يعالج مسؤولون عرب أنفسهم في مستشفيات ألمانيا وهولندا. ويقصد زعيم عربي الولايات المتحدة للعلاج، وهو أمر
مألوف للمواطن العربي، لكن ممرضة هولندية، سألتني: ألا توجد مستشفيات في الدول العربية؟، وهو سؤال تحتاج الإجابة اليه الى الكثير من الوجع والصراخ، سيما اذا ادركنا حقيقة ان الأموال العربية اتخمت بنوك الغرب، ولم تستطع النخب الحاكمة طيلة عقود من سيطرتها على الحكم من بناء مستشفى وطني واحد تثق فيه، لتعالج نفسها.
مقابل هذا الانهيار في الإنجاز، ثمة إطراء كبير، وثناء عظيم، واحتفاء منقطع النظير، بحكمة أولئك الزعماء، وقياداتهم الرشيدة والتاريخية، وبناءهم البلاد، بل وهناك من الكلام الكثير حول القدرات والمهارات العربية، وكله لغو وسفسطة
وتزويقات كلام، تضع العرب في مقدمة قائمة افتراضية لأمم الكلام.
يسأل الكاتب اللبناني سمير عطا الله: ماذا لو اختفى العرب جميعاً؟ ماذا لو أفاق العالم فجأة واكتشف أننا لم نعد موجودين؟ بالتأكيد لن يخشى من خسارة أي شيء، فلن ينقطع الإنترنت ولن تتوقف الأقمار الصناعية ولا مصانع السيارات وقطع غيارها، ولن تتوقف أسواق البورصة، ولن يفتقد أي مواطن في العالم أي نوع من الدواء ولا المعدات.
يفتح هذا المضض، السؤال المرّ الى أبعد مداه، حول قضية أكثر تعقيدا من مسألة غياب العرب عن الإنجاز الحضاري، الى استقرارهم في هوة كهف سحيق من تضليل الخطاب المزخرف بالغبطة اللغوية، وقد أدى ذلك الى ظهور الافراد الشفويين امام الثقافات الأخرى وهم متسلحون بقشرة لغة بلاغية سلحفاتية سميكة تجاه الثقافات الغالبة والمتفوقة التي تكمن بلاغتها في فعلها، لا لسانها.
وعلى الرغم من هذا الخلل، والتخلف الحضاري، فان الكثير من العرب يستطيعون اقناع بعض الغربيين بالتفوّه، لانهم تدربوا على الوعظية، والخداع الشفاهي فيما الغربي منهمك بعدّته وادواته المختبرية، فلا يجيد صناعة المنطق الانشائي، وربما ينخدع به لبرهة، لكنه سرعان ما ينكشف السراب.
تجربتي في الغرب لأكثر من عقدين، تستخلص ان المرأة “الشرقية” لا تتأثر بالمرأة الغربية الناجحة، على رغم نجاحاتها العظيمة، وعلى رغم من انتاجها الأفضل، والسبب ان المرأة العاملة والعالمة لا وقت لديها للدعاية والخطابة وتوجيه النصائح، والحذلقات الكلامية..
وينطبق الامر على أولئك المتزمتين الذين يعيشون في اوربا، تجدهم يخلصون ويتحمسون الى التنظيرات غير المنتجة، التي ينادي بها الخطاب المبهرج.
القول بان العرب، أمة تبيع الكلام، صحيح الى حد كبير، لكنه تبيعه الى افرادها، لان خطابها لم يعد يلقى أذنا في الغرب، الذي ادرك بشكل واضح، ان العرب في كافة بلدانهم، فشلوا في الإنتاج الحضاري، لكنهم تفوقوا في الحديث وتأويل الكلام، بل وسرقة الاكتشافات والاختراعات ونسْبتها الى أدبياتهم العقائدية، والتاريخية المستندة الى الشفهية لا مناهج البحث العلمي، الأمر الذي يفسّر اجترارنا لغو الكلام حتى في البحوث والجامعات، وعدم القدرة على تحويل التنظير الى تطبيق.
لقد وصل الامر الى ان الشاعر الراحل محمود درويش يؤكد ويكرّر: انا عربي، لكنه لم يجد من مجد يفتخر به سوى التشرد والخيام وتضاعف النسل من دون تخطيط، فيقول: سجل انا عربي سجِّل! ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ
وأطفالي ثمانيةٌ، وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ!، فهلْ تغضبْ؟.
وبالتأكيد فان الآخر، لن يغضب امام التناسل الانشطاري لأمة كثر أفرادها وانعدم إنجازها.
العرب في نظر الغرب اليوم، ديكور تاريخي، وفولولكور قديم، يمتّع العين بالنظر اليه، في ظل غياب قوة المعرفة، وذراعها الضارب في الاختراعات والمصانع الذكية، ومن جراء ذلك تحوّلت حتى الدول العربية الغنية، الى سوق مستهلك للاختراعات والتقنيات ومثال صارخ للحضارة الاتكالية.