5 نوفمبر، 2024 12:24 م
Search
Close this search box.

ماذا بعد الديمقراطية في العراق؟

ماذا بعد الديمقراطية في العراق؟

رغم قناعتي التامة أن نجاح أي نظرية يتوقف على صلاحها  وواقعيتهاالا أن شروطاً موضوعيةً أخرى يجب أن تتوفر في نجاحها في مياديين التجربة والتطبيق ؛ وفي طليعة هذه الشروط الظروف المحيطة بالتجربة ، وكذلك إيمان المجتمع بالفكرة ،إضافة إلى هذا وذاك عملية التمهيدوالترويض الاجتماعي التي تسبق عملية التطبيق  وهي مايصطلح عليها بمعمليةالبناء والتغييرإلا أن أي من هذه الشروط لم تتوفر في بناء  العراق الجديد، فمخلفات الاستبداد كانت كارثية على كل المستويات؛  والظروف المحيطة بالجوار العراقي  بين موتور ينتظر وقت القصاص ، وبين خائف من عدوى الديمقراطية في المنطقة،  يفضل بقاء صدام على إفرازات  ديمقراطية لاتنسجم مع دكتاتوريات النفط العربي .  
كما فات الاحزاب العراقية وضع برنامج لمرحلة انتقالية لتمهيد وترويض المجتمع من الانتقال المفاجئ من عالم الاستبداد إلى عالم الحرية المفتوح على مصراعيه ، شأنه شأن كل المصطلحات  التي انطلقت من فوهات الإذاعة عبر البيان الأول لمجلس قيادة الثورة . إلا أن الديمقراطية جاءت هذه المرة من وراء البحار وتحت حراب الاحتلال ومعها حزمة من المصطلحات مثل : العولمة والعلمنة والدولة المدنية والفدرالية والكومفدرالية ؛ أسماء ليس لنا سوى ألفاظها، أما معانيها فليست تعرفها الغالبية العظمى وحتى بعض الخصوص . هذا قدر العراق  والشعوب التي لم تصنع قدرها تبقى أسيرة الأقدار . ولكن العراقيين أوشكوا على إسقاط أعتى انواع  الاستبداد بايديهم  في 1991، إلا أن أمراء النفط اطالوا في عمر صدام عقداً من الزمن وزادوا في معانات وعقاب الشعب العراقي . ولكن بوش  الابن ابى إلا أن يفتح العراق بالمفتاح الأمريكي لأسباب معروفة.
وكيفما يكن سقوط الدكتاتور سواء بمؤامرة أمريكية أو بصاعقة ربانية فإن نعمة الحرية  كبرى  النعم تستحق الشكر الدائم ( وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم ) إبراهيم 6  . و إذا لم يكن زوال صدام  جامعاً للعراقيين على كلمةٍ سواء فمن يا ترى هو الجامع بعد أن اهلك الحرث والنسل وغامر
بالعراق إلى حافة الهاوية. ألم يكن الأولى  نسيان الماضي والعمل من أجل صنع مستقبلٍ زاهرٍ يشارك في صنعه كل العراقيين ولكن الموقف من الديمقراطية كان مختلفاً تماماً فبين من استعمل الديمقراطية اليةً للوصول للسلطة ومنهم من تنكر لها لانها لم تكن على هواه  فتارةً يؤمن بها وأخرى يكفر ، كما حدث في الأقاليم ؛ فقد رفضت من منطق إداري ولكن تحمس لها البعض من منطق طائفي. والأقاليم لا يفتي فيها رجال الدين بعد أن استفتي فيها الشعب والدستور ، ولا أقول بحرمة إصلاح الدستور وتعديله ، فهو ليس قراناً يتلى، ولكنه مثّل إرادة الأمة في رفض الدساتير المؤقّتة، ووفّر بعض الاستقرار الذي كان يفقده العراق في ظل الدستور الموقت . ولا ننسى الكوارث التي خلفها عدم الاستقرار في ظل الدساتير المؤقتة وأحكام مجلس قيادة الثورة  والتي من مخلفاتها الانفال وحلبجة والاهوار في الداخل والحروب العبثية مع الجيران .