الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي/رويترز
كانت أوكرانيا يوماً ثالث قوة نووية في العالم، والآن يتحسر ساستها على قرارهم التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية، وهدد رئيسهم الممثل الكوميدي السابق فولوديمير زيلينسكي، مؤخراً بالعمل على إنتاجها، فهل تستطيع كييف حقاً ذلك؟ وهل كان لديها خيار آخر غير تسليم الأسلحة النووية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي؟
وخلال مؤتمر ميونيخ الأمني، لوح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ضمنياً بمراجعة وضع بلاده كدولة غير حائزة للأسلحة النووية، وقال إن كييف يمكن أن تنسحب من مذكرة بودابست التي وقعت عام 1994، والتي ألزمت بلاده بالتخلي عن ترسانتها النووية الضخمة التي ورثتها من الحقبة السوفيتية.
واستغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا التصريح على الفور حيث اعتبر في خطاب موجه لشعبه أن أوكرانيا تعتزم صنع أسلحة نووية خاصة بها، محذراً من أنه إذا تمكنت كييف من إنتاج أسلحة دمار شامل فسيكون لذلك تأثير كبير على أوروبا كلها.
مقابل ورقة تخلت أوكرانيا عن ثالث قوة نووية في العالم
في مطلع التسعينيات، كانت الأسلحة النووية الأوكرانية، أكثر عدداً وأقوى من تلك التي تمتلكها بريطانيا أو فرنسا أو الصين، وتضمنت صواريخ لم تنشر في روسيا وقاذفات (Tu-160) الأحدث والأٌقوى في أسطول القاذفات السوفيتية.
وتخلت كييف عن كل ذلك مقابل ورقة موقعة من القوى العظمى ومن بينها روسيا عام 1994 تتعهد بضمان أمنها.
والآن ابتلعت موسكو القرم، وفصلت إقليم الدونباس وتهدد بابتلاع المزيد، وتنقل أسلحتها النووية إلى بيلاروسيا، والغرب يكتفي بإرسال خوذات وبعض الأسلحة المضادة للدبابات لكييف مع تأكيده منذ بداية الأزمة، أنه لن يتدخل عسكرياً لحماية أوكرانيا.
ومن الصعب الجدال بأن الأسلحة النووية قد أثبتت أنها الرادع النهائي لأي دولة، فلقد منعت القوى النووية من خوض حرب بوعي ضد بعضها البعض لمدة 76 عاماً، حسبما ورد في تقرير لموقع صحيفة Los Angeles Times.
كما أن دولة مثل كوريا الشمالية، لم تهاجمها أمريكا رغم سياستها الجريئة، بينما هاجمت العراق قبل استكمال برنامجه النووي وليبيا بعد تفكيكها البرنامج الخاص بها.
قصة الأسلحة النووية الأوكرانية
أدى الانهيار السوفييتي في ديسمبر/كانون الأول 1991، إلى حصول أوكرانيا المستقلة حديثاً على ما يقرب من 5000 سلاح نووي كانت موسكو قد وضعتها على أراضيها، في صوامع تحت الأرض تحوي صواريخ بعيدة المدى تحمل ما يصل إلى 10 رؤوس حربية نووية حرارية، كل منها أقوى بكثير من القنبلة التي دمرت هيروشيما.
مقابل التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية، تلقت كييف ضمانات أمنية من روسيا وأمريكا وبريطانيا وغيرها من القوى العظمى، من خلال مذكرة بودابست لعام 1994.
الأسلحة النووية الأوكرانية
قاذفات Tu-160 التي تعد أقوى القاذفات الروسية حالياً، والقادرة على حمل قنابل نووية كانت موجودة على أراضي أوكرانيا لدى إنهيار الاتحاد السوفيتي/ويكيبيديا
في هذه الوثيقة، التزمت الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا “احترام استقلال وسيادة” أوكرانيا و”الامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها” ضد البلاد.
وكانت الولايات المتحدة من أشد الدول حرصاً على نقل الأسلحة النووية الأوكرانية لروسيا.
وقال أوليكسي دانيلوف، سكرتير مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني، لصحيفة Politico الأمريكية، إنه “بناءً على طلب الولايات المتحدة، تخلت بلادنا عن 176 صاروخاً باليستياً عابراً للقارات و6000 رأس نووي”.
“مجرد ورقة”.. ليست معاهدة ملزمة قانوناً بل مجرد مذكرة تفاهم
حاول المفاوضون الأوكرانيون الحصول على ضمانات أمنية أمريكية في معاهدة ملزمة قانوناً، ولكن رفض الأمريكيون ذلك لأن هذا سيتضمن الذهاب إلى الكونغرس للتصديق عليه.
