23 ديسمبر، 2024 12:19 ص

ماجدوى الاسراع لرجوع للاتفاق النووي مع ايران

ماجدوى الاسراع لرجوع للاتفاق النووي مع ايران

لا يُخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين حول التوصل إلى اتفاق نووي ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس فقط تخفيف العقوبات، فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي.

استأنفت إيران تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20٪ في منشأة “فوردو” السرية المبنية فعلاً داخل جبل. ومع تخصيب هذا العنصر الكيميائي إلى هذا المستوى، لن تكون إيران بعيدة عن إنتاج المواد الانشطارية اللازمة لصنع أسلحة نووية. وهذا بالتأكيد أكثر الخروقات الإيرانية إشكاليةً لأحكام «خطة العمل الشاملة المشتركة»، أو ما يُعرف بالاتفاق النووي الإيراني.

ولكن لماذا يحدث ذلك الآن؟ من الواضح أن إيران قررت ممارسة الضغط على إدارة بايدن، حيث تتمثل رسالتها، في الواقع، في أنه مهما كانت أولويات الإدارة الأمريكية الجديدة، فحريٌ بها التعامل مع الجمهورية الإسلامية قريباً. وكما لو أن الإيرانيين أرادوا التأكيد عن عزمهم على التصرف، كونهم مشكلة يجب معالجتها، فقد استولوا أيضاً على سفينة مسجلة في كوريا الجنوبية في مضيق هرمز.

ومن الواضح أن انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني وفرضها أقصى درجات الضغط الاقتصادي لم تنجحا في تغيير السلوك الإيراني، لكنهما نجحا بالتأكيد في إلحاق ضرر كبير بالاقتصاد الإيراني. واليوم تحتاج إيران إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها وتريد من الولايات المتحدة الوفاء بالتزاماتها بموجب «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي.

وبعد أن سبق للرئيس جو بايدن أن أبدى رغبته في السعي لإعادة الانضمام إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة»، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ألا يكون الإيرانيون يطرقون بذلك باباً مفتوحاً؟ ليس هذا ما يحصل فعلياً، لأن موقف الرئيس بايدن هو الامتثال مقابل الامتثال، مما يعني أنه لا يمكن للولايات المتحدة رفع العقوبات قبل عودة الإيرانيين إلى الامتثال لشروط الخطة – ووفقاً لمعظم التقديرات، سيستغرق هذا الأمر بضعة أشهر [لضمان] حصول ذلك. (إن معاودة الامتثال ليست بسهولة كضغطة زر؛ ولإعطاء مثال واحد فقط على ذلك، جمعت إيران أكثر من 2400 كيلوغرام من اليورانيوم المخصب، أي ما يقرب من 12 ضعف الكمية المسموح بها في «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وسيستغرق الأمر وقتاً لتصديره أو تخفيفه). بالإضافة إلى ذلك، يطالب الإيرانيون بتعويضات عمّا كلّفتهم العقوبات ويصرون على أن تقوم الولايات المتحدة، وليس إيران، بالخطوة الأولى. وجدير بالملاحظة أن آية الله علي خامنئي شدد مؤخراً على أن الغرب ملزم برفع العقوبات على الفور، معلناً في الوقت نفسه “أننا لسنا في عجلة من أمرنا لعودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة». فهذه ليست المشكلة بالنسبة لنا. … إذا لم يتم رفع العقوبات، فقد لا تكون عودة الولايات المتحدة إلى «خطة العمل الشاملة المشتركة» لصالحنا. (…) وبالطبع، إذا عادوا إلى التزاماتهم، فسنعود إلى التزاماتنا”.

وبعبارة أخرى، تقع المسؤولية على عاتق واشنطن، والغرض من أعمال إيران الاستفزازية هو دفع إدارة بايدن إلى نزع فتيل المشكلة من خلال تخفيف العقوبات على إيران قبل القيام بأي خطوة أخرى. وفي حين قد يكون الرئيس الأمريكي مستعداً لتقديم الإمدادات الإنسانية والطبية، إلّا أن شرطه بالامتثال مقابل الامتثال يشير إلى أن تخفيف العقوبات غير ممكن طالما تنتهك إيران «خطة العمل الشاملة المشتركة».

وتتمثل إحدى الطرق الكفيلة بكسر الجمود وجعل الضرورة فضيلة هي قيام الولايات المتحدة بتحويل تركيزها من معاودة الانضمام إلى الاتفاق النووي بعد عودة إيران إلى الامتثال الكامل، إلى اتفاق قائم على مبدأ “أقل مقابل أقل”، أي أن تخفف الولايات المتحدة العقوبات بدرجة محدودة، بينما تتراجع إيران عن أعمالها المخالِفة للامتثال. على سبيل المثال، أن تسمح واشنطن لطهران بالوصول إلى بعض حساباتها المجمدة في الخارج، مقابل وقف إيران لعمليات التخصيب إلى نسبة 20٪، وتقليص مخزونها من اليورانيوم منخفض التخصيب من أكثر من 2400 إلى 1000 كيلوغرام، وتفكيك مجموعات أجهزة الطرد المركزي المتقدمة لديها.

