23 ديسمبر، 2024 11:04 ص

ماذا فعلنا للارهاب الرقمي في تويتر ؟

ماذا فعلنا للارهاب الرقمي في تويتر ؟

منذ اهتمامي بالعالم الرقمي ومايجري فيه من احداث وما تُصنع فيه من عوالم، وانا حريص على متابعة التقارير التي تصدرها شبكات التواصل الاجتماعي الكبرى مثل  تويتر وفيسبوك ويوتيوب ولنكدن وغيرها من الشركات الاخرى التي سيطرت الان على العالم الواقعي من خلال خلق عالم اخر افتراضي تخطى العالم الواقعي الاول وتجاوزه لدرجة نسى او تناسى معها مستخدمي شبكات التواصل وجودهم الفعلي وعالمهم الحقيقي .

وفي سياق التقارير الصادر من هذه الشركات، تقوم شركة تويتر، ومنذ 2 يوليو عام 2012، باصدار تقرير نصف سنوي يدعى تقرير الشفافية ( Transparency Report ) يُسلط  الضوء فيه، كما جاء في موقع تويتر الرسمي، على التوجهات التي يتخذها تويتر تجاه الطلبات الحكومية التي يتلقاها، والطلبات المتعلقة بالملكية الفكرية وأفضل الممارسات المتعلقة بخصوصية البريد الإلكتروني. كما يوفر التقرير أيضًا إحصاءات حول ما إذا كنا” اي تويتر” نتخذ إجراء حول هذه الطلبات أم لا”.

الطلبات التي يتلقاها تويتر تكون على نوعين:الاولى: طلب عن معلومات (Information Requests ) حيث تطلب الدولة من تويتر ان تعرف معلومات عمن يقف وراء حساب ما لاغراض متعددة تتراوح بين الامن والاستخبارات والقضايا الجنائية وغيرها، الثاني:طلب لحذف حساب معين او ازالة محتوى  (Removal Requests) ، وفيها يتم  مطالبة تويتر بحذب حساب او ازالة بعض محتوياته لاسباب معينة توضحها للشركة في طلبها .

وبمراجعة بسيطة للتقرير الاخير الذي شمل  الفترة من ( 1- كانون الثاني الى 30-حزيران 2015) ومن خلال الاطلاع على خلاصات التقارير التي صدرت في الاعوام السابقة، وجدت طلبا واحد يتيما للعراق في التقرير الاخير يتعلق بازالة محتوى لاحد الحسابات !  ولم اجد اي طلب للعراق حول معرفة معلومات لبعض الحسابات، في مقابل  وجود، على سبيل المثال، 2,436 طلب لمعلومات للولايات المتحدة الامريكية و 25 طلب لازالة بعض الحسابات او المحتويات كما يذكر تقرير الشفافية الاخير.

لعل القارئ يشاركني الحزن بل الدهشة ازاء هذه المعلومات التي وجدناها في التقرير الاخير، فمع كل هذا التحدي الارهابي ، وعلى شتى مستوياته الواقعية والرقمية، لانجد للعراق وجود يتناسب مع حجم التحدي في هذا التقرير مع العلم اننا نشهد وجود مئات بل الآف الحسابات الارهابية على موقع تويتر ممن يسرح اصحابها ويجولون بمنتهى الحرية ويبثون مختلف الاخبار وينشروت العديد من الصور ومقاطع الفديو التي تدعم الارهاب ضد القوات الامنية العراقية بل وحتى الشعب العراقي الاعزل.

برايي ان النخبة العراقية التي حكمت العراق بعد 2003 لم ترتق لمستوى التحدي الارهابي الجديد الذي برز مع ظهور وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة ، فلم يحاول من يتولى ملف الاعلام ومكافحة الارهاب من اقامة جسر للتعاون بينها وبين شركة تويتر من اجل الاستفادة والتنسيق معها حول كيفية مواجه التطرف والارهاب الرقمي في هذه المنصة .

ومن الملاحظ ان المسؤولين العراقيين من الاطراف المعنية بملف الاعلام من جهة ومكافحة الارهاب من جهة اخرى لم يشكلوا، في حدود معلوماتي، لحد الان اي مركز او مؤسسة او دائرة او حتى قسم يُعني وينسق ويعمل على هذا الملف الخطير على الرغم من علمي بان رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي مهتم فعليا بمواقع التواصل الاجتماعي وعلى درجة عالية من الوعي بأثر وفاعلية العالم الرقمي وتداعياته على العالم الواقعي ومايجري فيه.

