منذ أن تولى السيد إيمانويل ماكرون رئاسة فرنسا، إنخفض معدل البطالة في بلاده من ٩٪ الى ٧٪ وهذه تُحسَب له، ولكن ما زالت نسبة البطالة مرتفعة هناك، مقارنةً بالحالة في بريطانيا وألمانيا.
تحطم فرنسا أيضاً الأرقام القياسية في عدد الإصابات اليومية براشح COVID-19 وما تزال وهذا تحدٍ كبير يواجه الدولة الفرنسية وما يلقيه من ابعاد على الاقتصاد الفرنسي الذي يسجل تباطؤً في معدلات نموه منذ الربع الأول من عام ٢٠١٩ الى الآن.
تسعى الدولة الفرنسية أيضاً الى تحقيق اندماج المجتمع الإسلامي وهو إجمالاً لا يتخطى حد ٩٪ من مجموع السكان في فرنسا (وهم ليسوا جميعاً من المواظبين على إطلاق اللحى وتغطية النساء من قمة الرأس الى أصابع القدمين)، بما ينسجم وعلمانية الدولة.
حوادث التطرف نادرة الحدوث في فرنسا لا تزيد عن نظيراتهن في أي بلد أوروبي آخر، ربما لديه نسبة مسلمين أكبر مما لدى فرنسا وبطبيعة الحال أقل بفارق هائل لا يُقارَن، بنظيراتهن في دول الشرق الأوسط مثلاً.
كل تلك القضايا والمؤشرات تدفعنا الى التساؤل عن نوع الفائدة التي يمكن أن يجنيها الرئيس ماكرون من تخطيه مشاكل بلاده، مُركزاً على حل مشكلةٍ بات سيادته أحد أبرز مؤججيها في فرنسا وخارجها؟
ربما كان من الأفضل أن يطلِّع على طرق الدول الأوروبية الأخرى في سعيهن، لإدماج الأقليات المسلمة في المجتمع المحلي لكل بلد وأنا لا أدعي لهُنَّ الكمال، ولكن على الأقل هم يفعلون ذلك بهدوء وبنفس طويل، ضمن سياقات يحكمها القانون الذي يُطَوَّر بالتدريج، استناداً الى التجربة الميدانية في عمليات تحقيق الإندماج.
نعم، يحدث أن تصدر تصريحات مستفزة لمشاعر الأقليات المسلمة بين الحين والآخر، لكن تلك التصريحات تصدر من مسؤولي الأحزاب اليمينية وفي سياق لا يتخطى حدود بلدانهم ولم يحدث أن صدرت تلك التصريحات من رؤساء الدول، على عكس الحالة مع السيد ماكرون.
ثم أن ما يحدث في فرنسا، بهذا الشأن يناقض قضية تحقيق الإندماج التي يسعى الفرنسيون الى تحقيقها في بلدهم، سيما أنها تتخطى حدوده الجغرافية.
لا أحد يُنكِر على فرنسا تمسكها، بحرية التعبير كونها إحدى الحقوق الأساسية للإنسان وإحدى ثمار الديمقراطية بمنظورها الغربي، ولكن الحقوق لا تحمل الصفة المطلقة، فالحرية غير المنضبطة تقود الى الفوضى والمزيد من انتهاك الحريات.
ثم ماذا لو تهكمت صحف العالمين العربي والإسلامي على ثوابت فرنسا وتاريخها على نحو مُهين، هل سيتقبل حينها الرئيس ماكرون ذلك التهكم على أنه حرية تعبير؟
إن ما يحدث الآن له صلة وثيقة بإشاعة العنصرية والكراهية داخل المجتمع الفرنسي وبين الشعوب أكثر من عدِّه ذا صلةٍ بحرية التعبير.
ثم نعم يا سيادة الرئيس ماكرون، العالم الإسلامي يمر بأكثر من أزمة وليس أزمة واحدة كما تقول أو على النحو الذي طرحت به الفكرة، ولكن أخشى أن تاريخ بلادكم مع العالم الإسلامي بالذات لا يؤهلكم لإنتقاده.
هذا لا يمنع أن تتحدث بما تشاء، ولكن ضمن حدود المعقول وبما يناسب تحقيق إندماج الأقليات ضمن مفاهيم المجتمع الفرنسي على نحو واقعي، على أن لا يتخطى الحق بحرية التعبير حقوق الآخرين في احترام مقدساتهم.
وبالعودة الى موضوع البطالة في فرنسا وأزمة COVID-19 أخشى أن لدى فرنسا ما يشغلها أكثر من البرهنة على حرية التعبير عبر سلوك عابث يمس مشاعر ثاني أكبر الأمم فوق الكرة الأرضية.
سيادة الرئيس، حاول أن تشيع خطاب السلام، بدلاً من خطاب الكراهية، فعالم اليوم يئِن من العنصرية والتطرف.