23 ديسمبر، 2024 9:56 ص

ماذا في مذكرات قاسم محمد الرجب ؟

ماذا في مذكرات قاسم محمد الرجب ؟

-1-
ان كاتب السطور تستهويه المذكرات التي يكتبها المعنيون بشؤون السياسة والثقافة …، ويجد في قراءتها متعة خاصة، لما تنطوي عليه من أسرار وأخبار ،ويفيد مما تتضمنه من توصيف لمراحل تاريخية حافلة بالعديد من الأحداث والوقائع التي يتوق لمعرفتها والوقوف عليها …

-2-

والراحل قاسم محمد الرجب هو أشهر المكتبيين العراقيين ، وقد خاض غمار تجربة طويلة في مضمار بيع الكتب واستيرادها وطبعها والاتصال بطبقات شتى من العلماء والباحثين ، الأمر الذي يعطي لمذكراته أهمية خاصة .

-3-

ولست أنسى أني ذهبتُ اليه – مكلفّاً من قبل الامام الشهيد آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدّس سرّه – لأنقل اليه رغبة سماحته في نزع الغلاف المتضمن لصورته الشخصية ونبذةٍ عن حياته – قبل بيع الكتاب .

انها احدى طبعات كتاب (اقتصادنا) وكانت هناك صورة مؤلفه على ظهر غلافها الخارجي ، مع نبذة وجيزة عن شخصيتِه ، وهذا ماكان يأباه ، لما اتسم به من نكران للذات، من سمّو ورفعة، لافي الجوانب العلمية فحسب، بل في كل الجوانب الأخلاقية والانسانية والاجتماعية …

وقد استجاب الرجل لما طلبتُه منه ، ووعد بنزع الغلاف عن كل النسخ قبل بيعها .

-4-

ولست في هذه المقالة راغباً في ابداء الرأي، بما اشتملت عليه مذكرات الرجب من موضوعات وتفصيلات عن ذكريات طفولة كاتبها، وصلته بسوق السراي وأصدقاء السوق ، ومشاكل الكتب ومتاعبها ، وزيارته للمكتبات العامة وحديثه عن المطابع ، والخطاطين والمجلدين ، والمجلات، والأعلام الذين كانت تربطه بهم صلات عميقة ، فضلاً عن حديثه المسهب عن نوادر الكتب والمخطوطات ، وأزمة الورق ، ومشاكل التوزيع وفهارس الكتب والرقابة عليها، والمجلة التي كان يصدرها (المكتبة) … وما عاناه من ملاحقات قضائية فذلك مالا تتسع له هذه المقالة العجلى .

-5-

ان الحديث سيكون منصباً حول ناحية واحدة ، تُلفتُ النظر، وقد استوقَفَتْني،لابل حملتني على كتابة هذه المقالة :

انها تحديداً ترتبط بِذِكْرِه لقضايا ووقائع لاتخلو من جانب سلبي، قد تنسحب آثارها عليه، ومع هذا فقد دوّنها وثبّتَها وكان بوسعه ان يهملها …

في حين ان معظم كتّاب المذكرات يحرصون على تلميع صورهم ، ولا يذكرون فيها ، الاّ ما يعود عليهم بالمردودات الايجابية النافعة .!!!

-6-

وسنورد بعض الأمثلة على هذا المنحى :

اصطناع الحيل لبيع الكتب :

جاء في ص96 مانصه :

{ كنتُ قد استوردتُ كثيرا من الكتب النفيسة النادرة ولكن عجزت عن بيعها وتصريفها …وأصابني ضيق مادي من جراء ما تجمّع لديّ منها فأخذتُ اسجَّل أسماءها وعرضتُ مشكلتي على أحد أصدقاء المكتبة من الذين لاينقطعون يوماً واحداً عن زيارتها وقلتُ له :

{ما رايك لو كتبنا عن المكتبة العامة وانتقدناها لخلوها من هذه الكتب ؟!

فاستحسن هذه الفكرة ورحب بها …

وطلبتُ الى صديقنا ان يلوم وزارة المعارف على إهمالِها المكتبة العامة، وعدم تزويدها بما تحتاج اليه من مما جد من الكتب المهمة والصادرة حديثاً وذكرنا عناوين تلك الكتب .