وبالتالي فإن ما تم الحصول عليه في النهاية ضمانات لم تصل لدرجة معاهدة ملزمة قانوناً، ولكن جاءت في مذكرة تفاهم وقعتها كل من روسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوكرانيا في 5 ديسمبر/كانون الأول 1994.
كما رفضت الولايات المتحدة أن تعطي كييف نوع الضمان الأمني الذي تقدمه إلى حلفائها في الناتو مثل أن أي هجوم على أوكرانيا سيعامَل على أنه هجوم على الولايات المتحدة.
ظروف تسليم هذه الأسلحة رغم المخاوف من موسكو.. فتِّش عن تشيرنوبيل
يصف الدبلوماسيون ونشطاء السلام أوكرانيا كدولة نموذجية في مجال نزع السلاح النووي.
ولكن الأمر لم يكن بهذه البساطة، يُظهر البحث التاريخي أن مسألة التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية كانت محل خلاف بين الحكومة والجيش في البلاد آنذاك، ففي ذلك الوقت، شكك الخبراء الأوكرانيون في الحكمة من نزع السلاح النووي، جادل البعض بأن الأسلحة الفتاكة كانت الوسيلة الوحيدة الموثوقة لردع أي عدوان روسي محتمل.
ولكن كانت أسباب قرار أوكرانيا أن تصبح دولة غير نووية، متعددة.
في الواقع، لعب الخوف من تكرار كارثة مفاعل تشيرنوبيل النووي التي وقعت في أوكرانيا خلال العهد السوفييتي، دوراً مهماً في هذا القرار، حسب ماريانا بودجيرين الباحثة ببرنامج الأمن الدولي ومشروع إدارة الذرة بجامعة هارفارد الأمريكية.
كما لم يكن قادة أوكرانيا في نهاية العهد السوفييتي يعرفون حتى الأسلحة التي تم نشرها وما هي الأسلحة الموجودة في جمهوريتهم.
وكان أحد أهداف قرار التخلي عن الأسلحة النووية الأوكرانية بالنسبة للحكام الجدد هو فك الارتباط بموسكو.
وكانت هناك عوائق هائلة أمام أوكرانيا للاحتفاظ بالأسلحة النووية ولكي تصبح دولة نووية.
كان أحدها تقنياً: فعلى الرغم من أن أوكرانيا ورثت قاعدة تقنية وعلمية وصناعية سخية، فإنها تفتقد أجزاء رئيسية من دورة الوقود النووي الكاملة، إضافة إلى مشكلات البلاد الاقتصادية الكبيرة في ذلك الوقت.
هل كان بإمكان أوكرانيا السيطرة على أسلحتها النووية؟
لو قررت أوكرانيا الاحتفاظ بالأسلحة النووية في أوائل التسعينيات، لكان يتعين عليها أولاً انتزاع السيطرة العملياتية على هذه الأسلحة من موسكو.
من الناحية التكنولوجية، كان المهندسون الأوكرانيون من دنيبرو وخاركيف قادرين على القيام بذلك بسرعة معقولة، حسب الباحثة ماريانا بودجيرين.
ولكن نظراً إلى أن الصواريخ في أوكرانيا كانت تستهدف الولايات المتحدة، فستحتاج أوكرانيا إلى إعادة توجيهها إلى روسيا، وهي عملية تحتاج إلى جهد فني، كما أن مدى الصواريخ التي كانت تمتلكها أوكرانيا في ذلك الوقت يتراوح بين 8000 و10000 كم، وهو مدى غير مفيد لردع موسكو، لأن العديد من الأصول الرئيسية الروسية على أراضيها الأوروبية تتطلب نطاقات أقصر.
لذلك كان سيتعين على أوكرانيا تصميم صاروخ جديد بمدى أقصر وينتهك معاهدة الأسلحة النووية الوسيطة التي تحظر الصواريخ التي يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر.
لم تكن روسيا تجلس بهدوء وتراقب، لكنها كانت ستحاول إجبار أوكرانيا على وقف هذا المسار بكل الطرق، وضمنها التدخل العسكري.
الاحتمال الأكبر هو أن الأسلحة النووية الأوكرانية، بدلاً من أن تحمي البلاد، كانت ستصبح ذريعة روسية للحرب قبل وقت طويل من الآن، بل كان يمكن أن تقنع أمريكا أن تنضم إليها في الضغوط على كييف، حسب تقرير للمجلس الأطلسي.
