غطّى الضجيج الهائل الذي تسبب به شريط ” براءة المسلمين ” على حقائق تتعلق بتفاصيل هذا الشريط وهي لا تقلّ سوءاً وقبحاً عن مضمونه , وأهمها ما يلي :
1- أن مخرجه متخصص بالشرائط الإباحية الرخيصة والتي لا تتطلب من مخرجها سوى موهبة السقوط الأخلاقي .
2- أن الشريط بالأساس هو قصة خيالية حمل أبطالها أسماء جورج وهيلاري وكوندوليزا , وإذا بهم ينقلبون بعد تعريض الشريط لعملية تركيب ( مونتاج ) فوق الحوار الأصلي , إلى محمد وعمر وخديجة !
3- منتج الشريط محتال صغير سبق له دخول السجن عام 2009 في الولايات المتحدة بتهم تتعلق بالاحتيال والتزوير
4- صدرت رخصة تصوير هذا الشريط لمدة يوم واحد في شهرآب 2011 وكان عنوانه “مقاتلو الصحراء ” .
5- بطل الشريط – مع الأسف – مصعب حسن يوسف وهو عربي فلسطيني وأحد أبناء مؤسسي حركة حماس , وقد صدر عليه الحكم بالإعدام في بلاده بتهمة التجسس لصالح المخابرات الاسرائيلية والتواطؤ معها في اغتيال قيادات فلسطينية مثل الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسي , و لم تطله يد العدالة الفلسطينية بسبب فراره إلى ” اسرائيل ” حيث أعلن سنة 2009 ارتداده عن الدين الإسلامي وغيّر اسمه إلى ” جوزيف ” , وكشف وقتها عن نيته بالهجرة إلى الولايات المتحدة والمشاركة بعمل سينمائي عن النبي محمد !
…………………………..
قد يكون صحيحاً أن الإدارة الأميركية غير مسؤولة بصورة مباشرة عن هذا الشريط التافه , ولكنه من المؤكد أن الكونغرس الأميركي يتحمل كامل المسؤولية عنه سواء بالصمت أو بالرضا , ذلك أنه يملك التدخل في كل مناحي الحياة الأميركية بما في ذلك حظر الأنشطة التي تتعلق بمسائل العقائد والأفكار , فعلى سبيل المثال سبق للكونغرس أن أصدر تشريعات تحظر النشاط والفكر اليساري – وليس الشيوعي فقط – و شكل لجاناً تدقق في ضمائر الناس وعقولهم , وتستجوبهم حول ميولهم السياسية وتعاقبهم بالطرد من أعمالهم , ولقد كان بوسع الكونغرس أن يصدر تشريعاً يصون – على الأقل – مشاعر خمسة ملايين أميركي مسلم إسوة بتشريعات كان قد أصدرها منع بموجبها إنكار المحرقة اليهودية والترويج لكراهية اليهود ؛ وإذن فإن أهم مؤسسة دستورية أميركية مسؤولة – إن لم تكن متواطئة – عن حملة كراهية للمسلمين ولدينهم ورموزهم تشنّ على كافة الصعد في أميركا وبكل وسائل الدعاية والإعلام فيها .
………………………….
