(عندما يحرك الدين عقول العوام فإنهم يذهبون الى المساجد، لكنه حين يحرك عقول الحكام فإنهم يذهبون الى الحرب).
تحاول واشنطن إستخدام أوراق الضغط الممكنة قبيل إعلان مرتقب بعد عيد الفطر لخطة السلام الأمريكية التي يأمل الرئيس دونالد ترامب طرحها لحل القضية الفلسطينية، والتي تستدعي حشد الدعم العربي والدولي، وتدخل إيران كطرف فاعل في عرقلة الإتفاق المزمع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولأن المشاكل على أشدها بين أبرز قطبين عربيين هما الإمارات والسعودية وإيران، فإن التنازلات قد تتجاوز المتوقع من دول عربية لاتريد أن تخسر الدعم الأمريكي في مواجهة طهران لذلك وافق الطرفان السعودي والإماراتي على سد النقص في إمدادات النفط العالمية الناتجة عن وقف إمدادات الجانب الإيراني نتيجة العقوبات الأمريكية المتصاعدة، والتي تستهدف تقليص الواردات المالية للإيرانيين مايضعف قدرتهم على المناورة.
الأطراف التي تعرقل الإتفاق لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتتقدمها إيران ليست دولا فقط، ولكنها مجموعة منظمات تم إدراجها على قائمة المنظمات المتهمة بدعم وممارسة الإرهاب، ومنها حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني والحشد الشعبي العراقي وحركة حماس وفصائل المقاومة المسلحة في فلسطين، ويجري التركيز حاليا على تقليل حجم الدعم الإيراني لهذه المنظمات لمنعها من تشكيل خطر على أمن إسرائيل والدول الحليفة لواشنطن التي تشتكي منها على الدوام، والتي تعمل حاليا على عزل بعض الدول التي يمكن أن تكون مساحة جغرافية وإقتصادية لطهران كسوريا ولبنان والعراق، وحتى تركيا التي تعاني من إجراءات أمريكية متتالية بهدف منعها من التواصل مع الإيرانيين والروس، وواضح تماما إن الدور السعودي في العراق وسوريا يأخذ مديات واسعة، فهناك مفاوضات ولقاءات مستمرة تجريها وفود سعودية معلنة ، وآخرى سرية توجت بإتفاقيات مشتركة بين الرياض وبغداد في قطاعات الإقتصاد والإستثمار، عدا عن تحركات لتسوية العلاقة بين دمشق والرياض، سبقها إفتتاح السفارة الإماراتية في العاصمة السورية مدعمة بإغراءات مالية وتسهيلات.
لم تتراجع إيران حتى اللحظة عن طريقتها في التعاطي مع القضايا الدولية والعلاقة مع الولايات المتحدة، ومنذ إندلاع الثورة الإسلامية الإيرانية فإن الخلافات عميقة بين واشنطن وطهران، بينما إزداد التوتر الطائفي في المنطقة بسبب عدم توفر الإستعداد لتقبل الثورة تلك بمفاهيمها المتحفزة من قبل دول الخليج خاصة التي ماتزال لاتثق بالجانب الإيراني، وتراه تهديدا لوجودها، وتصرح دول أخرى بأن لافرق بين التهديد الإيراني والإسرائيلي فكلاهما يريدان الهيمنة، ويسعيان لتذويب الوجود القومي العربي، ولاتمانع دول عربية وخليجية في التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة ضد إيران، بينما يصرح كتاب ومفكرون وسياسيون خليجيون بأن إسرائيل ليست هي الخطر الحقيقي على الأمن العربي إنما هي إيران.
إحتمالات المواجهة تزداد، ويبدو أن الأيام المقبلة ستكون حاسمة لجهة المضي في التحضير لماهو أخطر، أو لجهة الحل الذي يحاول البعض تسويقه على أنه وسيلة مثلى لإنهاء الخلافات في المنطقة، التقارب مع إسرائيل والمواجهة مع إيران تراها بعض العواصم العربية فكرة مثلى تحجم من تأثير الدور الإيراني وخطورته، وهذا مايرفع من مستوى الخطر حين تتحد الإيدولوجيات والمواقف التي قد تشعل حربا.
ماذا تريد إيران؟ هو السؤال الصحيح، فالأمريكيون قوة مهيمنة إستعمارية تحكم العالم، وتتحرك وفقا لمصالح حيوية بعينها، وقادة الدول جميعهم يعرفون الكيفية التي يمكن إرضاء واشنطن بها والإستفادة منها بالقدر الممكن، بينما تريد إيران الترويج لفكرة المواجهة مع الغرب الإستعماري المهيمن، وبناء منظومة مواجهة متقدمة لكن مايعترضها هو إن الرأسمالية العالمية لايمكن أن تستسلم وتتراجع أمام الطموح الإيراني، عدا عن أن دولا عديدة غير مقتنعة بالسلوك الإيراني وترى فيه خطرا على وجودها، وتروج لفكرة إن إيران تسعى الى الهيمنة والتوسع، ونشر الأفكار الدينية، والتحالف مع المنظمات السنية والشيعية والأنظمة المناوئة للغرب، ولأن إيران ليست لوحدها راغبة في وقف الهيمنة الأمريكية فإنها قد تجد من يدعمها، ولكن وكما يبدو فإن الثمن باهض للغاية، وأخطره أن تشتعل الحرب بين فريقين لديهما الكثير من القوة قد يكون ضحيتها العالم بأسره بسبب إمتداد الصراعات والتحالفات حول العالم.