17 نوفمبر، 2024 10:40 م
Search
Close this search box.

مادامت النفوس هادئة … الشعائر الحسينية بين الدين والعقل

مادامت النفوس هادئة … الشعائر الحسينية بين الدين والعقل

لاشك في ان الامام الحسين عليه السلام يمثل محطة انسانية ودينية وتاريخية نادرة وسيبقى كذلك على مر العصور حتى يرث الله الارض ومن عليها فلا يمكن نسيان من جسد الانسانية بابهى صورها برفضه الحياة بذل وهوان رافعا شعار (هيهات منا الذلة) واختار الكرامة والشرف والعزة والخلود بالشهادة فقدم نفسه رمزا للمبادىء والتمسك بها وعدم الخضوع للمساومات والمصالح القبلية والحزبية والفئوية الضيقة وهو الذي جسد الاسلام باصدق صورة فقد كان مصداقا ناصعا للاية الكريمة { وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } الأحقاف113 راغبا بذلك حرا مختارا فخرج على الظالمين رافضا ظلمهم للناس واستهتارهم بالقيم واستحواذهم على الثروات وتعديهم على الحرمات وكذلك ولم يقبل مهادنة الدكتاتورية الدموية الفاسدة المفسدة وهو القائل (لا ارى الحياة مع الظالمين الا برما ولا ارى الموت الا سعادة ).
وكان خروج الامام الحسين في محرم من عام 61 هجرية من الحجاز الى العراق في زمن الملك الاموي يزيد بن معاوية بن ابي سفيان لطلب الاصلاح في الامة بعد ان استشرى فيها الفساد العقيدي والفقهي والفكري والاداري والمالي والاخلاقي والمهني حيث ابعد المخلصون والاتقياء وتغيرت اسس اختيار الحاكم من النص او الشورى او المبايعة الى فرضه بقوة السيف على الرقاب وانحرف الحكام عن السلوك الاسلامي فرفع الامام رايته محاربا ذلك الفساد لغرض اعادة القيم الاسلامية الاصيلة واشاعة روح النزاهة والاخلاص والاخلاق والكفاءة والكرامة وحقوق الانسان وانصاف المظلومين وحماية المال العام وبناء الدولة على وفق المواطنة الاسلامية ،التي تضمن لغير المسلمين حقوقهم، والاسس الصحيحة لبناء الدولة بعيدا عن القبلية والحزبية وسيبقى قوله (ما خرجت اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما انما خرجت لطلب الاصلاح) راية صالحة ان يرفعها كل الثوار والمصلحين في العالم .                                         
       ونظرا لتعلق طائفة من المسلمين بالامام الحسين عليه السلام ولتوجيهات دينية ودوافع عاطفية ووفاءا لدوره في خدمة الاسلام والمسلمين فقد اقاموا المجالس لاحياء ذكراه الاليمة وارتبطت هذه المجالس في اذهانهم بالقضية الحسينية حتى صارت جزءا لايتجزء من الشعائر التي تؤدى بهذه المناسبة. وبسبب الظلم الذي عانى منه اتباع اهل البيت من قبل الحكومات الدكتاتورية التي حكمت العرب والمسلمين واشتداد الصراع بين المذاهب في بعض الفترات ودخول اقوام متعددة ومختلفة حضاريا وثقافيا الى الاسلام فقد دخلت الى شيعة اهل البيت بعض الممارسات التي لاتمت الى الاسلام بصلة ومع ذلك فقد تنوعت وتوسعت على مر السنين وترسخت في الاذهان وصارت من الشعائر الثابتة حتى وصلت الينا باشكالها الحالية ومنها اللطم الاستعراضي والضرب بالزناجيل الحديدية والتطبير والمشي على النار والدوران حولها ، ولو كان الامام الحسين والائمة من ولده عليهم السلام احياءا لكانوا اول من يحارب هذه الممارسات.
