22 ديسمبر، 2024 9:31 م

ماذا بعد تحرير الفلوجة؟

ماذا بعد تحرير الفلوجة؟

خلال الساعات القادمة سنشهد رفع العلم العراقي ثانية وللابد على المجمع الحكومي للمدينة وتطهير كل انحاء الفلوجة من بقايا الدواعش وخاصة المستميتين منهم بالقتال والانتحاريين والذين نأمل ان لايتمكنوا من الفرار شمالا باتجاه اقرانهم في الجزيرة اوسهل ومدينة الموصل وانما معالجتهم بقسوة في الميدان. وستكون المدينة شبه مدمرة بالكامل بعد قصف الطيران والمدافع لها منذ اشهر وهروب معظم سكانها.

معركة الفلوجة لها اهميتها وخصوصيتها ورمزيتها باعتبار المدينة كانت غصة في حلق الجميع منذ 2003 والى اليوم. فمنها انطلقت شرارة ماسمي حينها بالمقاومة (غير الشريفة) ضد الامريكان عبر قتل وحرق المتعاقدين الاربعة وقبلها اغتيال 5 جنود امريكان في الحبانية على يد ابناء المدينة, فاشبعها الامريكان تدميرا وحقدا وسلموها للعراقيين غير مستتبة. وبدات بعدها عمليات الغدر بجنود الجيش العراقي وزرع العبوات لهم واختطافهم, ومن حيها الصناعي انطلق تلغيم السيارات التي انفجرت بين الابرياء بمعظم مدن العراق, وفي باقي احيائها تم ايواء الارهابيين والانتحارين من مختلف الجنسيات, حتى احتلتها داعش رسميا قبل سنتين وفعلت فيهم الافاعيل. فكان لابد من عملية كسر الارهاب الشرسة والحازمة التي انطلقت قبل حوالي 3 اسابيع والتي برأيي ستكون اخر معركة تشهدها الفلوجة بحياتها, ولن تطلق بعدها طلقة واحدة من فلوجي ولاي سبب كان ضد الدولة العراقية ولا مؤسساتها وافرادها في يوم من قادم الايام. فالجيش والحشد والعشائر المشاركون استطاعوا اخيرا كبح جماح الفلوجة للابد وبالاسلوب العراقي القاسي الذي عجز عنه الامريكان.

يتميز اهل الفلوجة بتدينهم العالي وبطائفيتهم المميزة والصريحة والمستفزة للاخر. فلطالما اشتكيت لاصدقاء لي منها من وجود مسجد باسم (الخليفة يزيد بن معاوية) على الشارع العام في بلد يلعن اكثر من نصف شعبه هذا الاسم صباح مساء. وكان ردهم بانهم حماة الدين والمذهب على عكس باقي السنة المتخاذلين على حسب وصفهم, وما الى ذلك من عنتريات طائفية منبوذة. ومع انهم وككل اهل الانبار لم يكونوا على وفاق مع نظام البائد صدام حسين وطالما سببوا له مشاكل واضطرابات, ولكن بمجرد سقوطه فانهم تبنوا الصدامية والبعثية وخاصة بالفلوجة, كرد فعل طائفي ضد تولي الشيعة للحكم ولوجود اعداد كبيرة من ضباط الجيش السابق الذين تم تسريحهم فالتجؤوا للمساجد بدلا من الثكنات والمقرات الحزبية السابقة. ولكن بعد هذه المعركة والدرس الطويل المؤلم وتجربة السنين واذا احسنا التصرف كحكومة ومكونات عراقية سيتخلى الفلوجيون (واقصد سكان المدينة وضواحيها نفسها وليس ثوار الكيبورد منهم بالدول الاخرى) عن كل هذا التاريخ الاسود وسيفتحوا صفحة جديدة.

اول التحديات بعد تحرير المدينة هو الاهتمام بالنازحين والمهجرين وتوفير سبل المعيشة لهم ومنع اية اعمال انتقامية لاي سبب وتسهيل عودتهم لبيوتهم واراضيهم وتوفير الدعم المادي المحلي والدولي لاعادة بناء وتنمية المدينة والانسان فيها. فهدفنا النهائي والحتمي هو المصالحة الوطنية والعيش المشترك الامن. اما هدفنا المرحلي فهو يشمل ايضا ايصال رسالة تطمين لاهل الموصل ستسهل على قواتنا كثيرا وهي تقوم لاحقا بتحرير مدينتهم الحتمي ايضا من جرذان داعش. وكلما قلت الانتهاكات وفيديوهات الانتقام والطائفية كلما وفرنا على انفسنا دماء عراقية ستهدر بلاسبب وقريبا في الموصل.

