدم الصفوف فان العراقيين صما بكما في استيعاب لغة العصر الاخضر.