وحيث ان الامام الحسين عليه السلام صار تقديسا فوق النقد فان مايرتبط به سواء كان بشكل صحيح او خطأ صار فوق النقد والدراسة ايضا اذ ان الكثير من المعممين ،خطباء او علماء، يغذون الناس بمنع التقرب من هذه الـ (الشعائر الحسينية)- ويقصدون حتى الممارسات اللطمية التطبيرية – بالدراسة والنقد لانها مقدسة وتمس عقيدة الملايين من اهلنا الشيعة ويصورون لهم بان التقرب منها يمس اهل البيت عليهم السلام. وهكذا نالت هذه الممارسات الكثير من التقديس الى حد صرنا لا نستطيع مسها بشيء من الحديث الاستنكاري ولا طرح الاسئلة المتعلقة بشرعيتها وصحتها وانتمائها الى الاسلام واهل البيت الكرام.
وخوفا وحذرا من هذا التوجيه الذي يؤدي الى تزمت المعممين والعوام الذين يتبعونهم في السلوك تجاه من يحاول التفكير في مشروعية وصحة بعض الشعائر الحسينية وبالذات الممارسات اللطمية التطبيرية فقد عزف الكثيرون وانا منهم عن التطرق الى هذه المواضيع التي تمتاز بالحساسية والخطورة في ذات الوقت.
ولكن من جهة اخرى فان الاية الكريمة { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } آل عمران/104 وايات اخرى بنفس المعنى وكذلك الحديث النبوي الشريف (اذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه ومن لم يفعل فعليه لعنة الله) والاحاديث التالية واخرى مثلها :
– لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ، أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم
– اياكم ومحدثات الامور فان كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
– عليكم بالسنة فعمل قليل في سنة خير من عمل كثير في بدعة
وعن الامام علي عليه السلام :- من مشى الى صاحب بدعة فوقره فقد سعى في هدم الاسلام.
وعن الصادقين عليهما السلام :اذا ظهرت البدع فعلى العالم ان يظهر علمه فان لم يفعل سلب نور الايمان .
ويصطف مع ماذكرناه حبنا للامام الحسين عليه السلام ثم بعد ذلك رغبتنا في تنزيه قضيته وثورته ورسالته مما يشوبها من ممارسات نعتقد بانها خاطئة كل ذلك يدفعنا بقوة للعمل بالتكليف الشرعي والخوض في مواضيع عديدة دخلت في الدين وصارت جزءا منه وهي في الاصل ليست كذلك ومنها موضوعنا الذي نطرحه بمستوى يلتقي عنده طلبة العلوم الدينية والمثقفون ومن يهمهم الامر .
منهج الحوار
ان القاعدة التي استند عليها في التفكير والطرح والحوار هي ببساطة الاية القرانية (قل هاتو برهانكم ان كنتم صادقين ) البقرة /111) والحديث الشريف (نحن اهل الدليل نميل حيث يميل) وليس الهوى المنهي عنه شرعا كما في قوله تعالى (يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب / ص- اية 26) وقوله (واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى / النازعات- اية 40) وعلى هذا الاساس اقدم هذه المقالة واتقبل اي رد ضمن نفس الاطار.
تقسيم الشعائر الحسنية
ولابد لنا توضيحا للمطلوب من الحوار ان نقسم الشعائر الحسينية السائدة حاليا كما يلي :
اولا : المحاضرات والخطب والندوات والمسيرات الحزينة وتمثيل الواقعة (التشابيه) والتربيت على الصدور – انفعالا وتاثرا بالاحداث الماساوية – المصحوبة بقراءات تخص المناسبة وتتناول فاجعة كربلاء وتبين للناس مكانة الامام الحسين عليه السلام ودوره في بعث الكرامة وروح الثورة على الظالمين في نفوس المجتمع الاسلامي بعد ان سيطر المنحرفون على مقاليد الامور ورضخ لهم اكثر المسلمين وتتطرق كذلك الى هول المصيبة والجريمة التي ارتكبها النظام الاموي حيث قتل الاخلاق والمبادىء والقيم بقتله الامام الحسين ولطخوا جبين الانسانية ببقعة سوداء لاتزول .
