قبل سرد حكايتي مع المرحوم (محمد حسنين هيكل) و عتبي عليه حول فساد الفكر و الثّقافة و الأدب العربيّ الذي خلّف المآسي من ورائه بعد تبني الأحزاب الأسلامية و القوميّة و الإشتراكيّة و غيرها لتلك الأدبيات من أجل الحكم والشهرة و المال؛ قبل عرض ذلك إليكم هذه المقدمة الهادفة الهامّة لكلّ مثقّف ومسؤول و مُفكّر:
من المعرف أنّ ألهَمّ الأوّل والأكبر للحُكّام هو إبقاء ألمحكومين كالقطيع خاضعين بشتّى الوسائل لاملاءات ألسُّلطة لإستخدامهم كآلعبيد مقابل تعليم(أبجديّ) بإجور و راتب شهريّ وربطهم بآلأنظمة و أصحاب الشركات, وهذه للأسف صفة و حال معظم إنْ لم أقل كلّ شعوب العالم المغلوبة لتجذّر ألجّهل والشهوة وآلأنا بجانب الأميّة الفكريّة التي ميّزت البشر خصوصاً المتحزبيين منهم لراتب أو مقام ومال بعيداً عن درك أبعاد الفكر وفلسفة الوجود والخلافة الألهية, و لذلك تحولت جهاد و سعي الشعوب لرواتب و مخصصات و حمايات لمنفعة الحاكمين الذين يتسيّدون بـ “الديمقراطية” كغطاء لحمايتهم و ذر الرّماد في عيونكم للأستمرار بآلنهب القانوني المُفصّل على مقاس جيوبهم.
و لأن ألحاكم بشكلٍ عامّ و بسبب المنهج المفروض عليه من المستكبرين يكره و يُعادي آلفكر و ألفلسفة فإنّه يُكَرّه الناس لها وللمُفكّرين وآلفلاسفة التنويريين ألذين يعملون العكس و يسعون لربط العلوم والأختصاص بواقع الحياة الأجتماعية و السياسية و الأقتصادية عملياً لتحقيق العدالة وحفظ الكرامة الأنسانية بآلدرجة الأولى بإرشاد الشعوب والأمم إلى التحرر من الأحزاب و آلطغاة المستغليين لإنقاذهم من نير (ألمنظمة الأقتصاديّة العالميّة) التي تسيطر على حكومات الأرض للهيمنة على منابع الطاقة و الزراعة, و لأنّ ألفلسفة الكونيّة وحدها أساس آلوعي الحقيقي و تريد تحرير آلعقل ليكون نقيضاً للطاعة العمياء بالتفكير المنطقي ليس في تطبيق العدالة بل في الوجود كله لأحياء كرامة الأنسان وصون حقوقه الطبيعية على الأقل كمقدمة للدخول في الفضاء الكوني الرحب للخلود في هذا الوجود لا إنتظار الموت لقبره للأبد, لهذا يرى الحاكم بأنّ الفيلسوف مُتمرّداً خطيراً .. لأنهُ يُعَلّم المظلومين و يُحَرِّض ألمحكومين على التّمرد ضدّهم .. فلا بُدّ من محاصرتهم و تضيق الخناق لتشرديهم و تجويعهم و قتلهم.
(ألدِّين) ألمُشوّه ألذي وصلنا بعد وفاة الرسول(ص) من آلحُكّام و الأحزاب و مراجعهم هو أكثر ألنُّظم تحقيقاً لتلك المعادلة (قتل ومحاصرة الفلاسفة) بينما القرآن الكريم كلّه كما الكتب السماوية الأخرى بجانب الأحاديث كلّها تُمجّد التفكير و التأمل و التعمق في قضايا الوجود!
لذلك نرى أكبر وأهمّ ألفلاسفة في آلشرق قد تمّت معاقبتهم و تصفيتهم بالقتل, و حتى في آلغرب القديم كإعدام سقراط مثلاً وفي الغرب الحديث كغارودي ورفيقه هنري كاربون وأمثالهم من أساتذة الفلسفة في السوربون ألّلذان حوصرا و أُبعدا و سُجنا في قلب باريس التي تدعي التّمدن و الدّيمقراطية, لكشفهم – أيّ الفلاسفة – مساوئ و فساد نظام الغرب كما أنظمة الشرق المختلفة لتركيزها و تكبيرها للطبقيّة و الفواصل الأجتماعية والحقوقية وهكذا كان (آبرهام ماسلو) الذي أهملوا وحجبوا نظرياته الأنسانيّة الأجتماعيّة من المناهج التعليمية بعد ما كانت تُدّرس حتى الأمس القريب في جميع المراحل التعليمية ليزداد الظلم و النهب.
حين نُدقّق في تأريخ (سقراط) و تلامذته ومصير كلّ مفكر و فيلسوف حقيقيّ كغاليلو و كوبرنيكوس و شوبنهاور و حتى توفيق الحكيم – بغض النظر عن منهجه و زلّاته الكبيرة – و شريعتي والصدر و مطهري و أمثالهم نبكي و نتألم كثيراً .. حيث يُرى أنّ جميعهم قد قُتلوا إمّا بضربة سكين أو بسمّ زعاف أو بحبل أو بطلق ناري أو نتيجة الجّوع وآلحصار و آلغربة حتى الموت و بآلمقابل يُكرم اهل القصص و الأفلام والرّوايات التى تُعمّق الفساد والتيه و التمويه, و بآلتالي جعل الشعوب بتلك الثقافة تؤيّد و تُصفق لحكامها على قتلها للمفكرين الحقيقيين!