التعامل مع تويتر وفتح قناة رسمية للاتصال معها امر ضروري ومهم جدا وذلك لما يشكله هذا الموقع من رئة لتنفس الكثير من الارهابيين، وقد كشفت دراسة قام بها معهد “بروكينغ” عن وجود اكثر من 46 ألف حساب على “تويتر” مرتبطة بتنظيم داعش حتى نهاية العام 2014، وتشير بعض التقارير الى إنّ هناك أكثر من 3 ملايين تغريدة تروّج وتؤيد “داعش” على “تويتر” من دولة واحدة فقط ! وأكثر من 1.7 مليون مقطع فيديو إرهابي، مع الاشارة الى ان تويتر تعترف بانه مع وجود اكثر من 300 مليون حساب يعمل بنشاط، فانه من الصعوبة ان تمتلك هذه الشركة القدرة على مراقبة ومتابعة والسيطرة على كل حساب ومعرفة ماذا ينشر او من اي مكان يعمل صاحبه.

ولم تتوان الدول المجاورة للعراق الذي تقع في نفس دائرة الخطر الارهابي من اتخاذ مواقف جادة وعملية تجاه هذه الحسابات ، حيث بدأت بالقيام بعدة اجراءات في هذا المجال ، اذ اعلن رئيس وزراء تركيا أحمد داود أوغلو الخميس الماضي إنه تم اعتقال عشرة أشخاص كتبوا رسائل على تويتر تتعلق بالتفجير الانتحاري المزدوج الذى وقع فى أنقرة أول الأسبوع وأودى بحياة 99 شخصا.

كما اعلن السعودية في نفس اليوم عن سجن شخص 17 عاماً لديه حساب في تويتر اسمه ” طفشان” يروّج لـ”داعش”، وهذا الشخص، الذي يتابعه 43 الف متابع ، يعتنق المنهج التكفيري، ويقوم بنشر عدة تغريدات تتضمّن التحريض على الدولة ، فضلا عن نشره مايطلبه التنظيم منه من تغريدات مؤيدة.

وقد قامت السلطات القطرية في ذات اليوم ايضا باعتقال (ع.ف.م) وقامت بتسلميه للسلطات الامنية الكويتية، وهذا المعتقل  ظهر في فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يسيء بالصوت والصورة الى شخصيات الاسرة الحاكمة في الكويت بالفاظ وعبارات حادة ، اضافة الى انه تحدث في مواضيع توثر على الامن القومي للكويت.

ولم تقتصر عملية محاربة داعش على الدول بصورة رسمية فحسب ، بل تشير الاخبار الى قيام ناشطين سعوديين بإغلاق 300 حساب تروج لفكر تنظيم “داعش”، من خلال تنظيمهم حملة تحت هشاتاك  “#سبام_وطنية” و #حمله_جيش_سبام_الدواعش و #جيش_الوطن_الالكتروني تعمل كلها من اجل هدف موحد هو مواجهة حسابات داعش من خلال إرسال تبليغات لادارة توتير عن المستخدمين الذين يقومون بنشر أخبار  أو صور  أو مقاطع فيديو تروج للتنظيم من اجل ان يقوم الموقع بالغاءها نهائيا.

ومع وجود محاولات عراقية ومبادرات شعبية غير رسمية من قبل بعض الناشطين هنا وهناك لمواجه داعش على تويتر ، فان العمل الرسمي الحكومي لازال الان دون المستوى المطلوب بل بعيد كل البعد عن مستوى التحدي الكبير الذي يواجه العراق من قبل الارهاب الرقمي على شبكات التواصل الاجتماعي خصوصا ونحن نرى ان العديد من المؤسسات ومراكز الدراسات في اوربا، وفي الوطن العربي ايضا كمركز صواب، قد تشكلت لمواجهة هذا الارهاب باسلوب حديث ومعاصر يتناسب مع الخطاب الذي تشتغل عليه داعش ولايقتصر على محاولات الابلاغ او اغلاق هذه الحسابات او ازالة بعض محتوياتها، اذ يمكن ان تجد في بعض هذه الحسابات كما هائلا من المعلومات حول هذه التنظيمات وكيف يعمل افرادها وطرق واساليب تفكيرهم.

تأسيس مركز رقمي محترف يضم شخصيات متخصصة في هذا المجال ويمتلك سلطة فاعلة من اجل جمع شتات الجهود الرسمية المختلفة في هذا المجال، التي قد تكون موجودة بالفعل، من قبل بعض المؤسسات والاجهزة الحكومية الاستخبارية والامنية، هو المطلوب حاليا وعلى نحو عاجل. فالعمل الحقيقي المنتج يتطلب توحيد الجهود المبعثرة وتنظيم النشاطات المشتتة وتنسيق العمل من اجل ان تكون النتائج مثمرة وفاعلة ومؤثرة في المجال الذي ترغب ان تؤثر فيه.

[email protected]