ويمكن ان نضيف لها تاليف ونشر الكتب والمقالات وعرض المسرحيات وتقديم البرامج التلفزيونية والاذاعية المتنوعة التي تدخل ضمن نفس السياق .
وهذه الشعائر هي التي ارادها اهل البيت بالقول الوارد عنهم ( احيوا امرنا ) ، قال الامام الرضا (ع) ( رحم الله من احيا امرنا …… يا بن رسول الله كيف يحيى امركم؟ فقال الامام الرضا (ع) يتعلم علومنا ويعلمها الناس / الوسائل ج27 ص92 ح33297) فهي توافق الشريعة الاسلامية وتبين سلامة منهج اتباع (بكسر الهمزة وتشديد التاء) اهل البيت ولا تتعارض مع العقل السليم المستند الى الشريعة السمحاء في مبانيه واسلوبه حيث تتناول هذه الشعائر المناسبة الاليمة بتذكرها بمظاهر الحزن والالم والشجاعة مع بيان الدروس والعبر المستقاة من مواقف الامام الحسين صاحب المصيبة – ومعه اهل بيته واصحابه – الذي يريد منا ان نفهمه عبرة وعبرة (بكسر العين في الاولى وفتحها في الثانية). ولا يفوتني ان اذكر بان النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم قد بكى على الامام الحسين في حادثة معروفة مشهورة مذكورة في كتب التاريخ والحديث اي ان السنة النبوية وسيرة اهل البيت لم تنتقد البكاء عليه وتذكر مصيبته واحيائها بالطريقة الشرعية الصحيحة.
ثانيا :الخطب والمحاضرات والندوات والمسيرات التي تتهم الاخرين جميعا بقتل الامام الحسين وتستغل تعلق البسطاء وحبهم المطلق للامام الحسين فتحشدهم بمظاهر دوافعها اما سياسية لخدمة اطراف معينة او عدائية عنادية لبيان كثرة الشيعة وقوتهم واستعدادهم للتضحية بانفسهم من اجل حب الامام الحسين لاهداف اخرى ليس الصراع بين المذاهب بعيدا عنها او شخصية باظهار القدرة على حشد الناس والتصرف بهم قياما وقعودا ولطما وضربا وصراخا وغير ذلك. وهذه الاساليب بعيدة عن الاسلام القراني ومرفوضة من السنة النبوية الشريفة ومن منهج اهل البيت الاطهار ومن يدعي العكس فعليه الدليل .
ثالثا: التطبير والزنجيل والمشي على النار والجمر باقدام حافية والدوران حولها ، فالتطبير هو ضرب الراس بالة حادة جارحة اكبر من السكين واصغر من السيف ، تسمى باللهجة العراقية (طبر) ومنها اشتق اسم هذه الممارسة ، حتى يدمي المطبر راسه ، والزنجيل هو ضرب الظهر والاكتاف بسلاسل عنقودية حديدية قد تكون حاوية على مسامير او نهايات حادة مدببة ، والمشي على النار والدوران حولها واضحة المعنى ، وهي كلها ممارسات تعتمد على العنف اساسا لها من خلال الشحن العاطفي الكبير باتجاه رفع قدرة الاشخاص على تنفيذها وذلك لصعوبة فعلها وخطورتها وعدم تقبلها من الانسان في وضعه الاعتيادي الذي يمتاز بالهدوء النفسي. وتجري جميع هذه الشعائر تحت عنوان حب الامام الحسين وباعتبار انها من شعائر الله ويشيرالباحثون الى ان اصول بعض هذه الافعال ليست اسلامية بل مسيحية كانت منتتشرة في بعض دول اوروبا في القرن الثالث عشر (التطبير والاشكالية المزمنة / باقر الرستم /دار المحجة البيضاء الطبعة الاولى 2010 / مملكة البحرين ص36) بينما اصول بعضها الاخر من الشعوب الهندية ، وان تاريخ ظهور التطبير كان في زمن الحكم الصفوي وبين الاقوام التركية ثم انتشر ووصل الى العراق عن طريق وفود الزائرين للمراقد المقدسة في كربلاء والنجف قبل ما لايزيد عن 200 عام وان كبار السن من اهل النجف وكربلاء مازالوا يروون عن ابائهم واجدادهم البدايات الاولى لهذه الطقوس وبما يثبت بانها غريبة عن الاصل العراقي (نفس المصدر ص24 – 32)
