في الموعد المحدد، تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البنتاغون حزمة توصيات لتسريع الحرب على تنظيم “داعش” الإرهابي، وصولا إلى القضاء عليه نهائيا. وليس مطلوبا من ترامب سوى الانتقاء من بين عدة خيارات ما يراه مناسبا لتحقيق الهدف.
من بين الخيارات المطروحة؛ زيادة عدد المستشارين الأميركيين في سورية والعراق، والسماح للقوات الأميركية الموجودة على الأرض بالمشاركة بشكل مباشر في المعارك العسكرية ضد “داعش”.
قد تبدو جميع الفرضيات التي وضعها البنتاغون قابلة للتحقيق في بلد مثل العراق، حيث تتولى قوات نظامية خوض المعارك على الأرض ضد مقاتلي “داعش”. لكن في سورية، الوضع أكثر تعقيدا، ولم يتبين بعد ما هي الخطة التي ستعتمدها واشنطن لتحرير الرقة.
الجنرالات العسكريون، ورغم كونهم أقل دراية بالسياسة، فإنهم في تعليقاتهم على التطورات المحتملة في سورية، يدركون أكثر من ساسة واشنطن الجدد أن كل ما يقوم به العسكريون في الميدان يجب أن يندرج في إطار أهداف سياسية، وما لم يحصل ذلك فلن ينجح الأمر. وقد عبّر صراحة عن ذلك الجنرال جوزيف دانفورد، قائد أركان الجيوش الأميركية.
على المستوى الكلي في سورية، لم يتبلور مثل هذا الأمر. في الرقة وحدها ما يزال غير واضح بعد من هي القوى العسكرية والسياسية المرشحة والقادرة على استلام زمام الأمور بعد دحر “داعش”. هناك قوى وأطراف عديدة متصارعة ومتضاربة في أجنداتها، ولم تحسم واشنطن بعد بمن تستعين لمسك المدينة بعد التحرير.
وهذا مجرد مثال على الوضع المعقد في سورية؛ إذ يبدو جليا أن القوى الراعية وأطراف الصراع، تستطيع أن تتوافق ولو بصعوبة على الخطوة الأولى المتمثلة بوقف إطلاق النار، مثلما حصل في اجتماعي آستانا، لكن ما إن تنتقل لجنيف للبحث في الشق السياسي للأزمة حتى تظهر العقبات والخلافات، ويصير معها وقف إطلاق النار مهددا بالانهيار.
هذه الإشكالية ستواجه إدارة ترامب وهي تقارب خياراتها العسكرية لمحاربة “داعش”. وسيقفز السؤال على الطاولة فور حسم القرار العسكري: ماذا عن الخطوة التالية بعد التحرير؟
تنتظر الإدارة الأميركية أن يأتيها الفرج من جنيف، بتوافق أطراف النزاع على جدول للحل السياسي. وربما تأمل أيضا بتفاهم مع روسيا حول مرحلة ما بعد “داعش”. لكن مثل هذه الأمنيات تصطدم بواقع مغاير. عملية جنيف، وحسب مجريات الجولة الأخيرة، لا تبعث على التفاؤل، وموسكو ليست في وارد تقديم تنازلات ترضي واشنطن. المؤسسة العسكرية والبيروقراطية الأميركية تدرك ذلك جيدا، وليس لديها مثل ترامب أي أوهام حيال موقف موسكو.
وقد أظهرت تجارب الحرب على التنظيمات المتطرفة، سواء في العراق أو أفغانستان، استحالة تحقيق النصر العسكري من دون حلول سياسية مرضية للجميع. في العراق على سبيل المثال، كان النصر العسكري قد تحقق فعلا على تنظيم القاعدة، بفعل مقاربة عسكرية وسياسية ناجعة. لكنّ تخلي حكومة نوري المالكي سيئة الصيت عن الشق السياسي، وضرب مشروع المصالحة الوطنية في الصميم، كان كفيلا بعودة الجماعات المتطرفة بنسخة أكثر وحشية من “القاعدة”، وبقوة سمحت لها باحتلال مدن عراقية رئيسة.
خطة ترامب للقضاء على تنظيم “داعش” ستواجه المصير نفسه في سورية، إذا لم يتوفر حل سياسي جذري للأزمة.
نقلا عن الغد الاردنية