دولة متقدمة في المجال النووي السلمي
تعتمد أوكرانيا على الطاقة النووية السلمية إلى حد كبير، حيث لديها أربع محطات للطاقة النووية مع 15 مفاعلاً، واحتلت في عام 2016 المرتبة السابعة في العالم بمجال القدرات النووية السلمية. وفي عام 2014، وفرت الطاقة النووية 49.4% من إنتاج الكهرباء في أوكرانيا، ولديها أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.
وشركة Turboatom الأوكرانية من بين أكبر عشر شركات لبناء التوربينات في العالم، منها توربينات محطات الطاقة النووية.
وخططت الحكومة الأوكرانية لبناء 11 مفاعلاً جديداً بحلول عام 2030، وهو ما سيضاعف تقريباً المقدار الحالي من قدرة الطاقة النووية.
بصفة عامة ورثت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي قدرة علمية وتكنولوجية وصناعية قوية في المجال النووي.
هل تستطيع أوكرانيا الآن تصنيع أسلحة نووية لردع روسيا؟
اللافت أن البرلمانيين الأوكرانيين، عند تصويتهم للانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية كدولة غير حائزة للأسلحة النووية في نوفمبر/تشرين الثاني 1994، أدرجوا بنداً يحتفظ بحق أوكرانيا في الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في حالة تعريض مصالحها الوطنية العليا للخطر.
بالطبع تطوير أسلحة نووية أمر يستغرق سنوات، وبالتالي لا مجال للتفكير في تطوير أسلحة نووية أوكرانية للتعامل مع الأزمة الحالية، ولكن بعد مرور هذه الأزمة سواء بسلام أو بكارثة بالنسبة لكييف وإذا بقيت أوكرانيا كدولة متماسكة، هل تستطيع تطوير أسلحة نووية؟
ترى الباحثة ماريانا بودجيرين أنه في حين أن أوكرانيا ربما لا تزال تمتلك الخبرة التقنية والعلمية الكافية لإطلاق برنامج أسلحة نووية، فإنها تفتقر إلى موقع اختبار نووي، مما يجعل تطوير الأسلحة النووية أكثر صعوبة، إضافة إلى أنها تفتقد أجزاء رئيسية من دورة الوقود النووي الكاملة اللازمة لصنع أسلحة نووية، مثل مرافق تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم وإنتاج الرؤوس الحربية.
وترى أن بناء هذه القدرة يمكن أن يتم في غضون من 5 إلى 7 سنوات، إلا أن الأمر سيحتاج أموالاً واستثمارات كبيرة.
ولكن رغم المشكلات الفنية فإنه يمكن القول إنه من الناحية التكنولوجية تحديداً قد تكون أوكرانيا أكثر قدرة على برنامج إنتاج أسلحة نووية من أغلب دول العالم، وأنها في وضع أفضل مما كان عليه بلد مثل باكستان وكوريا الشمالية، اللذين استطاعا امتلاك أسلحة نووية بالفعل.
فالعائق الأكبر أمام الأسلحة النووية الأوكرانية سياسي بدءاً من إمكانية اعتراض الولايات المتحدة نفسها وهي التي ترفض امتلاك حلفائها المقربين مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية هذه الأسلحة.
ولكن حتى لو تقبّل الغرب الفكرة بعد الأزمة الحالية، فإن روسيا لن تسمح بالمضي قدماً في هذا الأمر بأي شكل، ولأنها عملية سوف تستغرق سنوات فإن موسكو قادرة خلال هذه الفترة على التدخل عسكرياً لمنع كييف من تنفيذ هدفها.
المشكلة ليست تقنية بل في أوكرانيا هي نفسها
المشكلة في أوكرانيا نفسها وتمزقها السياسي والاجتماعي، فهي دولة مخترقة من الغرب من ناحية ومازال هناك نفوذ روسي كبير بها من ناحية أخرى، وحتى ولو كان متوارياً، حيث يمثل ذوو الأصول الروسية نحو 17% من سكان البلاد، كما يشكل المتحدثون بالروسية نحو ثلث سكان البلاد، وهذا يعني صعوبة أن يتم تطوير برنامج نووي عسكري سري دون أن تعرف روسيا.
فدولة مثل كوريا الشمالية التي استطاعت إنتاج أسلحة نووية أو إيران التي كادت توشك لفترة على ذلك، لديهما نظام حاكم ذو طبيعة أمنية مغلقة مكنتهما من توفير الظروف المناسبة للوصول لمثل هذه المرحلة.