ومن الواضح ان الشعائر في الفقرة اولا خارجة عن اطار النقد ولذلك فهي ليست مقصودة في مقالتنا اما الشعائر في الفقرة ثانيا فان اصحابها ودعاتها لايجرؤون على التصريح بالغايات التي ذكرناها لانها استغلال للدين لغير ما يريده الله ولذلك فهم يقيمونها تحت شعارات اخرى مغايرة ولكن دوافعهم النفسية واغراضهم الدفينة تجري ضمن اطار الاهداف التي ذكرناها ولذلك فهي مرفوضة باهدافها مهما كانت طريقة ادائها. اما الشعائر في الفقرة ثالثا فانها بالذات التي نقصد ونعني في مقالتنا. وحيث انني اعتقد بانها لاتمت لقضية الامام الحسين وثورته بصلة ولا هي تمثل الشعائر الحسينية بصدق فانني سأسميها بالشعائر اللطمية والتطبيرية تمييزا لها عن الشعائر الحسينية الصحيحة التي ذكرناها في الفقرة اولا وكذلك لكي لا يختلط الامر على القارىء ولاندع للمغرضين فرصة يستغلونها للتشويش على اذهان الكثيرين بدعوى محاربتنا للشعائر الحسينية .
الشعائر اللطمية والدليل
الاصل في الشعائر هو ما ورد في الاية الكريمة ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ / الحج32) اي ان شعائر الله هي ما ورد بالنص القراني ولا يمكن لنا تعميمه الا على ما يريده الله تبارك وتعالى وليس على ما تريده انفسنا ولا يستند على دليل شرعي فانه الهوى الممنوع اتباعه واتخاذه سبيلا للسلوك الاسلامي وقد نهانا تعالى عن الاخذ بالهوى في عدة ايات :
(يا ايها الذين امنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على انفسكم او الوالدين والاقربين ان يكن غنيا او فقيرا فالله اولى بهما فلا تتبعوا الهوى ان تعدلوا وان تلووا او تعرضوا فان الله كان بما تعملون خبيرا / النساء- اية135)
(يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ان الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب / ص- اية26)
(واما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى / النازعات- اية40 )
فهل ان الشعائر اللطمية هي ما يريده الله واي دليل يستندون عليه لاثبات ذلك ام هي مايريده الهوى.
لقد صار من الثوابت في التفكير والاعتقاد لدى الغالبية من اهلنا الشيعة بان اللطم الاستعراضي والتطبير والضرب بالزناجيل والمشي على النار والدوران حولها هي من شعائر الله ومن تقوى القلوب وتم ترسيخ هذا الفهم من قبل الكثير من المعممين وانصاف المتثقفين واحدا عن الاخر وبشكل مسلم به من دون التحقق من صحته بالدراسة والبحث فان احدا من هؤلاء لايمتلك الجرأة على ذلك . وفصل الشعائر اللطمية عن شعائر الله هو عمل لم يفكروا فيه فضلا عن التطرق اليه او محاولة البحث في مشروعيته واثباته.
