23 ديسمبر، 2024 7:10 م

ماذا قال( سيد رافع) ابو الشامية….لانطونيو غرامشي ؟!

ماذا قال( سيد رافع) ابو الشامية….لانطونيو غرامشي ؟!

ثمة تساؤلات خطيرة باتت تلح علينا في هذه اللحظة الأكثر ظلاما في التاريخ العربي والتي يطلق عليها أهالي الجنوب في العراق ( الهندس ) تعبيرا عن الظلمة الحالكة حيث تحول فيها حتى بعض دعاه اليسار العربي للأسف الى طائفيين لا يقلون في عدوانيتهم عن مروجي ثقافة النحر والذبح على الهوية وانتزاع القلوب ومضغها بتشفي سادي وأباده قرى او مصلين في بيوت الله… فيما انخرط آخرون من المثقفين نتيجه ردود الأفعال وضحالة التفكير في (التكابش) المذهبي والتخندق والتكفير عبر وسائل إعلام ملطخه بالنفط والدم مما جعل البنادق تغير من اتجاهاتها بدلا عن  العدو المركزي والمحتل باتجاه صدور بعضهم بعضا لصالح من يسعون الى شد إطراف ألامه التي أصبحت بلا هوية وتمزيقها الى كانتونات بدائيه.

 شاعر عراقي يساري معروف من أهالي الجنوب يعيش في المهجر ما نطق اسمه الا وأضاف له إتباعه لقب (الكبير)… قارب الثمانين …كان الوحيد الذي طالب توني بلير عام 2002 بان يرسل  طائراته لقصف العراق  بحجه تخليص الناس من صدام حسين!!! عندما سألته  عن سر تلك ألقصيده قال لي :ما هكذا يكون العتب بعد عشر سنوات!!!!!ا عاد بعد سنوات ليصب حقده الطائفي ويلقي بتهمه على السيد السستاني دون أي رادع او ضمير مشيدا ببعض ألقتله الذين  توضئوا بدم الأبرياء واعتبرهم مجاهدين ضد الامبريالية!!!
 كان السؤال المحير الذي يؤرق مضاجع الكثير من المثقفين العرب وخاصة العراقيين منهم هو :هل يصل ما نكتب الى الناس الذين هم أصحاب القضية.؟. هل يصل صوتنا إلى الفئات الفقيرة والمهمشه والعمال والكسبه والفلاحين والطلبة والبرجوازية الوسطى  الأكثر تأثيرا في الحراك الوطني؟
 وياتي الجواب محزنا أحيانا: كأننا نكتب لبعضنا البعض… او نتحاور في قاعه مغلقه او عبر صفحات (الفيبس بوك) ونتوهم ان هناك من يصغي لنا.!!!
 كانت حركة الشارع ونبضه اليومي تشير إلى اننا في واد والناس في واد أخر… بل عاب علينا آخرون اننا نعيش خارج الوطن ونكتب كمتفرجين لا شهود من ارض الواقع الذي يختلف عما نختزنه في ذاكرتنا .. وحين دعا العديد من الذين يعنيهم الشأن العراقي في الأيام الماضية لخروج الشعب العراقي على غرار ما حصل في مصر يوم 30 يوليو/ حزيران لتصحيح المسيرة السياسية المتعثرة بعد 10 سنوات لم تجد نداءاتهم سوى الصمت او السخرية مما دعا الاخ إياد الزاملي مثلا ليكتب مقالا غاية في الغرابة وكأنه إعلان يأس من ان يستطيع احد تحريك الشارع العراقي حتى لو صدر ذلك بمرسوم من أعلى السلطات .!!!
لكن صديقا عزيزا اكتفى بان بعث لي التسجيل التالي طالبا مني ان أشاهده قبل التفكير بحركة جماهيريه لتصحيح المسيرة في العراق:
http://www.youtube.com/watch?v=A7rnoxUgYPg
واعترف انه كان صادما لي تماما  فهل يعقل ان ينتظر الناس قطرات ما ء او بصاق مشعوذ كهذا لتحل عليهم البركة من (سيد رافع) في الشامية حيث يتدافع الناس على (الماء المقدس) من فمم أكله السوس والأكاذيب من صراخ تغييبي يتعكز زورا على مظلوميه أهل البيت الاطهار في بلد طالما تفاخر أهله بأنه مهد الحضارة الإنسانية وقد نشأت ألدوله ألحديثه فيه قبل ثمانين عاما وكان الرائد في التعليم والتربية والثقافة والفكر ونشأت فيه وتوسعت الأحزاب اليسارية والقومية واللبرالية وانتشرت بين الملايين مقارنه حتى بأهم دول المنطقة؟
 هل يفسر لنا هذا المشهد الطريقة الذكية التي تم فيها تفكيك العقل العربي و الإسلامي وإعادة تركيبه ومعرفة ان كان الخلل في الثقافة الإسلامية والتراث أم فيمن ورث التراث .. أهي في الوارث أو الموروث ام كليهما معا؟؟

