الفوضى هي السمة الرئيسية التي تعيشها العملية السياسية العراقية الفاشلة، نتيجة الصراع على المناصب والمغانم ونهب ثروات العراق، بعد ان سيطر الفساد السياسي والاداري والمالي على كل مفاصل السلطة ، وماتشهده قبة البرلمان من اعتصامات لاعضاء البرلمان، تطالب باقالة الرئاسات الثلاث واجراء تشكيل حكومة خارج المحاصصة الطائفية وتعديل للدستوروغيرها من الاصلاحات التي عجزت حكومة العبادي وبرلمان سليم الجبوري من تحقيقها ، واجهت هذه الاعتصامات رفضا من حيتان الكتل ورؤسائها التي تهيمن على العملية السياسية ومنها كتلة المواطن والتحالف الكردستاني واتحاد القوى ، حيث شهدت هذه الكتل انشقاقات كبيرة في صفوفها التحقت عناصرها في صفوف الانقلابيين داخل مجلس النواب، حيث اعلنت كتلة الاعضاء المعتصمين انها الكلتة الاكبر(171 عضوا) ، وقامت بانتخاب رئيس من اكبر الاعضاء سنا ليدير جلسات المجلس، تمهيدا لانتخابات رئيس ونائبين فيما بعد ، وصولا الى اقالة الحكومة والرئاسات الاخرى، مبتدئة برئيس المجلس، ورافق هذا الانقلاب سجالات وتهديدات سياسية بين الكتل ورؤسائها ، ولكي نسلط الضوء على ما جرى داخل الاعتصامات ومن ورائها وما هي اهدافها ، لابد من القول ان الانقلاب البرلماني قادته دولة القانون ونوري المالكي من وراء الستار،وبعض تيار مقتدى الصدر الممثل بحاكم الزاملي وشلته، حيث تواجدت دولة القانون ب(70) عضوا ومن ابرز واهم اسمائها ، وهذا يؤكد ان نوري المالكي هو من قاد هذا الانقلاب بدعم وتوجيه ايراني واضح، وهذا لايعني ان الذين كانوا داخل القاعة هم من مريدي وتابعي المالكي ويأتمرون بأوامره،عدا (سنة المالكي ) المعروفين بولائهم له، هناك منشقين عن كتلهم من جميع الكتل وشاهدنا كيف اقالتهم كتلهم فيما بعد لخروجهم عن الاجماع وتوجيهات رئيس الكتلة او الحزب ، ولكن يبقى الاعتصامات يأخذ صفته القانونية والدستورية لانه يمثل النصف زائد واحد ، وهكذا ، سارت الادارة الامريكية واوباما بارسال مبعوثه الخاص ماكغورك ليقود مفاوضات صعبة مع تهديدات واضحة للنواب والكتل للعدول عن موقفهم ، واعادة سلطة البرلمان (دستوريا) لشرعيتها واعادة سليم الجبوري لرئاسة المجلس سلميا، فماذا حصل ، حصلت اجتماعات للكتل في دار سليم الجبوري حضرته كتلة اتحاد القوى من صالح المطلك واسامة النجيفي عدا اياد علاوي الذي خرج عن رأي كتلته والتحق باعتصامات البرلمان، وحضرته كتلة المواطن والتحالف الكردستاني ومستقلون وبدر وغيرها، وكان السفيرالامريكي واضحا مع الجميع ،محذرا الجميع من تداعيات الاعتصامات وخطرها على انهيار شامل للعملية السياسية وانفلات الاوضاع بشكل لايمكن التكهن به ، ولايمكن السيطرة عليه ، في ظل انهيار امني واضح مع خطر تنظيم داعش الذي يدق ابواب المدن لاعادة السيطرة عليها والتمدد نحو العاصمة بغداد ، وكان الدور الايراني لايقل اندفاعا عن الدور الامريكي ،ولكن في الاتجاه المعاكس الداعم لنوري المالكي وعصابته ومريديه، وهكذا نجح مبعوث اوباما ماكغورك والسفير ستيوارت جونز من سحب كتلة بدر والتحاف الكردستاني وبعض عناصر التيار الصدري واعضاء اتحاد القوى عن المعتصمين داخل البرلمانن ليصبح عدد الاعضاء المعتصمين ويهبط الى (131)، وتفشل محاولاته القانونية في انتخاب رئيس ونواب للبرلمان ، فماذا بعد هذا الارتباك وفشل المعتصمين في الحصول على الاغلبية في انتخاب الاقالات ، ماذا جرى ولماذا تراجع تيار الصدر ومنظمة بدر ، هناك احتمالات ابرزها ان الصدر وتياره ادرك ان نوري المالكي لعبة لعبة قذرة لتجيير الاعتصامات لصالح دولة القانون والاستحواذ على المناصب السيادية وربما اعادة نوري الى الحكم وهكذا تم تراجع الصدر واصدر بيانا شديد اللهجة هاجم فيه نوري المالكي شخصيا ، ومطلقا تحذيرا للحكومة بضرورة تشكيل حكومة الكنوقراط في القائمة الاولى خلال (72) ساعة ، ومتراجعا عن اقالة العبادي والرئاسة ، وتخلى عن شعاره المشهور(شلع قلع)، بعد ان خرجت تسريبات قوية عن ضغوط ايرانية او من حسن نصرالله ،للصدر مما اربك المشهد عليه وادى الى تراجعه واندماجه مع العبادي وسليم الجبوري في اصلاحاتهما الترقيعية التكنوقراطية،التي تعتمد على اس المحاصصة كنهج لها ،كي تحصل على قبول ورضى الكتل الاخرى التي ستفقد وزرائها ونفوذها في السلطة ، اما هادي العامري فقد تم تسوية معه في اعطائه وزارة سيادية ومناصب اخرى له ولعناصر منظمته ، وهكذا اصدر اوامره لعناصره المعتصمين والخروج من الاعتصامات ، وهكذا بقيت كتلة دولة القانون وبعض الاعضاء المستقلين والمنشقين عن كتلهم داخل البرلمان مؤملين انفسهم بتراجع كتل واعضاء جدد لاكتمال النصاب القانوني في تغيير الرئاسات ، وهكذا بقيت الامور على حالها ، هناك مجلسان للنواب مصرين على مواقفهما تجاه التغيير ، فما السيناريو ،بعد يوم الاثنين الحاسم بينهما ، حيث اعلن عن انعقاد جلسة للمجلسين في آن واحد ، فما الذي سيحدث ، المعتصمون مصرون عن الذهاب الى النهاية في اعتصامهم وانقلابهم ، فيما يعمل العبادي والجبوري والكتل المتحالفة معهما بكل هدوء وبلا تهديدات ولا تصريحات استفزازية ، على عكس المعتصمين الذي يهددون بالويل والثبور واقصاء الرئاسات بكل اصرار ، اعتقد ان الامور والاوضاع تزداد سوءا للطرفين ولايمكن التكهن بماذا سيحصل ازاء التصعيد من قبل المعتصمين نحو تحقيق مآربهم دستوريا داخل قبة البرلمان كما يصرحون،فيما يعمل الاخرون بكل ثقة على امتصاص زخم الهجوم والتغول عليهم ، نحن نرى ان العبادي وسليم نجحوا في ارباك المعتصمين بدعم امريكي واضح وضغط على الكتل الاخرى ودفعهم دفعا لدعم العبادي والجبوري واعادة الامور الى مرحلة ما قبل الاعتصامات ، نعم الامور في غاية الخطورة ،خاصة ودخول مقتدى الصدر على خط الازمة وقيادة التظاهرات من جديد وتخليه عن اصلاحاته وشروطه حينما اصبحت (الحديدة حارة) لمواجهة المصير ،فقد خسر الصدر جمهوره بتراجعه عن شعاره وشروطه ، وخذلهم ، واليوم يركب موجة حكومة العبادي لاعادة شرعيتها امام المعتصمين،علما ان نصف اعضاء تياره مع المعتصمين في البرلمان، حقيقة فوضى اخلاقية وسياسية لاحدود لها ، في وقت يتمدد داعش وانصاره ويسوم المدن سوء العذاب والذبح والتجويع والحرمان ، ولم يلتفت احد لمعاناة الاسرى في المدن التي يسيطر عليها داعش، او معاناة النازحين والمهجرين والمعتقلين الابرياء وقطع الرواتب لمدن باكملها وفساد يسيطر على كل مفاصل السلطة، كل هذا والكتل تتصارع وتتقاتل على المناصب والمغانم ونهب وسرقة ثروات البلاد، الفوضى تعم العراق ، ولاضوء في نهاية النفق، الا بشلع وقلع العملية السياسية باكملها ومن جذورها العفنة الطائفية التي اوصلت العراق الى قاع الخراب والدمار والفساد ، انها الفوضى الخلاقة التي ارادها المحتل الامريكي لشعب العراق ، منذ ان دخلت جيوشه واحتلت العراق عام 2003، المشهد العراقي السياسي يزداد سوءا بسبب الاحزاب الفاشلة والفاسدة ، وتأتي اعتصامات اعضاء مجلس النواب لتزيد من احتراق البلد وادخاله في اعماق الفوضى، وسفك المزيد من الدماء العراقية ، من اجل المصالح الشخصية والحزبية والفئوية القاتلة ، نقول ان ما يجري في العراق هو نتاج سيناريو امريكي-ايراني بلا شك، وانقاذ البلد لايتحقق الا بزوال اسباب الفوضى وهي التدخلات الايرانية ، والهيمنة الامريكية ،التي لاتريد للعراق ان يستقر ويعيش شعبه بامان ، تريد عراقا منهكا مجزءا ومنهارا ، مقسما الى دكاكين طائفية وحزبية وقومية ، هكذا تريد العراق لقرون طويلة ،فهل يدرك الاخرون ما تخطط له امريكا وايران ، وتحقق مقولة هنري كيسنجر في استراتيجيته ان قال ،(لم نعد نرسل جيوشا الى الشرق الاوسط لقتال العرب يكفي اننا نجعلهم يتقاتلون فيما بينهم )، وانظروا كيف تحققت نظرية كيسنجر ودهاقنة امريكا والصهيونية في الشرق الاوسط ، فوضى البرلمان ستستمر لايام اخرى وتعم الفوضى ،امام التدخلات الامريكية والايرانية وضغوطاتهما على الكتل والمعتصمين ،من اجل ضمان النفوذ والهيمنة عليها وارباك عملية التغيير ،التي يردها المعتصمون نحو الغاء المحاصصة الطائفية ،وهيمنة الكتل وديكتاتوريتها وقمعها لاعضائها ،وممارسة نفوذها عليهم وسلب ارادتهم البرلمانية في حرية القرار والتصويب، التغيير المطلوب تم قمعه امريكيا وايرانيا لانه يمس نفوذهم ومصالحهم ،وهيمنتهم على القرار العراقي، وتبقى الفوضى سمة المشهد السياسي العراقي لانه بلد مسلوب الارادة والقرار …