نعم ان مجالس ذكر الله ( الا بذكر الله تطمئن القلوب / الرعد 28) وحلقات الدراسة الدينية (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا اليهم لعلهم يحذرون / التوبة 122 )هي من شعائر الله وتذكر مصائب النبي وآله الاطهار وتضحياتهم في سبيل الاسلام واقامة المجالس الحسينية والحزن على ما اصابهم والبكاء عليهم (قل لا اسالكم عليه اجرا الا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا ان الله غفور شكور / الشورى 23) هي من شعائر الله وطلب العلوم المعاصرة الطبيعية والاقتصادية والرياضية والالكترونية وغيرها ( طلب العلم فريضة على كل مسلم / حديث نبوي ) التي تهدف الى خدمة الانسان هي من شعائر الله وبما لايحتاج الى مزيد توضيح لانها كلها مستندة على الادلة الشرعية في القران الكريم والسنة النبوية الشريفة التي هي المصدر الثاني للتشريع بعد القران والتي هي قول النبي وفعله وتقريره .
واذا اردنا اختبار صحة انتماء هذه الشعائر اللطمية التطبيرية الى الاسلام فعلينا ان نبحث عن آية او سنة تكون دليلا يدعو اليها ، وهو غير موجود في القران الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة ولم يستطع احد من المؤيدين لها اظهاره وكذلك لم يرد عن الائمة عليهم السلام اي اشارة او قول لشيعتهم لذكر مصيبة الامام الحسين بطريقة التطبير أو اللطم أو المشي على النار او الدوران حولها ولم يصدر منهم اي فعل او اقرار لعمل غيرهم يجعل من التطبير والطقوس الاخرى اساليب مقبولة للتعبير عن الحزن والمواساة للامام الحسين فضلا عن اعتبارها من الدين فكيف بنا اليوم نعتبرها من شعائر الله ؟!!!
مالكم كيف تحكمون هل نحن اعلى مستوى من الائمة او اكثر فهما للدين منهم ام اكثر حبا للامام الحسين ام اكثر حزنا عليه منهم حتى نبتدع اساليب مغايرة لما كانوا عليه بل مخالفة لما يريدون ثم ندعي باننا من اتباع اهل البيت فهل ان اتباعهم يكون بمخالفتهم ؟!!!
ام هو اتباع الهوى والطاعة العمياء الجاهلة لمن لا يستحقونها !!!
رواية المحمل
يستدل البعض برواية المحمل المعروفة على استحباب اوجواز الطقوس التطبيرية حيث ورد فيها بان السيدة زينب عليها السلام ضربت راسها بالمحمل عندما رأت راس الامام الحسين عليه السلام محمولا على رمح ويؤخذ الى قصر عبيد الله بن زياد في الكوفة بعد ان جيء به مع الرؤوس والسبايا من الطف وهذه الرواية حققها الكثير من اهل العلم واثبتوا بانها مرسلة وراويها ضعيف ولم تذكر في كتب العصور الاولى بعد وقوعها وانما ذكرت اولا بعد عدة اجيال من الواقعة من قبل المجلسي في كتاب بحار الانوار (ج 45 ص 114) غير مسنودة اضافة الى انها معارضة بروايات اخرى اصح واوثق منها حيث ان العلماء الاوائل يشيرون الى ان الجيش اليزيدي كان قد رحل راس الامام الحسين الى قصر عبيد الله بن زياد بعد زوال يوم العاشر من محرم ورحلت قافلة السبايا الى نفس المكان يوم الحادي عشر منه ( الارشاد للشيخ المفيد ص243) اي ان الحادثة كما وردت في الرواية لا يمكن ان تحدث واقعيا للفرق الزمني المذكور وهذا الفيصل في الامر .