وصدرت الجريدة (الرافدين) ذات صباح …. واذا بمدير المكتبة يأتي الى مكتبتي فقال :

انني أريد شراء هذه الكتب جميعاً، وفعلاً اشتراها}

فباسم الحرص على المكتبة العامة ،

وبعنوان اللوم لوزارة المعارف على إهمالها ،

استطاع الرجل تصريف بضاعته …

انه اعتراف منه باللجوء الى شتى الطرق ، حتى التي لم تكن مألوفة، لبيع كتبه وتصريفها ..!!

وربما ذكر ذلك ليدلل على مهارته وذكائهفي تسويق بضاعته ..!!

تمزيق بعض الكتب لإغاظة من أَغاظَهُ

وجاء في ص134 :

ان الدكتور داود الجلبي الموصلي (ت1960) وضع عنده رسالة ألفها بالتركية في مشكلة الحروف، وهي تتكون من (40) صفحة من القطع الصغير، وثمنها أربعة غروش تركيّة ….

ولوجود مشكلة بينه وبين الموصلي ، يقول :

( تناولت الرسالة بيدي وأخذتُ أمزقها أمامه إرباً إربا وأرمي اوراقها الممزقة أرضاً ، وهو ينظر الى ما أفعل حزيناً مهموماً متألما يكاد الدمع يفيض من عينيه أسفاً وحسرة ..!!

انتحال قصيدة

جاء في ص149

كان السيد خليل احمد جلو ياردد الى مكتبتي اذ كنتُ واياه طالبيْن بكُليّة الشريعة .

وكان خليل يحلو له ان يقرض الشعر أحياناً ، فنظم قصدية ألقاها بمناسبة 12 ربيع الاول بكلية الامام ابي حنيفة .

-اي في المولد النبوي الشريف –

فلما جاء الى المكتبة سقطت من جَيْبِهِ هذه القصيدة، فلما وجدتُها كتبتُ اسمي تحتها وارسلتُها الى مجلة هدى الاسلام بمصر ،

فلم تمض مدة وجيزه حتى وصلت المجلة وقد نشرت القصيدة بعناوين بارزة هكذا :

صوت يدوي من بغداد

وانّ من الشعر لحكمة

قصيدة عصماء للشاعر العراقي الكبير قاسم محمد الرجب !!

وقد سررتُ بذكر المجلة اسمي، وبنسبّة هذه (القصيدة العصماء) لي، واخذتُ اشتري كل عدد أراه منها لدى الباعة ..!!

ان هذا السرور سرور زائف لان القصيدة المنسوبة اليه منتحلة من صديقِه وزميلِه دون علمه .

وكان مبعث السرور ظهور اسمه في المجلة بغض النظر عن السبب ..!!

ذكر بعض الأعلام بما لايليق

جاء في ص 153 وفي سياق الحديث عن الراحل محمد بهجة الأثري :

( اذا اراد شراء كتاب وهو أمر نادر جداً ، وكان ثمنه ديناراً مثلاً ،

فان من حسن حظ البائع اذا دفع له مائة فلس ،دون الجّر والعّر والكرّ والفرّ، حتى يدع صاحب المكتبة يجري وراءه ملتمساً إعادة الكتاب اليه أو دفع ثمنه ….

واذا اراد شراء كتاب فانه يطلب – رغم غناه وسعة ذاتِ يَدِهِ– من البائع ان يتقاضى ثمن الكتاب نسخا من كتيّب صغير له هو مأساة الشاعر وضاح اليمن…

الى آخر ما وجّه له من نقد لاذع )

ومن ذلك ايضاً ما قاله عن الراحل مصطفى علي :

{ والحقيقة – انني ويشاركني حضرات القراء في ذلك ، لم أجد كتاباً أُلِف عن الرصافي حتى الآن أفرغ من هذا الكتاب (الرصافي – صلتي به، وصيتُه، مؤلفاته) – …

فاذا بالكتاب هذا من أفشل المصنفات الموضوعة عن الرصافي تأليفاً، وأقلها رواجا وتصريفاً …)

وهو كلام فيه من التطاول والتجريح ما فيه ، لاسيما ان الراحل مصطفى علي هو أوثق الناس صلة بالرصافي وأعرفهم بسيرته ودقائق حياتِه وشعره …!!!