أظنُّ أنه سيكون من السذاجة بمكان إحالة أمر اغتيال الفنان المسرحي العراقي الشاب كرّار نوشي إلى مظهره أو إلى الشكّ في أنه من ذوي الميول المثلية.
حتى في الحارات الشعبية المُغلقة في بغداد وسواها من مدن العراق ترى الآن الكثير من الشباب والصبيان الذين يحرصون على أن يكونوا في مظهر مشابه أو مقارب لمظهر الشاب المغدور بطريقة همجية، فلم يعد هذا المظهر شاذّاً أو استثنائياً في زمن وصلت فيه مظاهر العولمة وآثارها حتى إلى القرى الصغيرة. كما إن أصدقاء كرّار ومعارفه جميعاً برّأوه من “تهمة” المثلية، وعائلته أكدت من جانبها أنه لم تكن له عداوة مع أحد.
الطريقة الشنيعة التي قُتل بها كرّار نوشي تؤكد أنّ اغتيال الفنان الشاب يتجاوز كثيراً في أهدافه مسألة المظهر أو الميل المثلي المزعوم للشاب الوسيم الذي كان ساعياً بجدّ واجتهاد لتطوير موهبته الفنية في مجال المسرح الجاد.
الاغتيال فيه رسالة سياسية مباشرة إلى جيل الشباب بأكمله .. رسالة من قوى في السلطة باتت تشعر بأنها تواجه مأزقاً حقيقياً. الشباب الذين نجحت أحزاب السلطة، بخاصة الإسلامية، وميليشياتها في استمالتهم إليها في السنوات الأولى بعد إطاحة نظام صدام في 2003، تُدرك الآن أنّ أعداداً غير قليلة من الشباب بدأت تنفضّ عنها. هذه الاحزاب لم تفِ بوعودها لهم في توفير فرص العمل والحياة الكريمة. هذه الاحزاب انصرفت عن الشباب وسواهم ووعودها لهم وانشغلت بسرقة المال العام والخاص وتكوين البطانات المستأثرة بمصادر الثروة والقوة. هذه الاحزاب ما عادت تتردّد في ممارسة المحرّمات والموبقات في وضح النهار. هذه الاحزاب وميليشياتها تنتهك القانون والنظام والأعراف علناً .. كلّ هذا كان دائماً يجري أمام انظار المجتمع بأسره، والشباب أكثر فئات المجتمع حساسية. ليس ثمة تجنٍّ في هذا الكلام، فالعديد من قيادات الاحزاب الإسلامية أقرّ بهذا صراحة أو على استحياء.
ما كانت عواقب هذا؟
كانت العواقب أنّ قطاعات من الشباب قد أدارت ظهورها للاحزاب الإسلامية، كافرةً بها وبمبادئها التي لم تثبت نفسها على أرض الواقع على مدى أربع عشرة سنة… بعضهم اتّجه الى الإلحاد كما يشيع نشطاء الإسلام السياسي، وبعضهم مال نحو التيار المدني الذي نشط على نحو لافت في السنتين الماضيتين، وهذا بالذات ما يُثير حنق الأحزاب الدينية وميليشياتها.. إنها تخشى الآن أن يتزايد انصراف الشباب عنها وتتصاعد أعداد المُقبلين على التيار المدني.
الحملة التي شنّها بعض أقطاب الإسلام السياسي على المدنيين في الأشهر الأخيرة، هي في هذا السياق بالذات، وعمليات الاختطاف، والآن عمليات القتل، تندرج في هذا السياق أيضاً. قتلة كرّار نوشي يريدون إرهاب الشباب حتى لا ينخرطوا في التيار المدني وحتى لا يعطوا أصواتهم إلى مرشحيه في انتخابات العام المقبل.
هذه في الواقع سياسة خطيرة للغاية، فالسحر يُمكن أن ينقلب على الساحر .. الشباب المستهدفون بحملات المتطرفين الإسلاميين حدّ القتل يمكن أن يحملوا هم أيضاً السلاح دفاعاً عن النفس.. والسلاح موجود الآن في كل بيت عراقي .. بل في كل غرفة.
فكّروا في هذا، قبل أن تفكّروا بمَنْ يكون ضحيّتكم التالية !