في هذه المرحلة تحديداً،وتزامناً مع أعلان ادارة ترامب تأجيل انسحاب جنودها من سورية، بعد أعلان ترامب عن قرب رحيل جنود بلاده من سورية ،وهنا من الواضح أنّ مؤشرات التضارب بهذه التصريحات ، بين الانسحاب وعدم الانسحاب وتأجيله وربطه بدعم مالي خليجي لبقاء هذه القوات، تعكس حجم الأهداف المطلوب تحقيقها في سورية، ومجموعة الرهانات الأميركية – السعودية – الصهيونية ، المتعلقة بكلّ ما يجري في سورية، وهي أهداف تتداخل فيها حسابات الواقع المفترض للأحداث الميدانية، على الأرض، مع الحسابات الأمنية والعسكرية والجيوسياسية، للجغرافيا السياسية السورية وموازين القوى في الإقليم، مع المصالح والاستراتيجيات للقوى الدولية، على اختلاف مسمّياتها،كما تتداخل فيها ملفات المنطقة وأمن «إسرائيل» والطاقة وجملة مواضيع أخرى.
وهنا لايمكن انكار حقيقة أن الوجود الأمريكي في سورية ، هو وجود احتلال” هدفه إعادة رسم الجغرافيا والديمغرافيا السورية من جديد ” بمايخدم مصالح المشروع الأمريكي في المنطقة بمجموعها ” وهذا بدوره يؤكد، بما لا يقبل الشك، استمرار أميركا، وحلفائها، في حربهم،المباشرة وغير المباشرة، على سورية. وهذا بدوره، يؤكد، أيضاً، وبما لا يقبل الشك، أنّ أيّ حديث عن تفاهمات وتوافقات وهدن ومؤتمرات، هدفها الوصول إلى حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية ما هو، بالنهاية، إلا حديث وكلام فارغ من أيّ مضمون، يمكن تطبيقه على أرض الواقع. فأميركا وحلفائها، في الغرب وفي المنطقة، كانوا وما زالوا، يمارسون دورهم الساعي إلى إسقاط الدولة السورية، بكلّ أركانها، بفوضى طويلة تنتهي، حسب رؤيتهم، بتقسيم سورية.
ومن هنا، يبدو واضحاً، من خلال تفاصيل ووقائع أحداث الحرب على الدولة السورية وبالتزامن مع توسع رقعة عمليات الجيش العربي السوري، يبدو واضحاً اليوم، أنّ أميركا وحلفاءها، عادوا لتكرار اسطوانتهم المشروخة نفسها، التي يكرّرونها منذ ثلاثة أعوام وإلى اليوم: عن» ربط انسحابهم من سورية بعملية الانتقال السياسي» ، وهذا الموضوع بتصور الأمريكي ومن معه يتلخص ” بتسليم مقاليد السلطة بدمشق ،لجماعات المعارضات السورية بالخارج ، وهذه الجماعات يعرف عن الكثير منها تبعيتها للمشروع الأمريكي في المنطقة .
وهنا وفي هذه المرحلة ، هناك احداث ومؤشرات تدحض، بشكل قطعي، رهان بعض المحللين والمتابعين، الذين تحدثوا عن أنّ صمت واشنطن، في الفترة الأخيرة، عن معظم الأحداث التي تجري بسورية، هو قبول بسياسة الأمر الواقع. وإنّ واشنطن، أقرّت بهزيمتها فوق الأراضي السورية. لكن حقائق الواقع وخفايا ما وراء الكواليس، تدحض كلّ هذه التحليلات. في هذه المرحلة، لا يمكن الحديث، أبداً، عن أنّ أميركا وحلفاءها قاموا بإعادة دراسة استراتيجيتهم للحرب على سورية، ومن دون وجود مؤشرات ميدانية وسياسية توحي بذلك، لا يمكن، أبداً، الحديث عن مؤشرات لتغيير استراتيجية الأميركيين وحلفائهم للحرب على سورية، فهم اليوم يعودون مجدداً، للحديث عن اقامة مناطق حكم ذاتي لأكراد سورية شمال شرق سورية ، كما أنّ الأميركيين، اليوم، يعدون العدة لمعارك كبرى، سنعيش تفاصيلها، قريباً، كما تسرّب وسائل الإعلام الغربية، وهذه المعركة ستمتد على طول المناطق الممتدة من مثلث التنف وصولاً للميادين والبوكمال ، فهذه المنطقة مرشحة بالفترة المقبلة لتكون نقطة مواجهة مباشرة بين الدولة السورية وحلفائها وبين الأمريكان وحلفائهم لقطع الطريق على إنجازات الحليفين الروسي والسوري ” فالأمريكي مازال للآن يسعى للسيطرة على هذه المناطق الحدودية الاستراتيجية رغم سيطرة الدولة السورية عليها وطرد تنظيم داعش منها ” الميادين والبوكمال “، كما أنّ أميركا وحلفاءها، ما زالوا يمارسون دورهم في الحصار الاقتصادي على الدولة السورية. وما زالوا يسعون لتعطيل أيّ مسار، أو حلّ، يضمن تحقيق حلّ سياسي للحرب على الدولة السورية. فهذه المؤشرات، جميعها، توحي بأن لا تغيير في استراتيجية أميركا وحلفائها، بحربهم على الدولة السورية.
ختاماً ،من هنا، يبدو واضحاً أنّ مجريات الميدان السياسي السوري، ومسار المعارك على الأرض، لا يوحي، أبداً، بإمكانية الوصول إلى حلّ سياسي دولي، توافقي، للحرب على الدولة السورية، بسهولة. فما زالت المعارك تدور على الأرض، بقوة وزخم أكبر ومع دوي وارتفاع صوت هذه المعارك، يمكن القول أنه، بهذه المرحلة، لا صوت يعلو على مسار الحسومات العسكرية لجميع الأطراف، من الشمال إلى الجنوب، مروراً بالشرق السوري. فالمعارك تسير بعكس عقارب الحلول السياسية وكلما سمعنا مؤشرات عن حلّ سياسي، يأتي من هنا وهناك، نرى حالة من التصعيد العسكري، غير المسبوق، على مختلف الجبهات السورية المشتعلة. وهذا ما يؤكد أن خيارات الحسم الميداني وميزان القوة بالميدان، هو من سيحسم، بالنهاية، المعركة على الأرض السورية.