19 ديسمبر، 2024 5:38 ص

مادام العرس الرابع على الأبواب

مادام العرس الرابع على الأبواب

بحلول عام 2003 وسقوط الصنم، خال العراقيون أن بسقوطه ستسقط كل الأقنعة التي صنعها، وروج لعرسها باللباس الزيتوني، وأتاح لها الانتشار في يوميات العراقيين وتفاصيل حياتهم الخاصة والعامة، بعد أن أسكنها مقرات في أصغر أروقة المدن العراقية وأزقتها، حتى استحالت حياة المواطنين -وهم في وطنهم- الى واحد من خيارين، أما لباس القبر او لباس السجن، ومن سلم من هذين اللباسين فأمامه خيار ثالث هو لباس السفر والتغرب والنفاذ بجلده. فما أحوج العراقيين اليوم الى الفرحة، وماأحوجهم الى من يرسم البسمة على شفاههم، بعد عقود ارتسمت فيها على وجوههم دموع الخوف والتهجير والتفجير والحرمان والاضطهاد، بعيدين عن الأفراح، قريبين من الأتراح، يلوح لهم شبح الموت في كل ركن من أركان حياتهم، وفي كل زاوية من زوايا بيوتهم، بعد أن نشر الطاغية أذرعه البعثية في أرجاء البلد كلها. كما لم يفته استخدام وسائل القمع جميعها، وأولها الرصاص كأصغر أداة للرعب، وأقرب طريق للموت. وكان له هذا بعد أن ابتدع أسبابا كثيرة لنشر قطع السلاح بين أزلامه، فصارت البندقية في بيت كل مؤيد ونصير، والمسدس يزين حزام كل رفيق، يجوبون بهما بكل خيلاء في مؤسسات البلد وشوارع المدن وحتى بيوتها، بعد أن أجاز لهم سيدهم إدخال الموت المجاني اليها، بسبب أو من دونه، لشيء أو لالشيء.

وفي كل الأحوال، من المفترض أن يكون العراقيون اليوم في حل عن كل مامضى من عقود وتبعاتها، فقد تمزق اللباس الزيتوني بلا رجعة، ولم يعد الجلاد يمسك السوط بكلتا يديه ويضرب كخبط عشواء. لكن، هناك خصلة على العراقيين إيلاؤها أولوية في حياتهم، وعليهم وضعها نصب أعينهم في علاقات بعضهم ببعض، وعليهم أيضا أن يدخلوها في حساباتهم وتعاملاتهم اليومية، في البيت والشارع والمؤسسة، تلك الخصلة هي أن العراق عراقهم أرضا وسماءً وماءً، هو ليس عراق الملك فيصل ولا غازي ولا فيصل الثاني ولا قاسم ولا العارفَين ولا البكر ولا صدام ولا المالكي ولا العبادي، هو عراق الأجيال جميعها. أما هؤلاء فموظفون يؤدون ما منوط بهم من مهام ويرحلون، ومنهم من رحل بخزي وعار، ومنهم من رحل أبيض الكفين سليم السمعة، وما اختلافهم إلا بطريقة الرحيل، فمنهم من رحل قتلا ومنهم من رحل غدرا ومنهم من رحل قهرا، ومنهم من رحل إعداما، ومنهم من ينتظر..!

فالعراق إذن، عراقنا نحن أبناؤه الحقيقيون، وعلينا أن نكون بناته الفاعلين وحماته الذائدين، ولن يتحقق هذا إلا إذا وضعنا أكفنا معا، في السراء والضراء، في العسر وحين الميسرة. أما الضراء فقد خبرناها وعشنا -ومازلنا نعيش- مرارتها، وأما السراء فأيامها هي تلك التي يسجل فيها أبناء البلد المخلصين مايبهج القلوب، ويبعث الأمل في استعادة العراق مكانته بين البلدان والأمم في مجالات الحياة، ومن المؤكد أن هذا لن يتحقق مالم يرفل العراقيون بنعمة السيادة التامة والاستقلال التام على أراضيهم كافة، بعد أن بددتها أخطاء خونة مارقين سبق لهم أن باعوا الأوطان بأبخس الأثمان. فهل يكون هذا درسا لقادم الأيام لمعرفة الصالح من الطالح والجيد من السيئ، والشريف من عكسه؟ وهل استوعب العراقيون الدرس بالكامل، لضمان عدم تكرار السيناريوهات التي مررها عليهم من انتخبوهم في أعراس انتخابية مرات ثلاث؟ وأظن العرس الرابع بات قريبا، وعلى الناخبين وضع أخطائهم السابقة نصب أعينهم، وانتقاء المرشح وفق وحدات قياس جديدة، غير تلك التي اتبعوها، لاسيما وقد أثبتت فشلها وعدم جدواها، في الإتيان بالنافع والناجع من الحلول، والصالح والناجح من الشخوص.

[email protected]

أحدث المقالات

أحدث المقالات