وحتى باكستان، التي قد لا تقل كثيراً في فوضاها السياسية والاجتماعية عن أوكرانيا، لديها في المقابل، جيش قوي مشهور بانضباطه وروحه القومية المعادية للهند، وأجهزة استخباراتها معروفة بدهائها وجرأتها، وكذلك هنالك موقف شعبي موحد ضد الهند إضافة إلى الدعم الصيني، الأمر الذي مكّنها من إنتاج قنبلة ذرية رغم القيود الدولية والظروف السياسية والاقتصادية.
أما أوكرانيا فكما دفعت من أراضيها ثمن اهتراء نظامها السياسي والاجتماعي، فإن هذا النظام غير قادر على توفير حاضنة لإنتاج الأسلحة النووية الأوكرانية.
فعكس كثير من دول العالم، معضلة تصنيع الأسلحة النووية ليست لدى علماء أوكرانيا بل لدى جيشها ورجال استخباراتها والأهم لدى سياسيها.
ويعد تصريح الرئيس الأوكراني أبرز دليل على ذلك، فهل هناك دولة تريد فعلاً تطوير أسلحة نووية تقول ذلك على الملأ، وتعطي عدوها فرصة لتشويه سمعتها كما فعل بوتين بعد تصريح الرئيس الأوكراني؟
كييف تزعم أنها يمكن أن تحصل على قنبلة ذرية في حال عدم تلقيها الحماية الغربية من روسيا.
صرح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بأن بلاده سيكون لها كل الحق في أن تصبح قوة نووية، مستشهدا بوثيقة وقعتها الدول الكبرى عندما وافقت كييف على التخلص من الأسلحة النووية الموروثة من الاتحاد السوفيتي مقابل ضمانات أمنية.
1) ما دلالات كل هذا الحديث عن حيازة أوكرانيا لأسلحة نووية؟
يوم السبت، أعلن زيلينسكي عن إمكانية حصول أوكرانيا على أسلحة نووية. وخلال مشاركته في مؤتمر ميونخ للأمن اشتكى الرئيس الأوكراني من أن الأطراف الموقعة على مذكرة بودابست لا ترغب في إجراء مشاورات إضافية حول انتهاك روسيا المزعوم لهذه الاتفاقية. وحذر قائلا: “إذا لم تحدث [المشاورات] مرة أخرى أو إذا كانت نتائجها لا تضمن الأمن لبلدنا، سيكون لأوكرانيا كل الحق في الاعتقاد بأن مذكرة بودابست لا تعمل وأن جميع القرارات لعام 1994 والتي يجب تنفيذها بالجملة باتت موضع شك”.
أما الوثيقة التي أشار إليها فتم توقيعها عندما وافقت أوكرانيا على التخلي عن أسلحتها النووية. تدعي كييف أن روسيا انتهكت الاتفاقية في عام 2014 وأن الموقعين الآخرين يتحملون المسؤولية الأخلاقية عن ذلك على أقل التقدير.
2) ما هي الأسلحة النووية الأوكرانية؟
لفترة قصيرة من تاريخها كانت أوكرانيا قوة نووية حيث كانت ترسانتها النووية جزءاً من إرث كييف وأصبح في أيديها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي ذلك الحين وقعت بيلاروس وكازاخستان المستقلتان المشكلتان حديثا في موقف مماثل إذ كانت الأسلحة الاستراتيجية السوفيتية منشورة على أراضيهما قبل انهيار الاتحاد.
حينذاك كانت أوكرانيا ثالث أكبر قوة نووية من الناحية التقنية، وهي حقيقة تاريخية ذكرها زيلينسكي في كلمته في المؤتمر. وكان على أراضيها أكثر من مئة صاروخ باليستي عابر للقارات من نوع UR-100N بالإضافة إلى قرابة 50 قطاراً نووياً من طراز RT-23 Molodets وأسطول من القاذفات الاستراتيجية المزودة بالأسلحة النووية. في المجموع كانت أوكرانيا قد نشرت أو خزنت حوالي 1700 رأس نووي، لكن في الواقع ظلت موسكو مسيطرة عليها جميعاً.
بطبيعة الحال حرصت الدول الغربية على التخلص من المخزون الخطير وجعل روسيا الدولة الوحيدة الوريثة للاتحاد السوفيتي القادرة على الردع النووي. ومهما كان، لم تلق أصوات السياسيين الواقعيين المدافعين عن أوكرانيا النووية آذانا صاغية.
