في انتظار القضاء على إسرائيل، يقضي نظام طهران وقته في إغراق سوريا في بحر من الدماء وتفتيت العراق، والعبث بأمن لبنان عن طريق حزب الله، وترهيب اليمن بالحوثيين، ونشر الفوضى في البحرين.
في الحادي عشر من فبراير الماضي احتفل النظام الإيراني بذكرى مرور 38 سنة على قيام ما يسميه “جمهورية إيران الإسلامية”. وفي وقت تعيث فيه هذه الجمهورية فسادا في مناطق إسلامية كثيرة، يحق التساؤل عن كنه “إسلاميتها”، كما يتساءل الإيرانيون أنفسهم هل حققت تلك الثورة المزعومة بعضا من وعودها؟
وهو يستعد للعودة إلى طهران، سُئل آية الله الخميني عما يعنيه بالـ“الجمهورية الإسلامية” وطبيعتها؟ فأجاب إنها “دولة جمهورية تماما مثل الجمهورية الفرنسية”. فهل ينعم الإيرانيون اليوم بالعيش في جمهورية ديمقراطية كالفرنسيين؟ وما هو حصاد الثورة بعد نحو أربعة عقود؟
لقد اضطر للهجرة بحثا عن فضاءات أخرى أحسن للعيش أكثر من 4 ملايين من الإيرانيين ويعيش حوالي 15 مليونا منهم في فقر مدقع. وعمّت في البلاد روحانية شعبوية لم يعرفها بلد معاصر قط، مما حدا ببعض المتفكهين إلى القول “كنا نرقص في الشارع ونصلي في البيت، وأصبحنا اليوم نصلي في الشارع ونرقص في البيت”. وتبين دراسات كثيرة استفحال ظاهرتي الدعارة والمخدرات والكثير من الآفات الاجتماعية الأخرى.
أما في مجال الحريات، فقد تفوّق الحرس الثوري على السافاك تفوقا جعل إيران في مقدمة الدول البوليسية. يلاحظ الإيرانيون المخضرمون في شبه دعابة أنهم كانوا يتمتعون في عهد الشاه بكل حرياتهم ما عدا الحرية السياسية، أما اليوم فقد ضيعوا كل الحريات إلا الحرية السياسية الشكلية.
في البداية، كانت تبدو تلك النزعة الانتخابوية كأنها ديمقراطية مقارنة بما كان يحيط بها من انغلاق ويفعل الملالي كل ما في وسعهم اليوم لتخريب دول الجوار ليظهروا مستقرين. ولكن لم يعد يؤمن بوجود تلك الديمقراطية أحد غير طابورهم الخامس في الوطن العربي.
لم ينس الإيرانيون أن الملالي خطفوا انتفاضتهم من أجل الحرية والديمقراطية سنة 1979 وأقاموا بالقوة والمكر بدل ذلك الحلم نظاما غريبا تتحكم فيه قرارات مرشد أعلى وتقاليد ولاية فقيه. وتحضيرا لإسقاط كلمة “الجمهورية” نهائيا من القاموس السياسي في البلد للتخلص من مشروع النظام الجمهوري الذي وإن لم يتحقق على أرض الواقع بات يؤرق مضجع المحافظين في صراعهم مع قوى التغيير، لم يعد الملالي يستخدمون في خطاباتهم حتى تعبير “الجهورية الإسلامية”، بل أصبحوا يكثرون من استعمال تعبير “الدولة الإسلامية”.
وكما نعرف، لم يكن مصطلح “الجمهورية” لدى الخميني سوى كلمة انتقالية نحو “الدولة الدينية” وهو مصطلح فيه تقية كان هدفها عدم إخافة القوى التقدمية الرافضة للدولة اللاهوتية وطمأنة الخارج.
وبغض النظر عن فترة قصيرة في بداية الحكم الديني سادها الكثير من الغموض والفوضى سرعان ما ظهر الوجه الحقيقي لنظام الملالي وبدأ يطبق ما كان يخفي، فضيّق على الحريات السياسية وغير السياسية ولم تعد بإمكان أيّ إيرانيّ ممارسة أيّ شكل من أشكال السياسة إن لم يكن مؤمنا بولاية الفقيه وعودة الإمام وشرعية المرشد الأعلى المطلقة، بل أصبح يصنّف عدوّا للدولة والإسلام كلّ من تسوّل له نفسه الخروج عن الخطّ الأحمر المرسوم، ويلاحق شرعيا وبوليسيا.