ومن جهة اخرى فان هذه الرواية لم ترد عن الائمة من اهل البيت عليهم السلام وهم الاولى بالموضوع والاقرب الى زمن الواقعة والاكثر حرصا على تبليغ الشريعة للناس وقد كان الامامان الباقر والصادق على وجه الخصوص مدرسة فاعلة لنشر الاسلام ادابا وعقيدة وفقها وكان دورهما مشهود له من المخالفين قبل غيرهم فهل يعقل ان واقعة الرواية موجودة ولكنهما غفلا عنها او اهملاها ولم يذكراها لشيعتهم مع انهم حريصون جدا على ذكر ما هو ادنى من هذا بكثير من الامور الاسلامية والتاريخية . ان عدم ذكر الائمة لها مع مالهم من فسحة في ذلك يؤكد الراي القائل بعدم حصولها .
ولو افترضنا جدلا صحة هذه الرواية وان السيدة زينب ضربت براسها المحمل فكيف نستدل بهذا على صحة التطبير اي ضرب الرؤوس بالات جارحة حتى الادماء فهي لم تفعل ذلك وشتان بين ضرب المحمل بالراس وضرب الراس بالطبر اضافة الى ذلك فان الذين يطبرون يضربون رؤوسهم عامدين مختارين بينما السيدة زينب لم تكن كذلك على افتراض صحة الرواية وحاشاها ان تفعل ذلك علما انه لا الروايات ولا التاريخ ذكرا لنا انها فعلت ذلك مرة اخرى .
وبعد هذا فلا يجوز الاستدلال على صحة التطبير بالقياس على ضرب المحمل بالراس .
واقول كيف يمكن لاحد ان يتصور بان السيدة زينب يمكن ان تفعل ذلك وهي التي لم تفعله ولا اقل منه حينما كانت شاهد عيان على الفجيعة باكملها وترى اخاها وابناءه واهل بيته واصحابه يستشهدون واحدا بعد الاخر وفي مشاهد ماساوية مروعة بل على العكس من ذلك تماما فقد كانت صابرة محتسبة امرها الى الله تعالى مؤمنة بقدره حتى قالت (اللهم تقبل منا هذا القربان ) ومارست دور القائد الفعلي لمن تبقى من قافلة الامام الحسين وضربت اروع الصور بالصبر والتحمل وبدرجات فوق مستوى عامة البشر لانها رضعت القضية منذ طفولتها فقد كان اهل الكساء (جدها لامها رسول الله وابوها الامام علي وامها فاطمة الزهراء واخواها الامامان الحسن والحسين عليهم جميعا افضل الصلاة والسلام ) يعلمون ما سيحصل للامام الحسين عليه السلام تعليما من رسول الله (ص) تبليغا من جبرائيل عليه السلام مما يعني انها لم تتلق الفاجعة فجأة لتولد عندها صدمة كما يحصل لعامة الناس اضافة الى انها بالاساس ذات مستوى نفسي وتربوي وديني يجعلها تحتوي الفاجعة وتسيطر على اثارها النفسية والفكرية وهو ماحصل تاريخيا ويدل عليه قولها لاخيها الامام علي بن الحسين زين العابدين (لا يجزعنك ماترى فوالله ان ذلك لعهد من رسول الله الى جدك وابيك وعمك / كامل الزيارات لجعفر ابن قولويه ص 445 ) وكذلك يشهد عليه مسار الاحداث مابعد الفاجعة وخصوصا موقفها في قصر يزيد بن معاوية.
وبعد كل ماتقدم فان هذه الرواية لايصح الاستدلال بها على صحة مثل هذه الافعال والممارسات .ومن يمتلك الدليل الشرعي الصحيح فعليه ان يقدمه .