 هل هذا هو حصاد النفط ام ألدوله الطائفية ام ثمره اربعة عقود ونيف من الحروب والحصار والتجويع والعزلة والدكتاتوريات التي أسقطت ألدوله في أحضان قراصنة السياسة الذين لم يجدوا وسط موجات الإرهاب الدموي وفضائح الفساد وتراجع الخدمات سوى  معاقبه من غادروا الوطن في ألحقبه السوداء وحملوا من لديه جنسيه اخرى مسئوليه الكارثة باعتبار انها تسهل على المسئولين الهروب بعد سرقه المال العام  وكان الذين لديهم جنسيه واحده لا يسرقون! متناسين ان (علي بابا) اصبح مرجعيه لا فقط للنخب بل لعشرات الآلاف من موظفي ألدوله العراقية!!! وبدلا من صراع القوى التقدمية ضد الماضي تحول الصراع  الى تصفيه بين أحزاب الداخل والخارج .

 لقد اثبت الفكر العربي عموما والعراقي خصوصا  انه لازال قاصرا ويعاني من أزمة علاقته بالإطار المرجعي الذي غالبا ما نظر اليه بقدسية مطلقه سواء كان نصا  دينيا او سياسيا او مرجعيا فرديا جرى تقديسه ومنحه العصمه لكنه سرعان ما يغير اعتماده عليه حين يسقط دون التوقف  لمراجعه المرحله، وكأنه يبرع في البحث عن المبررات بلا جدوى وبعد فوات الأوان…. قله هؤلاء الذين استعادوا وعيهم بعد صدمه جدار برلين او سقوط بغداد ودوله الحزب الواحد( سواء كان حزب البعث او حزب الدعوه) وكثيرون  او شكوا على نهايه المسيرة وازدل العمر ولا يجدون ذنبا سوى؟( للامبريالية  او ايران) لأنها الذئب الذي  حمل وزر يوسف!!!
 في القران الكريم نص مبين حول دور الشعوب الغائبة عن الوعي في تحطيم حضارتها ( يخربون بيوتهم بأيديهم)!!!

 في ظل هذه الظروف الاجتماعية والسياسية والفكرية الشاذة عن حركة التاريخ العراقي التي  نستحضر فيها خوازيق المغول والسلاجقة وسمل العيون وسحل بغداد بحبال التتار والمحتلين الأمريكيين ونهبها من قبل أولادها كان لابد من تسليط الضوء على ما اسماه أنطونيو غرامشي A.Gramsci.( المثقف العضوي) الذي يسخر فكره من اجل الإصلاح الثقافي والأخلاقي” سعيا وراء تحقيق الهيمنة الثقافية الإنسانية للمجتمع ككل دون تفريق  وليس للطبقة العاملة مثلما يصر البعض من مريدي الماركسية- اللينينية إنما للحركة التاريخية  ولمشروع المثقف التنويري الإنساني الحر الذي لا تحبسه الايدولوجيا في سراديبها ومنصاتها العالية ولا يبيع نفسه لمؤسسات يعرف حقيقة تمويلها ودوافعها.. إنه استذكار تحفزه الدعوة بضرورة استمرار الاعتقاد في دور المثقف العراقي رغم كل هذا الإحباط والتفكير في وسائل عمله المعرفي_التنويري_النقدي، وتجديد مهمته في الالتزام من اجل بناء ألدوله العادلة والدفاع عن مؤسساتها الشرعية.

لم يفرج عن فكر غرامشي الايطالي من داخل السجن الماركسي إلا في عقد الستينات من القرن العشرين، ليتسلل إلى دوائر النخبة الثقافية اليسارية بفرنسا وأمريكا اللاتينية، ولم يصل   إلى البيت اليساري العربي التائه التابع إلا في نهاية عقد السبعينات وما تلاها، خاصة مع المراجعات التي بلورتها أطر اليسار الجديد المتأخرة التي ظهرت بعد (خراب الاتحاد السوفيتي) و التي رأت في فكر غرامشي سندا قويا ضد الطوباويه السائدة انذاك في الأحزاب اليسارية التقليدية والتي عصفت بها الزلازل الدولية وفي مقدمتها تفكك المعسكر الاشتراكي نهاية 1989؛ وسيادة العولمة على المستوى الكوني كنمط وحيد للإنتاج الثقافي والاقتصادي والسياسي سحق الهويات والخصوصيات المجتمعية خاصة في العالم العربي الذي لم يجد إمامه سوى العودة الى الدين بعد فشل المشروعين القومي والماركسي كجزء من المشروع الغربي لأعاده تقسيم المنطقة اثنيا لان عرابه  برنارد لويس اعتبر ما تحقق في (سايكس- بيكو) امرا مفرطا في الكرم الاستعماري فما يستحقه العرب اليوم يجب ان لا يخرج عن ارض ألطائفه الى جانب حقل نفط او غاز او مغاره دراويش وليس المهم ان تكون أمريكا بحاجه للنفط او الغاز انما يجب السيطرة عليه لحرمان منافسيها منه وهو ما لا يمكن تحقيقه دون أشاعه ثقافة التكفير المذهبي.