3) ما هي مذكرة بودابست؟
وافقت أوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان على تفكيك ترساناتها النووية والتوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT) والتي تسمح فقط لخمس دول في العالم بحيازة الأسلحة النووية، هي الصين وفرنسا وروسيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة. ومذكرة بودابست الخاصة بالضمانات الأمنية هي عبارة عن ثلاث وثائق متطابقة المضمون لا تختلف في عناوينها إلا أسماء البلدان، وقعتها الدول المنزوعة السلاح بالإضافة إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا.
توضح الوثيقة التي وقعتها كييف كيف تأخذ الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا على عاتقها عدة التزامات تجاه أوكرانيا، بما فيها الالتزامات المتعلقة بـ “استقلالها وسيادتها” و”الحدود الحالية” للبلاد.
كما تعهدت الدول الثلاث بعدم استخدام التهديد بالقوة العسكرية أو بالإكراه الاقتصادي ضد أوكرانيا واستخدام نفوذها في مجلس الأمن الدولي للدفاع عنها “في حال أصبحت أوكرانيا ضحية لعمل عدواني أو عرضة للتهديد بعدوان تستخدم فيه الأسلحة النووية”.
تصر كييف منذ عام 2014 على أن روسيا انتهكت الاتفاق عندما عادت شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا إلى روسيا.
بينما تنفي موسكو ذلك، وتقول إن سكان القرم مارسوا حقهم في تقرير المصير بموجب ميثاق الأمم المتحدة عندما صوتوا لصالح الانفصال عن أوكرانيا والعودة إلى أحضان روسيا. وحسب روسيا إن الصراع في منطقة دونباس حرب أهلية شنتها كييف ضد المناطق الانفصالية وليس صراعاً دولياً.
4) هل فشل الغرب في الدفاع عن أوكرانيا؟
يبالغ بعض السياسيين في تقدير الالتزامات التي قطعتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بموجب مذكرة بودابست، حيث زعمت رئيسة الوزراء السابقة لأوكرانيا يوليا تيموشينكو في عام 2014 أنه “بإعلانها (روسيا) الحرب (على أوكرانيا) أعلنت الحرب أيضا ضد ضامني أمننا، أي الولايات المتحدة وبريطانيا”.
ويشير علماء القانون إلى أن المذكرة لا تلزم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بالدفاع عن أوكرانيا ضد معتد أجنبي. إنها تمنحهما فقط مبرراً إضافياً إذا اختارتا التدخل عسكرياً. بمعنى آخر، إنها تأكيد أمني وليست ضماناً أمنياً على عكس التزام أعضاء حلف الناتو بالدفاع المشترك أو التزام الولايات المتحدة بالدفاع عن اليابان، على سبيل المثال.
5) هل ستصبح أوكرانيا دولة نووية الآن؟
قانونيا يمكن القول أن لا شيء يمنع أوكرانيا من الانسحاب من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وتطوير أسلحتها النووية. إن كوريا الشمالية تمضي بنجاح في هذا المسار رغم كل الجهود الدولية لإيقاف بيونغ يانغ.
هناك أمثلة أخرى مثل الهند وباكستان اللتين طورتا أسلحتهما النووية لردع بعضهما البعض، وكذلك إسرائيل التي تحافظ على استراتيجيتها في الغموض حول ترسانتها النووية التي تمتلكها حسب الرأي السائد.
ولكن إمكانيات كييف التقنية لإنشاء سلاح نووي أمر آخر. لدى أوكرانيا صناعة نووية مدنية متطورة وعندها بعض المفاعلات القديمة في محطاتها الكهربائية والتي أنشئت في زمن الاتحاد السوفييتي وكذلك الأمر بالنسبة لمراكز البحوث النووية. كما أنها ورثت صناعات طيران وفضاء متطورة جدا قادرة على صنع صواريخ بالستية عابرة للقارات وغيرها من وسائل التوصيل.
ومن جهة أخرى لم تكن لدى أوكرانيا أبدا مرافق لتخصيب اليورانيوم أو لإعادة معالجة البلوتونيوم المطلوبة لإنتاج المواد الصالحة لصنع السلاح النووي. ولم تكن ثمة مصانع لصنع الأسلحة النووية الحقيقية على أراضيها.
وكانت تقوم بعمليات استخراج اليورانيوم منذ الخمسينيات من القرن الماضي، ولكن الإنتاج قد انخفض كثيرا خلال الأعوام الأخيرة. فالمناجم تحتاج إلى استثمارات كبيرة.
بعض المسؤولين الأوكرانيين مثل الجنرال المتقاعد بيترو هاراشّوك، يؤكدون على أن أوكرانيا ما تزال تحتفظ بخبرات تقنية كافية لتتمكن من الحصول على نطاق كامل من الأسلحة النووية ومنظومات التوصيل. وهذا يمكن أن يكون حقيقة، حسب ما قاله الخبير لقناة RT.
