يتذكر من عايش بدايات تسعينيات القرن الماضي, ظهور قنوات الفضائيات التلفزيونية العربية, وكيف كان لها صدى كبير ومؤثر في الشارع, وكان السبق والريادة والسيطرة الأولى فيها للفضائيات السعودية.. والتي كان يمكن لها أن تتحكم بصناعة الرأي العام العربي في الأقل, فلا منافس لها بالإضافة إلى حداثتها كظاهرة لافتة وجاذبة للمواطن العربي المتعطش لكل ما هو غريب ومختلف, ولتحل محل الصحف الورقية وتزيحها من ساحة التأثير..
مع بدايات القرن الحالي ظهرت مواقع التواصل الإجتماعي التي تعتمد الكلمة والصورة, لتتسيد المشهد ولتكون مواقع”الفيسبوك” و”تويتر” و” الواتساب” هي المؤثرات الحقيقية, والملتقى الذي يتواجد فيه شبابنا بل ومعظم الناس, حيث إختص كل موقع منها بفئة ثقافية أو عمرية دون غيرها.. ولتكون هي صانعة الرأي العام والمؤثر فيه, بل والموجة له بأي إتجاه يريده, أصحاب تلك المواقع, أو الفاعلون أو المتواجدون بكثرة وقوة في تلك المواقع..ناهيك عن قضايا التسويق التجاري ومنافعه.
في خضم تنافس شرس ومتسارع, فهمت “الدول الكبرى” اللعبة وسارعت للدخول فيها, من خلال محاولات التحكم بسياسات ومعايير تلك الشركات التي تدير هذه المواقع.. وكان ذلك سببا لتتعمق كبرى مؤسسات تلك الدول, في دراسة وفهم تأثير تلك المواقع على المجتمع, ثم التهيؤ لإستباق الحدث وتهيئة ما هو مؤثر لما هو قادم, من تغييرات في مزاج الإنسان ورغباته, وما يمكن أن يؤثر فيه..
نتيجة لما سبق ولتراجع تأثير مواقع التواصل السابقة, والتي أنحسر تأثيرها في الفئة العمرية التي كانت تتابعها في شبابها, لكنها لم تنجح في التأثير في جيل شبابي قادم, وبقيت مرتبطة بالجيل السابق الذي تقدم في العمر.. ظهرت مواقع تواصل جديدة, تعتمد المقاطع الفديوية القصيرة, وبعظها يعتمد المقاطع الصوتية, كوسيلة للتأثير وصناعة الرأي والتسويق التجاري, ويحتاجها المواطن العادي للتنفيس عما في داخله من مشاعر وأفكار وعقد نفسية حتى..
تقدم المواقع المذكورة لواجهة التأثير, ثم تراجعها خلال فترات زمنية بدأت تقصر, وحلول مواقع أخرى محلها في الواجهة, يجعلنا نفكر ونتساءل.. ما هو الموقع القادم وما الذي سيقدمه من ميزات وخدمات تجعل الملتقي مشدودا له ومبهورا به؟! وما الذي يمكن أن تقدمه تلك المواقع لتكون مؤثرة في عقل المتلقي؟!
من الواضح أن مواقع التواصل الإجتماعي, قد وصلت حاليا لقمة تأثيرها في المجتمع بكل تفاصيله, ومن المنطقي القول أن ما بعد تلك الذروة يأتي النزول والإنحدار.. وستفقد مواقع التواصل تأثيرها الكبير الحالي, لكنها على الأقل لن تخرج قريبا من ساحة التأثير.. فشركاتها المنتفعة منها ومن ورائها الدول الكبيرة, لن تقبل بذلك التراجع مهما كان الثمن, وستحاول أن تطور نفسها بما يتلاءم ويلاحق مزاج المجتمع, أو تحاول أن تعيد التحكم به, لكنها عاجلا أو أجلا ستتوقف عن كونها المؤثر الأول فيه.. وهذا سيجعلنا نتساءل عن ما هو القادم من أدوات التأثير في صناعة الرأي العام؟
هناك سؤال أهم وأخطر مما سبق, يتعلق بما الذي هيئه العرب أو المسلمون كأمة, لما هو قادم في هذا المجال؟! وهل هناك من يدرس ويحلل ويقدم توصيات بهذا المجال؟! هل هناك من فكر بان يبتكر وسيلة, لصناعة الرأي العام العربي أو التأثير به, بمعزل عن تلك المواقع التي تديرها دول لها أجنداتها الخاصة؟! وقبل كل ذلك نسأل.. متى ينتقل العرب من التأثر إلى التأثير؟!
لا فائدة الآن من محاولات غزو “تويتر” أو “الفيسبوك” أو حتى ” التيك توك” بحملات أو حتى “جيوش إلكترونية” فقد تأخرنا على ذلك كثيرا.. نحن بحاجة لأن نستعد لما بعد مواقع التواصل الإجتماعي.. أو في لنبدأ بالتفكير في ذلك في الأقل.