سألتني ابنة العشرين عن ما هية العقيدة او الايمان اللاحق للدين. . ولم يفاجئني هذا السؤال حقا لانني افصل دائما بين الدين كعقيدة ووجود الله كخالق للكون. . فالدين هو مجموعة القواعد والعقائد والطقوس الواجبة الاتباع من قبل الاشخاص المتدينين. . اما الله فهو الصانع للكون والخالق للحياة . فأذا ادركنا ان الطبيعة عاقلة وان الكون منظم بشكل دقيق وعقلاني ومنطقي ، فهذا يدفعنا للاعتقاد بوجود كينونة عاقلة لكل هذه الاشياء ، وبالتالي فان الله واجب الوجود . وهذا لا غبارعليه حيث يمكن عبادته والتواصل معه بأية طريقة يراها المرء مناسبة له . وبذلك فأن الايمان بالله وطاعته هو موقف فردي انساني ، اما الدين الذي نظم المجتمعات البشرية على مر التاريخ فقد تغيرت طقوسه وقواعده بتغير الازمان ، فقد بدأ بالطوطم في المجتمعات البدائية ثم تحول الى مجموعة من الالهة على النمط الروماني واليوناني ، ثم الديانة التوحيدية التي اسسها النبي ابراهيم . وجاءت من بعده الديانات اليهودية والمسيحية والاسلامية . ان الايمان بالله الواحد الاحد ، هو الايمان المجرد بقوة خارقة غير مرئية ولا ملموسة. . ولما كان الانسان يبحث دائما عن اشياء منظورة ومحسوسة للايمان بها فقد نكصت الاديان كثيرا ، ولا زالت تتخذ منحا” ماديا” للدلالةعلى وجود الله ، من تقديس صنم ليكون واسطة بين الانسان وربه اوالايمان بالاحجار اوالخواتم التي تجلب الخير والرخاء ، وكذلك الصور والاسماء والتكيات التي تقربهم الى الله. . وقد عمل الضالعين بامور الدين وعلى مدى التاريخ القريب والبعيد على تأليف الكتب لارشاد الناس الى مبادئ وعقائد هم يؤمنون بها ويدعون بأنها منزلة من الله وما هي منه ، فاضافوا القدسية على كثير من الكتب وعلى كثير من الاسماء. فزادت الطقوس المقدسة عند البشر على مر التاريخ ، ولا زالت الطقوس تكثر يوما بعد يوم ، وما زال الناس يقدسون المادة والبشر حتى ابتعدوا عن روح الدين والرسالات الاساسية ، فأمتزجت الاراء الفردية والعادات القبلية والاجتماعية مع المبادئ الاساسية للدين. التي بشر بها الانبياء والرسل . وقد تمسك كل مجتمع من المجتمعات بطقوسه الدينية واعتبرها هي الاساس والواجبة التنفيذ ، ونبذ كل الطقوس الاخرى ، بل اعتبرها خارج الدين الذي يؤمن به . وبذلك فأن الدين قد انحرف عن وظيفته الاخلاقية والانسانية واصبح يثير مبدأ اللاتسامح والعداوة . فتحولت الطقوس الدينية البسيطة الى عادات وتقاليد معقدة وضارة بالفرد والمجتمع ولم تعد المبادئ الدينية وسيلة لضبط المجتمع ، كما لم تعد تواكب التطور الانساني في الحفاظ على المبادئ الاخلاقية او تضمن الحقوق الاساسية للفرد ، فكل شئ اصبح مسموحا لترسيخ مبادئ الافكار الدينية المتجددة ، وحل الكذب والسرقة وخيانة الامانة والكره والبغضاء محل المبادئ المثالية الاولى. . كما عجزت الاديان في الوقت الحاظر على ان تكون منهجا للحياة للدول والمجتمعات. وقد نبذتها المجتمعات الاوربية منذ امد طويل فتحررت من سطوة الدين . وعندنا فشل الدين في ادارة الدولة . مثل السعودية القائمة على المبدأ الوهابي ، وايران القائمة على مبدأ ولاية الفقيه وتركيا على مذهب الاخوان المسلمين ، والعراق الذي تنازعته المذاهب . ودبت الفوضى في الباكستان والصومال وافغانستان واليمن وكثير من بقاع العالم ، لعدم وضوح المعالم الدينية في بناء الدولة والمجتمع. . ولما كان النبي محمد ( ص) هو خاتم الانبياء ، فليس هنالك من دين جديد يحل محل هذه الفوضى التي صنعناها بأنفسنا على مدى دهور من الزمن .وبالنتيجة فأن المعرفة والمبادئ الانسانية وحقوق الانسان وحقوق الحيوان والضوابط الاخلاقية المتعارف عليها هي التي حلت محل الدين . . وهذه المبادئ الانسانية الاساسية هي التي ستكون الحاكمة لكل المجتمعات والدول في العالم ، فقد بلغ الانسان سن الرشد . واخذ يتعامل مع اخيه الانسان ومع بقية الكائنات على الارض وفق الاسس الاخلاقية والانسانية المتطورة ، والتي كان الدين اساسها . ويبقى الله واجب الوجود ، ويمكن التواصل معه وعبادته وشكره وحمده وتعظيمه كعلاقة فردية بين الانسان وخالقه .