كلّ هذا ليصفى آلجّو أمام آلحُكام و قيادات الأحزاب ألتي تدّعي آلوطنيّة و الأنسانيّة و الأسلاميّة وغيرها لإبعاد الناس عن فكر الفلاسفة و بآلتالي لنهبهم و سرقتهم وما جرى ويجري في العراق والأمة و كل العالم بحقّهم و بغطاء الدّيمقراطية وآلأسلامية والعدالة و الحرية و الليبرالية خير مثال, هذا الواقع المرير مثال حيّ وإمتداد للحقب التأريخية السوداء بإستثناء العدالة العلوية التي ساوى من خلالها بين راتب الجندي و راتب الوزير و بين راتب الخليفة و راتب الفقير, و لم يروق لأهل العراق فتكالب عليه الجميع لقتله و تخريب دولته!
و آلعتب الأكبر على الأكاديميات وألمؤسسات التعليميّة والدّينيّة والفنية والكُتاب والمُثقفين والأعلاميين خصوصاً النقابات و المؤسسات الصّحفية والمهنية المدعومة التي تميّزت بآلجّهل وآلصّفة الببغائيّة و موت الضمير في رئاساتها و أعضائها بسبب لقمة الحرام وعدم وضوح النهج وشكل العدالة عندهم خصوصا مسألة المنهج و مفهوم الفكر والعلم و الفلسفة التي تمّ إستبدالها بثقافة الروايات و الأفلام و القصص التي ما زادتهم إلا بُعدا عن الحقيقة .. و لقوة الشهوانية في نفوسهم أيضا فقد تسبب هذا الوضع بفقدان حلقة الوصل بين عناصر الوجود الثلاثة في (المثلث الكوني), لهذا ما عرف أعلمهم و أثقفهم سوى جوانب وبعض عناوين القضايا المصيريّة و الفكريّة و الفلسفيّة بشكلٍ خاصّ .. وصار همّهم الأوّل هو الأرتباط بآلظالمين و دعم السلاطين و الحُكّام و آلتّقرب منهم للحضوة عندهم بدل الأرشاد وآلتوعية والنقد الفلسفي والعرفان الذي يجهلونه أساساً, و هؤلاء هم خريجوا المؤسسات التعليميّة التي تعتقد بأنّ هدف التعليم في الحياة هو الحصول على شهادة تخصّصيّة للحكم و للعمل بموجبه لضرب ضربة العمر من أجل المعيشة, لهذا كرّسوا أقلامهم لبيان و تقرير الواقع بشكل محدود كآلببغاء: قال فلان المسؤول… و جلس فلان … و صرّح فلان … و إلتقى فلان… و أصدر فلان … وزار فلان.. و نام فلان و إستيقظ فلان .. وتكرار الموضوعات التي ليست فقط لا تُقدّم ولا تُفِد شيئاً؛ بل سبّبت دمار العراق و الأمم و العالم وكأنها تقارير رجل أمن ومخابرات و يكفيك أن تُطالع أيّة صحيفة بدءا بصحيفة نقابة الصحفيين.
ألأميّة الفكريّة بإيجاز فلسفيّ هي: [عدم ألقدرة على تطبيق و ربط الأختصاص بحسب مبادئ (الفلسفة الكونية) ببقيّة جوانب ألحياة و الأنظمة كآلنُّظم القانونية و ألسّياسية و الأقتصاديّة و الأجتماعيّة و الأنسانيّة و التربوية و غيرها], فقد يكون الجميع يحملون شهادات جامعيّة؛ لكن من دون فكر وهذا ما سعت لتكريسها (المنظمة الأقتصادية العالميّة) عن طريق المنظمات و الأحزاب التي تُشكّل الحكومات ألتي ترجمتْ و طبّقت ألأمّية الفكريّة على أرض الواقع بحسب مقاسات جيوبهم و بكلّ تفصيل وغباء و مكر لألهاء وإستغلال الناس ثمّ سرقتهم و جعلهم يعومون وسط الجهل المركب بإطار العلم الأبجديّ المجرد و غطاء الديمقراطية و الليبرالية و التقدمية و إنّا لله و إنا إليه راجعون.
ألفيلسوف الكونيّ/عزيز الخزرجي
حكمة كونيّة: [ألأشجار تتكأ على الأرض لتزهو و تُثمر .. أما الأنسان فيتّكأ على المحبّة ليزهو و يُبدع].
و أخيراً : قلت لـلسيد (محمد حسنين هيكل) قبيل وفاته معاتباً أياه على ما فعل و جيله من الكتاب و الباحثين: بأنّ ألثقافة و الأدب العربي الذي إنتشر و حدّد السياسات و النظم العربية خلال القرن الماضي و للآن من خلال الكتب و الرّوايات و الأفلام و المسرحيات هي السبب المباشر في فساد الأمة و ضياعها و إنتشار الأمية الفكرية بين الناس, والفيلسوف الكونيّ وحده يعلم أسرار الوجود و المحبّة و طرق الأبداع وفلسفة العدالة لكنكم هضمتم حقّه و حاصرتموه و للآن؛ لذا ليس أمامكم طريق للخلاص سوى الأعتراف و الأيمان بمنهجه و إنتخابه و إن تأخر الوقت .. هذا إن رضي بكم للتخلص من تلك الثقافة والأفكار الباهتة و الأشواك وآلشكوك وآلشهوة والكراهيّة و الأدبيات الزائفة التي سفّهت و سطَّحت العقول و مسخت القلوب فتحوّل الناس لقطعان من الماشية تحت رحمة الحُكّأم يلهثون على لقمة خبز