بعد انتهاء مرحلة انتخابات مجالس المحافظات واختيار أبناء الشعب ممثليهم في الحكومات المحلية، فأننا الآن مقبلون على مرحلة جديدة بدأت منذ الوهلة الأولى لإعلان المفوضية العليا المستقلة للانتخابات عن نتائج الانتخابات بعد إكمال عملية فرز وعد الأصوات لمعرفة الكيانات والائتلافات والشخصيات الفائزة بثقة الشعب في تشكيل مجالس المحافظات الجديدة.
هذه المرحلة الجديدة تتطلب من قبل الجميع القيام بالواجبات والوظائف المنوطة بكل طرف وجهة بدءً من المواطن، ومرورا بالبرلمان والحكومة الاتحادية، وأخيرا بالمرشح الفائز، لأن هؤلاء جميعا هم من يشكلون الأركان الأساسية في بناء المجتمع العراقي وشكل حكومته وأنظمته وقوانينه، فالمواطن قد أدى دوره المهم وهو الذهاب الى صناديق الاقتراع وقول كلمته الفصل واختيار ممثليه داخل مجلس المحافظة في ملحمة جماهيرية كبيرة شهدتها المدن العراقية وسجلها المواطنون العراقيون بعملية التصويت عندما أعربت الجماهير العراقية عن حبها وحرصها على ممارسة الديمقراطية والحرية في العراق الجديد، وهذا ما أكدته الجماهير من خلال توافد معظم فئات المجتمع ومنذ الصباح الباكر على صناديق الاقتراع التي شهدت إقبالا جماهيريا ملحميا سجل عبره أبناء الرافدين مأثرة متميزة وانهم من بناة الحضارة الإنسانية وأسباب تطورها، فأكد ازدياد حجم المشاركة الجماهيرية في الانتخابات لجميع المعنيين والمراقبين ودول العالم نجاح التجربة العراقية السياسية والديمقراطية بعد عام 2003م على اعتبار ان المشاركة في أي نشاط حكومي أو ممارسة دستورية جديدة في المجتمع العراقي هي دليل تأييد من قبل فئات المجتمع للعملية السياسية ولحكومة الوحدة الوطنية ــ المنتخبة في الأصل ــ وتعتبر عملية دعم وإسناد لها في جميع ما تدعو إليه لاسيما في ظل التطبيق الحي والفعلي لبنود الدستور العراقي الدائم وبما يضمن حقوق المواطن في أخذ قراره بنفسه.
هذا التغيير في الأجواء الديمقراطية والدستورية فرض على المواطن العراقي التمسك بممارستها ومزاولة أي عملية تدخل في حيزها بفاعلية وإسهام، وبشكل يؤكد حبه للحرية، ورفضه لكل أنواع وأشكال القيود التي تحاول دائما خنق صوت المواطن الذي يسعى للتعبير عن رأيه وقول كلمته واختيار الأصلح والأكفأ في أي انتخابات، لاسيما بعد تمتع المواطن باختيار شكل نظامه الإداري والتنفيذي لمحافظته، وبما يضمن حجم ونوع المشاريع الخدمية المقدمة والمنفذة، إلا ان المواطن ما زال أمامه دور آخر يكمل دوره الأول وذهابه الى صناديق الاقتراع وذلك في متابعة ممثليه الذين أنتخبهم، ومدى حرصهم على تنفيذ وعودهم وطموحات أبناء الشعب والمحافظة في إقامة مشاريع رائدة وجديرة بها تعوض عنهم سنوات الحرمان ومتاعب السنوات الماضية وهموم الاهمال والخراب الذي لم يترك محافظة عراقية إلا وأحالها الى اشلاء من التراكمات والتركات الثقيلة في نقص الخدمات والمشاريع والاعمار والبناء، وهذا الدور (المتابعة) في حقيقة الأمر أهم من دور الاختيار كونه يعني متابعة المسؤولين وحثهم على تقديم الأفضل والأحسن، وليس مجرد الخدمات الجيدة، بل ويدعوهم الى التسابق بين المؤسسات المدنية والخدمية في المحافظة أو ما بين المحافظة وقريناتها الأخرى وبما يسهم في دفع عجلة الاعمار والبناء في المحافظة خصوصا وفي البلاد عموما، كذلك سيكون مكملا لدور البرلمان والحكومة الاتحادية في مراقبة دور ووظيفة وواجبات من سيكون داخل مجلس المحافظة وتصحيح الخطأ وتقويم الخلل.
أما من جهة المرشح الفائز، والذي سيكون ضمن كادر مجلس المحافظة، فأن عليه الالتزام بوعوده المقدمة لأبناء محافظته والوفاء بها، وعدم تركها للنسيان لتكون مجرد وعود دعائية أخذت ظرفها وحاجتها لتذهب دون رجعة أو تطبيق، فالمرشح سيتعين عليه تنفيذ التزاماته التي قطعها على نفسه، ومتابعة متطلبات واحتياجات مواطني محافظته الذين وضعوا ثقتهم فيه، وائتمنوه على مصالحهم ومطامحهم وثرواتهم، كما ان فترة السنوات الأربع القادمة التي أعطيت له كممثل لمحافظته لتنفيذ التزاماته كافية لذلك، وهي أيضا ليست بالبعيدة جدا بحيث تجعله يتنصل من كل ذلك لاسيما وان العراقيين قد عرفوا باب الممارسة الديمقراطية والتعبير عن آراءهم من خلاله واختيار من يريدون أو تغيير من لا يرونه صالحا لخدمتهم.