لن أخوض في حكاية ردود الفعل العربية والإسلامية على هذا الشريط , ففي ظني أن الكلمات التي قيلت في هذا الصدد قد زادت وفاضت ولم يبق مجالا لمزيد , فقد أخذت الأمة بأسرها الحمية والغضب لرسول الله يستوي في ذلك المؤمنون الأتقياء وأصحاب الغرض السياسي , ولكني أود أن أتساءل وماذا عن الإساءة اليومية التي يتعرض لها الإسلام من قِبل أهله والمتسمّين باسمه ؟ أليس الفكر الطائفي الذي يزهق أرواحاً بريئة ويسفك دماءً زكية , إساءة كبرى للإسلام وأذى ظالم لرسوله ؟ أليس نهب المال العام من قبل أحزاب الإسلام السياسي تحت سمع وبصر مراجع الدين , خيانة لله ولرسوله ؟ أيهما أكثر تجريحاً لرسالة الإسلام ولسيرة نبيه العظيم , شريط سينمائي تافه صنعته حفنة من الحثالة , أو أمة عربية وإسلامية تزخر أرضها بالخيرات والثروات وتقاسي شعوبها الفقر والأمية والمرض , بينما تتمرغ نخب السلطة فيها بحياة ناعمة مترفة وقصور منيفة وحسابات مصرفية مخيفة بأرقامها في دول أجنبية , حتى أضحت بلاد العرب والإسلام دول فساد يجري توريثها من سلف سيء إلى خلف أسوأ ! أين الإسلام لدى حكام طوّعوا القضاء لرغباتهم المنحرفة وجنّدوه خادماً ذليلا يبريء أتباعهم ويجرّم خصومهم بعيداً عن معايير الحق و العدل والكرامة الانسانية التي هي جوهر رسالة الإسلام ! ما مدى الولاء للإسلام لدى أنظمة وحكام انصاعوا لأوامر سادتهم الأجانب , فتشاغلوا عن العدو الحقيقي لأمتهم ليخوضوا فيما بينهم حروباً طائفية تستند إلى فقه منحرف وتاريخ مزور وتأويلات متعسفة للموروث الديني ؟ أين الإقتداء برسول الله أسوتنا الحسنة وبسيرة العظام أبي بكر وعمر وعلي , عندما يشتري حكام الخليج العربي أسلحة بستين مليار دولار يعرفون هم قبل غيرهم أنها لن تستخدم أبدا ضد عدو الأمة , ناهيك عن تبديدهم مبالغ هائلة على شهواتهم ومباذلهم , في الوقت الذي يموت فيه مئات الألوف من المسلمين جوعاً ومرضاً , بل إن مواطنين سعوديين وبحرانيين يعانون الفقر وشظف العيش ! .
ما هو أكثر مساساً برسول الله , كتاب خطّه جاهل باحث عن الشهرة و رسم كاريكاتوري تبدد من ذاكرة الناس و شريط سينمائي أجوف , أو أولئك الذين مزجوا الدين بالسياسة ثم فجروا بهذا المزيج وحدة الأوطان ليتسنى لكل واحد منهم نهب حصة من ثروتها مع حاشيته ؟ .
ما هو أكثر أذى لرسول الله , افتراء عليه من أشباه رجال أعماهم الحقد وتلبستهم الرذيلة , أو مشهد أمة تركها موحدة على قلب رجل واحد , يرشدها كتاب واحد , تجذبها قبلة واحدة , تحيا وتموت على شهادة واحدة , دانت لها الدنيا بعزة ربها وعظمة دينها وسنّة نبيها وخلقه العظيم , وإذا بها ولمّا يمضي على رحيله إلى جوار ربّه سوى سنوات قليلة , تضرب رقاب بعضها بعضاً بالسيف , وتتنافر مذاهب وشيعا , ويستقوي بعضها بالأجنبي على بعضها الآخر , ويسوم بعضها الخسف والعذاب بعضها الآخر ! ثم ما مدى صدق النخوة والحمية لرسول الله ممن هجّر وقتل مسلمي و مسيحيي وصابئة ويزيديي العراق ونكّل بأقباط مصر واضطهدهم – وقد أوصى رسول الله بهم خيرا – و تسبب بتمزيق السودان , وارتكب مجازر في ليبيا تهون أمامها جرائم معمر القذافي , وبعض هؤلاء يعتمر عمامة رسول الله ويتجرأ على ارتقاء منبره ! .
الأولى بالمسلمين والعرب أن يغضبوا من أنفسهم أولاً , فهم بعد أن تذوقوا حلاوة الرسالة المحمدية وقطفوا ثمارها لقرون , إذا بأنفسهم تسوّل لهم أن يضيعوها ويحرفون معناها ومبناها , ولو أنهم حفظوا النعمة التي أتمّها الله عليهم , وفهموا الدين الذي أكمله ربهم لهم , وأخلصوا للإسلام الذي ارتضاه لهم , لما وجد في يومهم هذا من يجرؤ على التطاول على رموزهم والمسّ بمقدساتهم , و سوف يبقون ضعفاء أذلاء يستعلي عليهم محدثو النعمة والتاريخ حتى ينفضوا الغبار عن عقولهم وإرادتهم ويستلهموا بأدوات عصرهم سيرة نبيهم وأرواح القادة الأفذاذ أبي بكر وعمر وعلي .
* مستشار القانوني