ويبدو أن الساسة لم ينظروا بمنظار بعيد المدى، ولم يتعلموا لا من الماضي الأسود ولا من حاضر المنطقة المرعب  والا كيف تضيع الفرصة الذهبية لبناء دولة الموسسات الحديثة، والالتحاق بالركب العالمي ، لياخذ العراق دوره في العالم بعد سقوط الدكتاتورية والتوجه لبناء الدولة الحديثة في ظل منظومة العدل الاجتماعي ،الذي يعتمد المواطنة وحدة بناء والكفاءة وحدة قياس ، ولكن منطق الهيمنة والسلطة دفع البعض للنجدة باعداء العراق وهنا خربنا بيوتنا بأيدينا  وأيدي  الجيران ، ونعمة الحرية لم  يؤدي  شكرها الكثير بل جُحدت  بالتمرد والفوض .  وكان الأولى بالجميع   المساهمة في استقرار العراق و  نسيان الماضي والتوجة للمشاركة في ببناء الوطن ، فلا الشيعة يمكن ان تنسخ  السنة من العراق ولا العرب يمىكن أن ينسخوا الكورد.
فالعقدة العراقية تكمن في الشعور بين الأولوية و المظلومية بين السنة و الشيعة و العرب و الكورد، فقد انتهت  هذه المرحلة و يجب التأسيس لمرحلة جديدة.
فان بناء دولة المواطنة هي من مسؤولية الجميع حتى لا نصاب بالتيه والعقاب والحروب المدمرة  (ولا تنازعو ا فتفشلو وتذهب ريحكم) ،وكنت  ومجموعة من المثقفين العراقيين في طليعة المتطوعين والمتطلعين  لمستقبل واعد في العراق ، فكانت انطلاقة التيار الإسلامي الديمقراطي تعبيراً عن الأصالة والحداثة المتمثلة في الطرح الحضاري للإسلام ، في الاعتماد على الآليات الديمقراطيةوالابتعاد عن الطرح الطائفي والتاكيدعلى الخصوصية العراقية. ورغم إيماني بان الإسلام  هو الحل لانه  المعبر الحقيقي عن شخصية الأمة وانتمائها إلا أن  الديمقراطية كانت مرحلة لابد منها. وقد لاقى هذا الطرح قبولاً واسعاً في أوساط المثقفين كما لقي هجوماً عنيفاً بلغ حد الوصف  بالانحراف الفكري.  ومما يؤسف حقاً أن الذين اعتبروا الديمقراطية مصطلحاً وافداً نجساً لا احد يستطيع اليوم أن يحصي اجترار الديمقراطية على ألسنتهم ، وهم في مواقع المسؤولية.  والشريف منهم من قال لقد اجبرنا على ذلك ورغم كل الملاحظات فقد تحقق الكثير من الإنجازات في ظل الديمقراطية، وحلت المشكلة الكردية وصمدت وحدة العراق أمام التحديات وتحقق العدل في توزيع  الثروة والسلطة في مجالس المحافظات.  وصحيح أن الممارسة الديمقراطية ترشد السلطة والشعب معاً،  ولكن حل المشاكل لايمكن أن يكون إلا بمزيد من استعمال الديمقراطية على ان لا تتحول الحريات إلى انقلاب على مبادئ الديمقراطية. فإذا لم تُنظم الحرية بقيود الديمقراطية فإنها  تتحول إلى فوضى و المشاكل التي تبرز في العادة، هِي أما من خلال التطبيق الخاطى للدستور أو من خلال عدم فهم المعارضة في ظل الأنظمة الديمقراطية لمسوليتها، فان مسؤولية بناء الدولة تبقى من وظيفة السلطة والمعارضة معاً  ولا يكون  ذلك إلا  بمعالجة المشاكل بين المعارضة والسلطة بمزيدٍ  من فهم الدستور وتطبيقه  بروح الموسولية العليا التي تُؤثر مصالح الوطن على المصالح الأخرى .وهذا لا يكون إلا إذا كان التداول الديمقراطي بنوايا حسنة ،دون أن يضمر الساسة الجمع بين حلاوة السلطة ومجد المعارضة ،ومثل هذا النهج في غاية الخطورة يمثل الاستقواء بالديمقراطية ثم العودة للدكتاتورية ، وخلاصة القول أمامنا طريقان لا ثالث لهما اما الحرب الاهلية المدمرة، وهذا ما يراهن عليه أعداءالعراق
، أو الاحتكام لمنطق العقل وقبول اي من الحلول السلمية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات