22 ديسمبر، 2024 9:02 م

ماذا بعد الاتفاق النووي ؟ ماذا بعد الاتفاق النووي ؟

ماذا بعد الاتفاق النووي ؟ ماذا بعد الاتفاق النووي ؟

تحبس دول المنطقة أنفاسها بانتظار ماستفسر عنه مفاوضات لوزان 2 بين وزيري الخارجية الايراني محمد جواد ظريف والأمريكي جون كيري والمفترض أن ينبثق عنها توافقات مبدئية تكون أساسا لاتفاق نووي شامل بين مجموعة 5 + 1 وايران نهاية الشهر الجاري .
حيث يدرك القادة الايرانيون الذين صرحوا مرارا وتكرارا بأن البرنامج النووي هو حق مقدس للامة الايرانية انهم أمام ” فرصة تاريخية” على حد تعبير الرئيس الأمريكي باراك أوباما لابرام اتفاق مع ادارة امريكية تتسم سياساتها بالغموض والارتباك مع توقع عودة قوية للجمهوريين المعارضين للاتفاق والمدعومين بتيار المحافظين الجدد للبيت الأبيض في انتخابات 2016 ، بينما يسعى الرئيس أوباما وفريقه للبحث عن انجاز في مجال السياسة الخارجية ينهي به فترة ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة بعد سلسلة من الاخفاقات بدأت بفشله في ممارسة ضغوطات على اسرائيل كفيلة بوقف الاستيطان والعودة للمفاوضات على أساس حل الدولتين مرورا بالعجز عن درء الخطر الروسي على اوكرانيا وتهديده لوحدة أراضيها وختاما بامتناعه عن تسليح المعارضة السورية المعتدلة مما عقد الوضع في سوريا وأدى الى استفحال الأزمة الانسانية وتقاسم السيطرة الميدانية بين النظام وداعش ، ومن هنا تبدو حاجة الطرفين الماسة للتوافق .

ان الوصول لهذا الاتفاق لايمكن أن يتم دون معوقات مع تعدد الأطراف الرافضة له على مستوى الداخل الامريكي والايراني حيث يقف الحزب الجمهوري وتيار المحافظين كأولى العقبات أمام اتمام الاتفاق ففي الوقت الذي صعد فيه الجمهوريين من حملتهم ضده وصلت الى حد المطالبة بقطع المخصصات المالية عن الوفد الامريكي المفاوض قبل أن يوجه 47 عضو جمهوري في مجلس الشيوخ رسالة الى ايران يحذرونها فيه من اتفاق قد لا يكون له أي أثر بمجرد مغادرة باراك أوباما للسلطة في يناير 2017 ويندرج الموقف الجمهوري في سياق

التنافس الحزبي الداخلي الساعي لحرمان أوباما من أي انجاز خارجي خصوصا بعد السيطرة الجمهورية المطلقة على الكونغرس في انتخابات التجديد النصفي ، أعترض التيار المحافظ المتشدد في ايران على تقديم أية تنازلات (قد تؤدي لعرقلة توجهاته) لغرض توقيع الاتفاق مع واشنطن في الوقت الذي يسعى فيه للسيطرة على كافة مفاصل الدولة في هذا التوقيت الحرج وهو ماترجم مؤخرا بانتخاب رجل الدين المتشدد آية الله محمد يزدي رئيسا لمجلس خبراء القيادة على حساب الاصلاحي هاشمي رفسنجاني خلافا لكل التوقعات .

أما على المستوى الخارجي فتتصدر اسرائيل قائمة الدول المعترضة على اتفاق نووي بين طهران والقوى الكبرى حيث لخص رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في كلمته الأخيرة أمام الكونغرس دوافع الرفض الاسرائيلي بقوله ( ان اسرائيل تعارض الصفقة لكونها تضمن حصول ايران على أسلحة نووية وتؤدي الى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط أجمع ) وبالتالي انهاء الاحتكار الاسرائيلي للسلاح النووي في المنطقة وهو مايقلق أيضا الدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والتي تتشارك مع تل أبيب القلق من أن يؤدي الاتفاق الى تخفيف الضغوط على طهران ورفع العقوبات عنها وهو ماسيوفر لها الأموال اللازمة لتوسيع نطاق نفوذها وترسيخ دورها في الملفات الاقليمية الساخنة .