الشعائر التطبيرية اللطمية والعقل
بعد ان بينا بان هذه الشعائر لا تمت للاسلام بصلة فليس لها اصل في القران ولا في السنة النبوية نعرج الى العقل الراجح ذي الفكر السليم لا العقل المرتبط بالهوى ونعرض عليه الشعائر لنتبين موقفه منها حيث ان هذا العقل مما دعا اليه الاسلام فقد قال سبحانه حاكياً عن النبي إبراهيم (ع) 🙁 قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُمْ هذا فَاسْئَلُوهُمْ إِنْ كانُوا يَنْطِقُون * فَرَجَعُوا إِلى أَنْفُسِهمْ فَقالُوا إِنّكُمْ أَنْتُمُ الظالِمُون/ الاَنبياء 63 – 64) وقال سبحانه) فبَشِّر عِبادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَول فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئكَ الّذينَ هَداهُمُ اللّهُ وَأُولئِكَ هُمْ أُولُوا الاَلْباب / الزمر17ـ 18( ويذكر الكثير من المفسرين بان المراد من القول الاَحسن، الواجب الاتّباع هو ما يدركه الاِنسان بعقله. وكذلك تكررت في القران كثيرا ايات مثل (لآياتٍ لقومٍ يَعْقِلُون (و(أفَلا تَعْقِلُون) و(ما يَعْقِلُها إِلاّ العالِمُون) .
ونعتقد بان الاهداف العقلية التي يدعو لها انصار التطبير من خلال الشعائر التطبيرية اللطمية هي بيان مظلومية اهل البيت ونصرتهم وحبهم وقد يقول البعض بان من اهدافها الدعوة الى الاسلام .
اما القول باننا نفعلها حبا بالامام الحسين عليه السلام وتنفيذا للاية الكريمة (قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى / الشورى 23) فعلينا ان نعرف موقفه منها ومعنى الحب الشرعي قبل ان نطبق ما نجهل انه يريده وحيث ان الشعائر ليس لها دليل شرعي فان الامام الحسين لايمكن ولا يعقل ان يقبل بفعل ليس له دليل شرعي لان في هذا مخالفة واضحة للشريعة وهو الامام الذي دوره المحافظة عليها ،واما الحب الشرعي في القران فانه المتمثل بالاية الكريمة (قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم/ ال عمران- 31) اي ان الحب يقتضي الاتباع الصحيح واي اتباع غير صحيح فانه ليس حبا شرعيا وبالتالي يتحمل فاعله عواقبه امام الله تعالى .
اما قول البعض بان الشعائر اللطمية هي احدى اساليب بيان ماتعرض له اهل البيت من ظلم من قبل حكام الجور فان الدعوة العقلية لبيان مظاومية الامام الحسين عليه السلام تقتضي بيان حقه وفضله وصواب موقفه وباسلوب صحيح مقبول وان نثار له ولثورته ولحقه بتحقيق الهدف الذي خرج من اجله وبالسير على نهجه الم يصرح الامام الحسين عليه السلام علنا بانه خرج لطلب الاصلاح في الامة اي من اجل محاربة الفساد المالي والاداري والاخلاقي ومن اجل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب ومن اجل حفظ المال العام وحماية الناس وغير ذلك من الاهداف السامية التي ضحى الامام الحسين من اجلها ، فهل ان الشعائر اللطمية التطبيرية تحقق هذه الاهداف.
ومن جهة اخرى فان الدعوة الى الاسلام والى اهل البيت لا تكون صحيحة الا اذا كانت على وفق الضوابط القرانية التي منها الحكمة والموعظة الحسنة (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن ان ربك هو اعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين /النحل 125) فانها السبيل الذى امرنا باتباعه ولانه يمكن ان يؤدي الى النتائج المطلوبة وليس الشعائر اللطمية التطبيرية فهل يجوز مثلا ان نخاطب الشعوب الاوربية والامريكية والاسيوية بضرب الرؤوس بالقامات واللطم الاستعراضي وضرب الظهور بالزناجيل والمشي على النار والدوران حولها باعتبارها اساليب لاظهار العقيدة الحسينية وندعي ان هذا اسلوب لدعوتهم الى الاسلام او لبيان فضل اهل البيت ومظلوميتهم هل نخاطبهم على وفق حضارتهم بما لا يخرج عن الاطار الشرعي الاسلامي ام نستخدم الدماء والاذى الجسدي وبصورة مقرفة وغير مقبولة و لاتتماشى مع العصر ولا يمكن قبولها من الاخر .