فهل من الديمقراطية في شيء أن يصبح الدخول إلى الحياة السياسية مشروطا بالإيمان بولاية الفقيه وبالغيب؟ فهل يتمكن الإصلاحيون من فعل شيء ما في ضوء دستور إيران الحالي، وأمام عقبة المرشد الأعلى، وفي غياب الأحزاب السياسية؟
على كل متقدم لانتخابات ما أن يؤمن أوّلا بولاية الفقيه، ثمّ يمرّ على محكّ 14 مؤسسة ليتمّ قبول ترشحه للانتخابات في إيران. وحتّى إن مرّ بسلام من تلك الشبكة وترشّح وانتُخِب فيمكن أن يعاد النظر في الأمر في أيّ لحظة.
كما لا يحقّ لغير الشيعيّ أن يتولّى المناصب العالية في الدولة، مهما كان علمه وشعبيته، إذ يشترط الدستور الاعتقاد بمذهب التشيع لتولّي المناصب. (انظر على سبيل المثال رسالة المثقفين الإيرانيين المنشورة يوم 9 فبراير 2009 التي ندّدوا فيها بالتنكيل الذي يتعرّض له البهائيون في بلاد الملالي، والمعنونة “نشعر بالخجل”، والتي اعتذروا فيها لمواطنيهم البهائيين عما يعانونه من تعسّف في دولة الملالي، مذكّرين بالكثير من الحوادث والمواقف التي تتضمن مظاهر التفرقة والعنصرية التي يتعرضون لها يوميا).
أدرك الملالي منذ استيلائهم على الحكم عن طريق القوة والمكر، أن نظامهم لا يستطيع العيش في زمن السلم، لذلك حاولوا تصديره، ولم يضيّعوا الكثير من الوقت في إرساء جوّ العداء والحرب، إذ أسّس الحرس الإيراني حزب الله سنة 1982، وواصل احتلاله لجزر إماراتية رافضا أدنى تحكيم دولي.
لا يتمادى الملالي في تسمية الخليج بالخليج الفارسي مجانا، بل لحاجة في نفس الفقيه. ولم يكن تدخلهم في غزة لنصرة الفلسطينيين كما يتوهّم البعض، بل لزرع الشقاق بين الفلسطينيين وكسب غوغاء الشارع العربي بإيهامهم بالدفاع عن فلسطين.
لم يمنعهم الدين ولا الأعراف الدولية عن ممارسة سياسة “التفريس” في المناطق العربية السنية والغنية باستبدال السكان العرب بالفرس. لم تكن البحرين في نظرهم سوى محافظتهم الرابعة عشرة، ولم يفتأ تدخّلهم يزداد في العراق بغية تفتيته ثم ابتلاعه أو المتاجرة باستقراره.
أما تدخلهم السافر في الشأن الجزائري وعلاقتهم بالتنظيمات المسلحة إبّان العشرية السوداء فهي على كل لسان (انظر كتاب أسرار الشيعة والإرهاب في الجزائر للباحث أنور مالك). وعلى حساب المواطنين الذين يعانون من ضنك العيش جراء انهيار قيمة العملة الإيرانية وخصوصا بعد انخفاض أسعار النفط، يبذر النظام المليارات لتمويل ميليشياته في الخارج.
يعتبر خامنئي أن امتلاك قنبلة ذرية هو ضمان لاستمرار الثورة. أما المرجع الشيعي محمد تقي المصباح اليزدي فيصرّح أننا نعيش عصر الظهور وأنّ بروز إيران كقوة عسكرية، وربما نووية، هو من علامات ظهور السيد الغائب، في نظر هذا العضو في مجلس خبراء القيادة في إيران ومؤسسة الخميني للتربية والبحث العلمي، ألا ينطلق جيش المهدي من إيران لينشر العدل في كل ربوع الأرض ويقضي على إسرائيل؟
في انتظار ذلك يصدّر نظام الملالي الإرهاب ويختلق الأزمات خارج إيران ليتفرغ لقمع كل الرافضين للنظام في الداخل ورشّ وجوه النساء بالمواد الحارقة. في انتظار القضاء على إسرائيل، يقضي نظام طهران وقته في إغراق سوريا في بحر من الدماء وتفتيت العراق والعبث بأمن لبنان عن طريق حزب الله وترهيب اليمن بالحوثيين ونشر الفوضى في البحرين.
نقلا عن العرب