وقال إيليا كرامنيك الباحث في مركز أمريكا الشمالية للدراسات التابع لمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية لقناة RT: “تقنيا يوجد في أوكرانيا صناعةٌ تسمح بعد إدخال بعض التعديلات عليها بصناعة منظومات الأسلحة النووية”.
ولكن الأهم من ذلك أنه لن يكون بإمكان كييف أن تفعل ذلك سرا، فعلى الأقل ستكون بحاجة إلى إجراء اختبارات للتأكد من أن تصميماتها تعمل فعلا. كما أن الأجزاء الأخرى من البرنامج الناجح لصناعة الأسلحة النووية سيكون قابلاً للكشف من قبل الدول الغربية وروسيا على حد سواء. ولا شك بأن موسكو ستتعامل مع تهديد أن تصبح أوكرانيا دولة نووية كما تتعامل إسرائيل مع احتمال أن تصبح إيران نووية.
وإذا صرحت كييف علنا عن نيتها بإعادة إنشاء قدراتها النووية، فلن تكون على الأغلب قادرة على جذب أنصارها الغربيين إلى هذه الخطة. وقال كرامنيك: “أنا مقتنع شخصيا بأنه لن تقوم ولا أية دولة نووية واحدة بمساعدة أوكرانيا على المضي في هذا المسار”.
”وذلك ببساطة لأن لا أحد يريد أن يتعامل مع ما سيظهر من مشاكل لا مفر منها، متى أصبح معروفا حقا أن أوكرانيا تطور أسلحة نووية”.
وبدلا من الاستمرار في تقديم الرعاية والمساعدة، ستعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها ضد أوكرانيا، من خلال احتمال فرض عقوبات اقتصادية. فالوضع الاقتصادي الحالي لأوكرانيا واعتماد حكومتها على المساعدة الأجنبية يجعلان فرص كييف لتقوم بما قامت به بيونغ يانغ ضئيلة جدا.
6) إن كان الاقتراح غير واقعي فلم تطرق الرئيس إليه؟
لا يبدو الأمر مستجداً، فكما قيل سابقا، هذه الفكرة مطروحة في أوكرانيا منذ سنوات، بما في ذلك مؤخرا من قبل السفير الأوكراني في ألمانيا أندريه ميلنيك.
ويمكن الافتراض أن المواطنين في كييف يعرفون كل العقبات التي ستواجههم في حال أصبحت أوكرانيا منبوذة بسبب الأسلحة النووية، بما في ذلك من قبل الدول التي تعتبر اليوم مؤيدا نشطا ومتبرعا ماليا ضخما لأوكرانيا.
إحدى التفسيرات المحتملة قد جاءت على لسان الرئيس زيلنسكي نفسه في ميونخ.
فقد قال خلال حلقة النقاش بعد الكلمات: “أعطونا أموالا غير مشروطة. لماذا كلما يمنحوننا هذا المبلغ أو ذاك (يقولون) يجب إجراء إصلاح واحد او اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو سبعة أو ثمانية أو عشرة؟
وأضاف زيلينسكي: “أنظروا هناك حرب أيضا. هل توجد أية دولة في العالم لديها مثل هذا الجيش القوي في الشرق وتجري الإصلاحات؟ هذا أمر ليس بالسهل”.
وبهذا الشكل، وبالأخذ بالحسبان كل الظروف، فإن طموحات أوكرانيا النووية، كغيرها من الأفكار المشحونة عاطفيا والتي صرحت بها سابقا، قد لا تكون إلا جزءا من حملة إثارة الاهتمام، لا خارطة طريق واقعية. ومع ذلك، هذا لن يغير حقيقة أن أخطار الانتشار المحتملة للأسلحة النووية يعتبرها الكثيرون قضيةً تثير قلقا أقصى.
هذا اللذي حرك الجمود, والوقت وقت الجدية لا براعة التمثيل والاعلام ؟؟؟؟؟؟؟؟؟ ألمح الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي في كلمة ألقاها أمس في مؤتمر ميونخ، إلى إمكانية استعادة الوضع النووي لأوكرانيا (أو الحصول عليه).
بالقول إنه من الضروري عقد اجتماع للدول المشاركة في مذكرة بودابست التي كان من المفترض أن تضمن أمن أوكرانيا مقابل تخليها عن حيازة الأسلحة النووية.
