تبخرت عشرة سنين، تحت أشعة شمس تموز اللاهبة، في بلد الحضارات، كانت حرارة الشمس كافية لصهر مجموعة من العناصر، واضمحلالها تحت دواعي أمنية، اهمها كانت المصالحة الوطنية، وتلك التي تدعى اللحمة الوطنية، ولاختصار الحال؛ كل ما يمت للوطنية بصلة فهو مصهور يا ولدي مصهور.
صباحك وطني لا يخلوا من الجراح، قطرات الندى كانت بصبغة طائفية، والجزء الأكبر منها كان يعمل بنصوص خارجية مسبوكة الصياغة.
بين الطائفية والقومية، اختلطت أحزاب متعددة، ضاع الوطن… كلمة تحمل اغلب صفات الانصهار والتبخر، لكن الضياع شمولي المعنى بشكل أوسع، حيث يحتوي بما تعنيه من تركيب المفردات، حالات الغليان الناضحة من منظومة العمل المتخبط، في سلوكية إدارة الدولة، ومن ثم تحقيق حالة الضياع.
كان ثمة سؤال يدور في ذهني: “إن معظم الساسة اليوم في مساحة العمل الوطني المشترك، هم حصيلة معاناة غربة وابتعاد عن الوطن، طوال سنوات الضياع من عمر الانسان العراقي، بالتالي منهم من كان يسكن الاهوار والمستنقعات، متحينا الفرصة للنيل من قواعد النظام البائد”.
البعض الآخر كان يحارب في الغرب، ويسعى جاهدا في تعريب القضية الوطنية، لتلائم مقاسه، لا يمكن أن نشك أو نمرر نوايا البعض بخطأ الفعل وانعكاسه، لكن يمكن لنا بناء السؤال التالي: لماذا لم يعمل معظم الساسة حين قدومهم الى العراق، وتسلمهم جميع مفاصل الدولة، الى تطبيق النظرية المعاشة في مدن الضباب وغيرها، من تكنلوجيا وتقدم واسع، على الصعيد الانساني والبنياني.
الجواب: لم يكن معظمهم للأسف يزاول العمل الميداني، ضمن اختصاصه النافذ، فالحياة عبارة عن مجموعة تجارب؛ تتبلور لدى الانسان مكونة لديه (منظومة فكرية أخلاقية قيمية عملية)، قادرة على النهوض به من واقع السبات الى واقع الحركة، وبما أن الاغلب الاعم كانوا كأصحاب الكهف، في سكونهم وتعبدهم ودعائهم المنقطع النظير، بزوال طاغية العصر صدام، أغفلوا الجانب العملي لدواعي تعبدية.
فالإنسان مالم يحتك بتجارب الدول ويعايشها، لا يستطيع من إخراج النتاج المنتظر منه، وفي نهاية المطاف كانت العشر سنوات، كافية بإبراز مكامن الخلل الحكومي الهزيل في إدارة شؤون الدولة، قد يسأل سائل: ذهب المالكي وانتهى الامر.!!
أقول: “لا بل ابتدئ الأمر “بتقصي الحقائق” ووضع اصبعنا على موضع الخلل لتصحيحه وبناء البلد من جديد.
وهنا لا بد من الاشارة الى بناء مهم جدا، يعتمد استخدام خبرات علمية عملية، قادرة على صناعة ترسانة بشرية واعية، تستطيع العطاء والنبوغ، وتعزيز الروح الوطنية الخلاقة، من أجل أن يبقى الوطن للجميع”.
ان بناء الانسان يساعدنا في بناء الوطن، على اسس رصينة غير قابلة للخطأ والانحراف، وهنا لا بد لنا من تلافي الوقوع بمطبات الماضي، مع عدم نسيانه ليكون مرآة عاكسة، تصور لنا الطريق القادم.
أما ختامها فالمفترض ان يكون مسك، فلا تناحر مع البعض، ولا تسقيط بينهم، ولا اشاعة الاشاعة وتصديقها، وافهام العامة بخطورتها، رغم عدم وجودها، كحدث واقعي، كل ذلك كان يمر خلف ذلك الانسان البسيط، دون أن يشعر ويرى ما حوله، اضافة على ذلك كان يجب أن يبقى المواطن دائما وابدا خارج نطاق التغطية، مما يساعد في تمرير ما يمكن تمريره وهو في وضع الانغلاق.