وبمعزل عن هذه المواقف تتواصل المحادثات بأجواء ايجابية ورغبة في تحقيق تقدم ملموس يكون مبنيا على تقديم التنازلات المتبادلة للوصول الى حل وسط يرضي جميع الأطراف ومن هنا يمكن فهم سلسلة التصريحات والاجراءات الامريكية والمرتبطة حتما بسير التفاوض من قبيل حذف ايران وحزب الله من قائمة الجهات الداعمة للارهاب نتيجة دورهم في مواجهة داعش والموافقة على مبدأ التخصيب و زيادة أجهزة الطرد المركزي من 1500 الى 4500 جهاز والتغاضي عن مسألة الصواريخ البالستية مقابل موافقة ايران على ارسال أغلب خزينها من اليورانيوم للخارج وممارسة عمليات التخصيب لاغراض طبية بشكل محدود مع وجود بعثة مراقبة دولية لها القدرة على رصد التجاوزات الممكن حصولها أثناء عمليات التخصيب دون امكانية ايقافها وهو مايعزز من ضبابية منظومة التدقيق اللازمة للكشف عن أي خرق ايراني للاتفاق مستقبلا وتزايد الشكوك في جدواها ، مع استمرار الخلافات حول نسبة التخصيب وألية رفع العقوبات بين الطرفين .

كل هذا القدر من التنازلات الامريكية يصعب معه تخيل ابرام اتفاق جيد أو القبول بمنطق عدم تقديم ايران هي الأخرى لتنازلات تفوق ماسبق ذكره ليتحول الأمر الى مايشبه صفقة كاملة تشمل ملفات الشرق الأوسط الساخنة حيث تتنازع الارادات بين طهران واشنطن في رسم مستقبل العراق بعد داعش بل وحتى في تفاصيل المواجهة مع التنظيم وهو ماظهر جليا في ملابسات معركة تكريت وفي سوريا التي بات واضحا فيها باستحالة اقناع السنة فيها ( 70% من السكان ) بقبول استمرار بشار الأسد رئيسا لهم ، فالايرانيون يدركون جيدا انه عاجلا أو اجلا سيضطرون للتخلي عن العراق أوسوريا أو ربما كلاهما معا بالموافقة على اقليم سني في العراق والتخلي عن قوات الحشد الشعبي أو حتى “تثليث” السلطة في بغداد وتسوية سياسية بدون الأسد

في سوريا ناهيك عن ترك الحوثيين في اليمن ليواجهوا مصيرهم منفردين مقابل ضمان مصالحهم وبقاء نفوذهم بشكل جزئي في هذه البلدان خصوصا مع الاستنزاف الاقتصادي الذي تتعرض له الجمهورية الاسلامية من جراء المواجهات المفتوحة في العراق وسوريا ولبنان و استمرار أزمة انخفاض اسعار النفط المفتعلة من السعودية والتي ردت عليها ايران بفتح جبهة اليمن الجنوبية ووقتت الهجوم على عدن بشكل متزامن مع قرب التوصل لاتفاق نووي قبل أن تقطع السعودية الطريق عليها بعملية عاصفة الحزم .

ان احتمالية الصفقة الشاملة واردة رغم النفي المشترك لها وهي أهم مايقلق حلفاء ايران في المنطقة خصوصا ان لطهران سوابق في ذلك وهي دولة براغماتية باحثة عن مصالحها لا جمعية خيرية فقد سبق للايرانيين أن قاموا بسحب دعمهم للتمرد الكردي في شمال العراق بعد توقيعهم لاتفاقية الجزائر مع حكومة بغداد عام 1975 والتي ضمنت بموجبها طهران جزءا من شط العرب المتنازع عليه لينهار هذا التمرد في غضون ساعات. الأيام القادمة ستكون كفيلة بالاجابة عن نوايا ادارة أوباما الحقيقية فأما اتفاق يجعل من ايران دولة نووية ” بشروط ” مع انفراج في المشهد السياسي العربي المعقد نتيجة تقلص نفوذها وهو الخيار الراجح أو أن تترك المنطقة العربية لتواجه مصيرها بين ثلاث ذئاب هي ايران وتركيا واسرائيل لندخل في نفق مظلم من الدماء والكراهية لا نهاية له