ان هذه الشعائر تضر بالاسلام اكثر مما تنفع فهي تظهره عقيدة دموية سلبية ترغب الناس بضرب انفسهم بالات جارحة واخراج دمائهم وكأن المتأسى به وهو الامام الحسين كان عطشانا للدماء او محبا لاخراج دمه بهذه الطريقة مما يشوه صورة الاسلام والامام الحسين .
ومظلومية الامام الحسين يمكن بيانها بطرق اخرى عديدة خالية من الدماء والصور التي تنفر منها النفس البشرية خاصة واننا نخاطب عالم متعدد الثقافات والحضارات فيفترض بنا ان نخاطبهم بالطرق التي يفهمون ام يتخذونها سبلا للمعرفة وبما يظهر سماحة الاسلام ويمجد شخصياته ومنها الامام الحسين
لقد ورد عن اهل الييت عليهم السلام وصية مهمة لشيعتهم وهي كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا والزين المطلوب هو التوافق في السلوك والاخلاق مع الشريعة بما يترك عنهم صورة حسنة عند الاخرين وال(شين) هو ماخالف الشريعة وسبب نفرة الاخرين من الشيعة فهل ان التطبير الدموي والزناجيل الدموية واللطم الاستعراضي والمشي على النار والدوران حولها يحقق طلب الاصلاح ووصية اهل البيت فيجعل المسلمين الاخرين وباقي الامم ينظرون الى الشيعة باجلال من خلال الدماء والممارسات النارية ام العكس هو الحاصل فعلا وهل نحن نطبق وصية اهل البيت بهذه الشعائر ام اننا نسير باتجاه مخالف لما يريده الائمة ؟.
ماذا بقي بعد ذلك لمن يدعون الى هذه الشعائر اللطمية
وهكذا تبين لنا ان اللطم الاستعراضي والتطبير والزنجيل والمشي على النار والدوران حولها ليست من شعائر الله بل من شعائر الناس وممارساتهم الاجتماعية التي لاتمت للدين بصلة فقد ابتكروها تلبية لحاجات نفسية معينة او ردود افعال فكرية وسلوكية على الاضهطاد الذي تعرضوا له او هي تداخل ثقافات غريبة عن الاسلام وبالتالي فانها ليست استجابة لامر الهي على الاطلاق.
وحيث انه لايوجد دليل من القران ولا من السنة على الدعوة لهذه الشعائر التطبيرية اللطمية النارية ولا على فعلها ولا قبولها ولا على كونها موافقة للاسلام فانها عمل محدث ليس له اصل وعلى هذا فانها تعتبر بدعة وكل بدعة ضلالة كما في الحديث النبوي الشريف فهل ننبه انفسنا وعوائلنا واقربائنا واصدقائنا بذلك ونتمسك بالقران والسنة النبوية الصحيحة التي امرنا بالاخذ بها (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ /الحشر 7) ومنهاج اهل البيت عليهم السلام الذين امرنا النبي محمد (ص) بالرجوع اليهم والتمسك بهم (اني تارك فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي ) ام نترك ذلك كله ونطبق سلوكيات غير اسلامية كالتطبير واللطم الاستعراضي والضرب بالزناجيل والمشي على النار والدوران حولها استجابة لمن يجهلون حقيقة ما يدعون اليه لافراغ العقول من زادها حتى يستطيعون قيادتها وتوجيهها كيفما يشاؤون .
لماذا لانترك مانهانا عنه الشرع فنخلص انفسنا من تبعات ذلك دينيا واخرويا ونتمسك بما جاء به الشرع الحنيف
لماذا لانؤكد على ما يسمح به الشرع من الشعائر الدينية المتعلقة بالقضية الحسينية كحلقات الدرس وذكر الله وبيان دور وفضل اهل البيت .
تلك هي دعوة للتذكير ليس الا
( ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وانت خير الفاتحين /الاعراف 89)

أحدث المقالات