من هنا شكل تفكير غرامشي في مسألة “المثقف العضوي” تجديدا جريئا داخل الفكر الماركسي عوقب عليه بالإخفاء لثلاثة عقود من قبل الحزب الشيوعي الإيطالي لأنه تجرا على النص (الإيديولوجي المقدس للماركسية) واظهر فشل الأحزاب الشيوعية في تحقيق أهدافها واكتشف ان الشكل الحقيقي للصراع داخل ألدوله هو في حقيقة الأمر  صراع للهيمنة على الأجهزة الثقافية والإيديولوجية التي اعتبرتها الماركسية ثانوية على حساب اولويه العوامل المادية متناسيه انها أي الثقافة والموروث التاريخي أساس تحريك الوعي البشري للمواطن ولا يمكن إهمالها  باي شكل كان دون اغفال دور العوامل المادية طبعا… وليس الصراع في حقيقة الأمر على الجهاز السياسي للسلطة و أجهزتها القمعية (كتعبير عن حاله الصراع الطبقي) والدليل على ذلك تدافع ما تبقى من يسار عربي وعراقي خصوصا للسقوط السريع إما في مكائد الاحتلال او الصولات الطائفية او المشروع القومي الكردي ليجد له مكانا تحت الضوء.

المثقف العضوي” في فكر غرامشي الذي نتمنى ان يعيد قراءته المثقفون العراقيون او من  يدعون ذلك و أيضا هؤلاء الذين أعمت بصيرتهم أضواء  القطب الأوحد واصمت أذانهم خطب الرهط الطائفي التفكيري من المحيط الى الخليج على غرار خطاب مرسي المخلوع في القاهرة قبل أسبوعين من الاطاحه به او خطاب الطائفيين في العراق الذي اغرق الوطن ببحر من الدماء حتى في أقدس أشهر الله رمضان الكريم بينما يتحدثون مثل حمامات السلام من على شاشات الفضائيات وفي اياديهم المسابح وتضن وكأنك إمام قديسين وثوار لا مجرد سلطويين ولصوص وسماسرة.
 
المثقف الوطني من وجهة نظر هذا العبقري الايطالي هو  صاحب مشروع ثقافي له ألقدره على   الإصلاح الثقافي والمعرفي المجتمعي” وإرادة هزم لكل ما هو غير عادل وغير أنساني لا من خلال الفصاحة اللغوية المحركة للعواطف والانفعالات واستخدام الموروث وتاويله بشكل ممسوخ على شكل خطاب غرائزي عدواني  بل بالاندماج بالحياة العملية وأعاده بنائها وتصحيح مسيرتها المنحرفه في منعطفات التاريخ  وفق معماريه إنسانيه عادله واضحة المعالم والقدرة على الإقناع والتنظيم وتجاوز المصاعب والنكسات …..أي( هو المثقف المرتبط بالجماهير الذي يسعى في مرحله ما الى تجسير الفجوة” بينه وبين الحاكم) مثلما صاغها الاجتماعي المصري_الأمريكي منظر العلاقة بين الإخوان المسلمين- والأمريكيين  سعد الدين إبراهيم منذ عقدين وأثارت زوبعة من النقاشات وردود الأفعال…
 المطلوب  من المثقف اليوم  ان يكون عنصر بناء وتوحيد وان لا يسقط في فخ التخندق ألاثني وينأى عنه وان أصابه شخصيا بعض من قذاه وجراحه وان لا يقتات من فتات موائد النظام السياسي، وأن يتقن حرفته كصانع للأفكار التي قد تساعد الشعب على النهوض من كبوته وخاصة شعوبا كانت رائده في الحضارة الإنسانية وذات ارث ثقافي يمتد لآلاف السنين.
 انه صراع  حضاري من نوع خاص في العراق بين ثقافة غسل الخطايا والحلول والمعجزات اللاهوتيه التي لا علاقة لها أصلا بالدين… وثقافة تحريك الوعي  وتحشيد الجماهير والقوى الوطنية بالاستفاده من ثوره المعلوماتيه الساحره من اجل تصحيح هذه المسيرة التي ابتعدت كثيرا عن الثوابت الوطنية بفضل الاحتلال و النفط وأبواق ألخرافه وتشويه العقيدة الدينية وخاصة لدى ملايين ألشيعه في العراق الذين سيكتشفون قريبا أنهم وقعوا في فخ تاريخي بين نخب لا تعرف السياسية… ودجالين لايعرفون الله.
رمضان كريم