وأضاف أن كييف تتقدم بهذا المقترح للمرة الرابعة والأخيرة. وفي حال عدم إجراء المفاوضات قد تعيد أوكرانيا النظر في قرار التخلي عن الأسلحة النووية.
إن تصريحات زيلينسكي مثيرة للدهشة. صحيح أن التصريحات المتكررة بشأن الوضع النووي تصدر في أوكرانيا منذ فترة طويلة وحتى وردت قبل عام 2014 بوقت طويل. ولكن على لسان مَن؟ كانت ترد في السابق على لسان خبراء وسياسيين متطرفين مثل زعيم حزب “سفوبودا” (الحرية) المؤيد للنازية أوليغ تياغنيبوك، لكن تصريحات كهذه تأتي لأول مرة على لسان شخص يتولى السلطة العليا في الدولة وهو أمر ينطوي على تحمل درجة ما من المسؤولية.
وهذه القضية لها وجهان، والوجه الأول هو اقتصادي تقني والآخر سياسي.
من الناحية السياسية، سيكون من الصعب جدا بالنسبة لأوكرانيا إن لم يكن مستحيلا، ترجمة فكرة صنع الأسلحة النووية على أرض الواقع. تجدر الإشارة إلى أن القيادة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي كانت تؤيد فكرة نقل الأسلحة النووية الموجودة في كازاخستان وبيلاروس وأوكرانيا إلى أراضي روسيا، أكثر من قيادة روسيا نفسها.
وبهذا المعنى فإنه من الواضح أن موقف الغرب (خاصة أوروبا) لم يتغير. فإنهم ليسوا متحمسين لتوسيع قائمة أعضاء النادي النووي. وبلا شك، لن يكونوا سعداء حين سيعلمون نوايا كييف هذه، إدراكا منهم لضعف المستوى الفكري والصفات الأخلاقية التي يتمتع بها الإداريون المحليون.
من شبه المؤكد أن أوكرانيا المعتمدة على أموال الغرب، ستُحرم على الفور من التمويل الخارجي إذا حاولت إنتاج السلاح النووي أو إذا انسحبت من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. فبدلاً من الادعاء السخيف القائل إن “العالم كله معنا” ستواجه كييف فرض عقوبات حقيقية وستتلقى وصمة دولة منبوذة. حتى أكثر من ذلك، أعتقد أنه لن يكون من الصعب على الغرب أن يستبدل السلطة في كييف إلى سلطة أكثر خضوعا له. ومن شبه المستحيل تخيل أن تنتفض النخب الأوكرانية المتألفة من اللصوص والمتسمة بحملها للعقلية الاستعمارية في حال التعبئة كما يكون الحال مثلا في إيران أو كوريا الشمالية.
وبالتالي، لا نستبعد إمكانية اختيار أوكرانيا للمسار النووي، ولكن من الناحية السياسية سيكون اتباعه صعبا للغاية.
أما الجانب الاقتصادي التقني من القضية فحالته ليست سهلة أيضا. كان قد عمل في حقبة الاتحاد السوفييتي أكبر مصنع صواريخ في البلاد “يوجماش” في مدينة دنيبروبيتروفسك الذي أنتجت فيه على وجه الخصوص منظومة الصواريخ الثقيلةR-36M (RS-20A) Satan (الشيطان). ولا يزال المصنع قيد التشغيل حاليا.
كما تعمل في أوكرانيا بعض المصانع المشابهة وبينها المصنع الميكانيكي في مدينة بافلوغراد المتخصص في إنتاج محركات الوقود الصلب والصواريخ والوقود نفسه، ومؤسسة “خارترون” (مصنع “إلكتروبريبور” سابقا) التي كان تخصصها، العمل على تطوير وتصنيع أنظمة التحكم الآلي بالصواريخ والمعدات الفضائية.
ويجب أن نعي أن عددًا كبيرًا من مكونات هذه المنظومة الصاروخية لم يتم إنتاجها في أوكرانيا. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستستطيع أوكرانيا إنشاء دورة مغلقة لإنتاج وسائل التوصيل وتحمل نفقات هذا المشروع ماليًا وفكريًا؟ إنها مسألة تثير تساؤلات كثيرة.
على سبيل المثال، ظلت أوكرانيا تعمل على إتمام إنتاج صاروخ “نبتون” المضاد للسفن طوال سبع سنوات رغم توفر الوثائق اللازمة والنسخ التجريبية للصاروخ المجنح السوفيتي Х-35 لديها. في عام 2020 دخل الصاروخ حيز الخدمة، لكن كل المشاكل التي عانى منها لم ينجح الجانب الأوكراني في معالجتها ولا تزال قائمة كما يُقال. وهذا الصاروخ هو صاروخ مجنح صغير دون سرعة الصوت وليس صاروخا باليستيا عابرا للقارات وهذا النوع من الصواريخ يحل في مستوى مختلف تمامًا من حيث التعقيد التقني وسعر الإنتاج.