اما عن الانتهاكات التي حصلت ضد السكان الابرياء وهم يهربون من بيوتهم ويلتجؤون بالقوات الحكومية والحشد والتي اظهرتها مقاطع فيديو وصور حقيقية على مواقع التواصل الاجتماعي وتداولها الكثيرون وركزوا عليها وخاصة ممن تعودوا على وضع العصي باية عجلة بناء او تقدم او تحرير للبلد, او ممن انفصلوا تماما عن بلدهم وارضهم وصاروا يعيشون بالخيالات والاحلام الوردية ويراهنون على دفع العجلة للوراء, او من باقي العرب الذين حاربوا ويحاربون العراق بمختلف المسميات وتحت اي ذريعة, فمابلك من موضوع يمكنهم تسخيره طائفيا وحقدا تاريخيا وهلوسيا؟ لاشك ان تلك الانتهاكات قد حصلت واعترف بها الجميع وهي غير مقبولة ولا يجوز تبريرها ويجب معاقبة المتسببين بها وضمان عدم تكرارها. ولكن بنفس الوقت نلاحظ انها كانت اقل مما توقعناه وتنبأنا به مسبقا سيما ان للفلوجة سهما بكل جرح عراقي نازف بعد التحرير, وانها اقل مما حصل في مدن اخرى وخاصة في ديالى, وانها بالتاكيد لاتقارن بمجازر داعش الوحشية التي ارتكبها ضد ابناء جلدته انفسهم وضد الاخرين. وكل من يحاول مقارنة ماحصل هنا وهناك من انتقامات فردية مع افعال داعش فهو داعشي اصلا واقرب للحيوانات منه للبشر واو مشحون طائفيا حد القذارة.
سلوك منتسبي الجيش العراقي والشرطة بمختلف مسمياتهم ومراتبهم كان منضبطا بمجمله ومحل ثقة الاهلين, وهذا يسجل لهم ولمستقبل عملياتنا العسكرية اللاحقة. اما المليشيات والحشد فقد كان معظمهم مفيدا ومقداما بالمعركة. ولكن لا ننكر انهم طائفيون اصلا وبعضهم يشع حقدا ورغبة بالانتقام وقد اساؤوا لانفسهم اكثر حينما ربطوا انفسهم بالايرانيين وقاسم سليماني وبالشعارات والاعلام المذهبية المستفزة, وخطرهم الاكثر على باقي مدنيي العراق واطيافه وابناء جلدتهم ربما يفوق ما شاهدناه من انتهاكات لبعضهم على ابناء الفلوجة الابرياء وغير الابرياء. ولن يستقيم مستقبل العراق الا بتحجيم سلاحهم وقوتهم ومعاقبة وتجريم كل من ارتكب منهم خروقا فاضحة ودمج ماتبقى منهم ممن استهواه القتال بصنوف قواتنا الرسمية. ومرحليا علينا الاستفادة من اندفاعهم وحماسهم في تطهير باقي الاراضي العراقية من البؤر الداعشية وخارج نطاق المدن الامنة والساخنة, املا بانقضاضهم وتدجينهم خلالها.

وقد يبدو من المتوقع ان التالي هو تحرير الموصل مباشرة بعد تحرير الفلوجة, اخذين بالاعتبار زهوة النصر الحقيقي الحادث وانكسار معنويات العدو وتراكم الخبرة العراقية في محاربته, ولكن الحماسة وحدها لاتكفي, لذى نحتاج لبعض الوقت في اعادة تجهيز قواتنا وتنظيمها والتنسيق الكافي مع حلفائنا الغربيين والبيشمركة والتمهيد عربيا لها والاستفادة من عبر ودروس معارك الانبار وصلاح الدين وديالى, بالاضافة الى دعم ورفع معنويات المقاومة داخل الموصل نفسها ضد داعش والتي بدات تظهر ملامحها ونشاطاتها مؤخرا, خاصة واهل الموصل حضريين متمدنين ووطنيين وعراقيي النزعة والولاء ومنضبطين ولايميلون بطبعهم لعنجهيات الريف والبادية ولا لاثارة الشغب والعصيان. كما يجب علينا حتى قبل الموصل ربما اصلاح ما اجلناه من امور البيت الداخلية.
فلايمكن نكران ان توقيت معركة الفلوجة جاء لسحب الانظار عن الركود والفشل السياسي لحكومة العبادي وكل الكتل الفاسدة الحاكمة, وبعد احتلالين شعبيين سلميين للمنطقة الغبراء مرتع الفاسدين والمقصرين والمتخاذلين الذين افقدونا ثلث ارض الوطن ونهبوا ثلثي موارده. وقد استجاب ابناء الشعب بمختلف اطيافه وعلى كل الاصعدة بالانجرار طوعا لتاييد المعركة التي تمثلنا جميعا لانها ضد عدو مشترك يوحدنا مهما كانت خلافاتنا. وتوقفت تقريبا جميعا المماحكات والاعتصامات ضد الحكومة وانقلبت داعمة للمجهود الحربي الوطني ولابطالنا المقاتلين الاشاوس وفي شن حرب اعلامية مؤيدة غير مسبوقة وخاصة على تويتر المحسوبة تقليديا للدواعش. ولكن بنفس الوقت غير متناسين لما أجل ولما تم محاولة الالتفاف عليه. وسيعود معظم الجمهور لما كان عليه يوم 22 ايار من ثورة وغليان بمجرد اكتمال تحرير الفلوجة. ولن نسمح بتجيير الانتصار بالفلوجة لاي ممن تظاهرنا ضده او عليه. ومطلبنا الاصلي هو الاصلاح الحقيقي وحكومة التكنوقراط خارج المحاصصة ومحاكمة رموز الفساد وعلى رأسهم المالكي والمحمود. فبدون ذلك لن تهدأ النفوس ولن ينخدع احد.