بالمناسبة، نضرب مثالا آخر. على الرغم من التصريحات المتكررة من السلطات الأوكرانية بأن أوكرانيا في حالة حرب مع روسيا، لم تبن في أوكرانيا أي مصنع خراطيش خلال 8 سنوات لأن المصنع الأوكراني الوحيد المتخصص في إنتاجها يقع في لوغانسك. وذلك رغم أن الأمر لا يحتاج إلى استثمارات مالية كبيرة، وبالتأكيد هي لا تُقارن بالتكاليف المطلوبة لتطوير منظومة صواريخ عابرة للقارات.
ولكن نظريا، من المحتمل أن أوكرانيا لا تزال قادرة على إنتاج وسائل التوصيل حيث نجحت كوريا الشمالية في صنعها استنادا، كما يقولون، إلى التقنيات السوفيتية التي باعها الأوكرانيون للكوريين.
أما وسائل التوصيل فليست سوى جانب واحد من المسألة. والجانب الآخر يشمل الرؤوس النووية التي يتطلب إنتاجها توفر اليورانيوم أو البلوتونيوم المخصب الصالح لصنع الأسلحة النووية.
واليورانيوم كان ولا يزال يستخرج في أوكرانيا بواسطة “مجمع الاستخراج والتعدين الشرقي” في منطقتي كيروفوغراد ودنيبروبيتروفسك. وتعتبر احتياطيات موقع “نوفوكونسنتينوفسكويه” في أوكرانيا الأكبر في أوروبا، كما تدخل ضمن قائمة الاحتياطيات العشرة الأكبر في العالم، وتقدر بنحو 76 ألف طن ما يكفي لاستخراج 70 ألف طن من الناحية الفنية.
ومع ذلك، رغم امتلاك أوكرانيا لاحتياطيات كبيرة من خام اليورانيوم لا تدخل البلاد ضمن الدول القادرة على تخصيب اليورانيوم بشكل مستقل وحتى إنتاج الوقود النووي، الأمر الذي يتطلب مستوى أقل بكثير من التخصيب مقارنة بإنتاج اليورانيوم الصالح لصنع الأسلحة. يُنتج في مصنع معالجة المعادن باستخدام المحاليل المائية في مدينة “جولتيه فودي” مسحوق أكسيد اليورانيوم المركز من خام اليورانيوم، أي “الكعكة الصفراء” وهي مادة لإنتاج اليورانيوم 235. وهذا كل شيء.
علاوة على ذلك، لم تكن هناك مؤسسات تخصيب اليورانيوم حتى في جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية. ومن أجل تحقيق مساعيها لإنتاج الأسلحة النووية سيتعين بالفعل على أوكرانيا إنشاء الصناعة الكاملة من نقطة الصفر، الأمر الذي لا يمكن إنجازه في خمس دقائق، ولا بد من إنفاق مبالغ ضخمة وهو ما يثير المزيد من التساؤلات نظرا إلى أن العائدات في الميزانية الأوكرانية فائقة المركزية تقدر الآن بأكثر بقليل من 40 مليار دولار. وذلك بالطبع إن كان بمقدور المهندسين الأوكرانيين ترجمة المعرفة النظرية حول أجهزة الطرد المركزي الغازية إلى الواقع.
إذن، فإن تصريحات زيلينسكي حول إمكانية حصول أوكرانيا على الوضع النووي تبدو وكأنها مخادعة تسعى السلطات الأوكرانية توظيفها لابتزاز الغرب وفي نفس الوقت التلاعب بمشاعر القسم المتشدد وذي النزعة القومية المتطرفة من ناخبيها والتي قرر رئيس البلاد الاعتماد عليه.
ويدرك الغرب على الأرجح أنها مخادعة لأن كل شيء جلي جدًا وساذج ويتسم بالطابع الطفولي.
ولكن إذا قررت كييف المضي في مسار صنع الأسلحة النووية، فيجب أن يكون الرد على مثل هذه المحاولات أشد ما يمكن فلا ينبغي أن تكون هناك حتى فرصة ضئيلة لوقوع الأسلحة النووية في أيدي الأشخاص غير العقلانيين الذين يعتبرون أنفسهم مناهضين لروسيا ويصفون روسيا بلا خجل بأنها عدو لدولتهم.