وسيكون هناك العديد من الفوائد لمثل هذا الاتفاق المتمثل بـ “الأقل مقابل الأقل”: فسيقلص البرنامج النووي الإيراني بطريقة من شأنها أن تمدد زمن تجاوز العتبة النووية وتجعله أقل تهديداً؛ كما سيحافظ على نظام العقوبات الخاص بالولايات المتحدة وبالتالي على نفوذها، وسوف يُكسب واشنطن الوقت لمحاولة إنجاز الاتفاقات طويلة الأجل التي يسعى إليها الرئيس بايدن والتي يأمل أن تمدد أحكام انقضاء الاتفاق النووي من جهة وتؤدي إلى تفاهمات موازية بشأن الصواريخ الباليستية وسلوك إيران في المنطقة من جهة أخرى. بالإضافة إلى ذلك سيسهّل هذا الاتفاق إلى حد كبير كسب بعض التأييد من الحزب الجمهوري نظراً لمعارضته شبه الموحدة لـ «خطة العمل الشاملة المشتركة»، حتى وإن كان ذلك سيحد من التهديد النووي الإيراني الذي هو من تركة ترامب. وأخيراً، هناك احتمالٌ أكبر في أن يؤدي هذا الاتفاق إلى طمأنة الإسرائيليين والإماراتيين والسعوديين الذين يخشون العودة المبكرة إليه، في حين أن رفع جميع العقوبات المتعلقة بالبرنامج النووي لن يعطي الإيرانيين سبباً يُذكر لتغيير سلوكهم المهدّد في المنطقة.

ولا يُخفى أن المفاوضات مع الإيرانيين ليست سهلة على الإطلاق. ولكن إذا أرادت إدارة بايدن إجراء مفاوضات متابعة تتطلب الحصول على المزيد من جهة الإيرانيين بينما تمنحهم أيضاً المزيد من حيث الفوائد الاقتصادية وليس فقط تخفيف العقوبات – وهو أمر سيتطلب دعم الكونغرس – فقد يكون من المنطقي عدم الانضمام مجدداً إلى الاتفاق النووي. بعبارة أخرى، إذا أرادت واشنطن الوصول إلى “المزيد مقابل المزيد”، عليها أن تبدأ بالأقل مقابل الأقل.

تم الإعلان عن الاتفاق النووي الإيراني في 14 تموز/ يوليو 2015 بعد خلافات حادة استمرت أكثر من عشر سنوات بين إيران والدول الكبرى متمثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا المعروفة بمجموعة 5+1. ويشمل الاتفاق تقليص النشاطات النووية الإيرانية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران بشكل تدريجي. غير أن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحب من الاتفاق بشكل أحادي الجانب وفرض عقوبات قاسية ضد إيران.

واشنطن تفضل الخيار الدبلوماسي وتل أبيب توافق وتجهز لبديل عسكري

قالت الإدارة الأميركية إن الرئيس جو بايدن ما زال يعتقد أن المسار الدبلوماسي للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران هو أفضل خيار. من جهة ثانية، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس عن قبول تل أبيب للاتفاق بشروط، مشيرا إلى تجهيز خطة تشمل استخدام القوة ضد طهران.

و أن العودة للاتفاق تعيد القدرة للمجتمع الدولي على مراقبة البرنامج النووي الإيراني، وأضافت أن المسار الدبلوماسي هو أفضل طريق للمضي قدما بشأن إيران.

و أن العودة إلى الفترة الزمنية التي كنا نطلع فيها على قدرات إيران النووية، هي الخطوة المثلى، بحيث يمكن العمل مع الشركاء الدوليين لمحاسبتهم.

وتم حث إيران على العودة إلى المفاوضات النووية دون تأخير، والامتناع عن المزيد من التصعيد بشأن برنامجها النووي.

وإن واشنطن على استعداد لرفع جميع العقوبات غير المتوافقة مع الاتفاق النووي، إذا استأنفت إيران الامتثال لجميع التزاماتها بموجب الاتفاقية، وأضاف أن فرصة الامتثال الكامل المتبادل للاتفاق لن تدوم إلى الأبد.

من جهته، طالب مندوب إيران لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية كاظم غريب آبادي الولايات المتحدة برفع العقوبات عن بلاده بشكل فعلي، وأوضح أنه من دون تحقيق هذا الشرط لا يمكن مطالبة إيران بالعودة للمفاوضات.

وذكر أن المحادثات بدأت في أبريل/نيسان في فيينا، لكنها متوقفة اليوم بين إيران والقوى الخمس الكبرى التي لا تزال موقعة على الاتفاق الدولي حول الملف النووي الإيراني، في محاولة لإفساح المجال أمام عودة الولايات المتحدة إليه.

وينص هذا الاتفاق -الذي أبرم في 2015- على تخفيف العقوبات عن طهران مقابل تعهدها بعدم امتلاك سلاح ذري، والحد بشكل كبير من برنامجها النووي الذي وضع تحت رقابة الأمم المتحدة. لكن الغرب يتهم طهران بأنها تخلت تدريجيا عن أغلب التزاماتها الواردة فيه بعد انسحاب الولايات المتحدة منه من جانب واحد عام 2018.

من جهة ثانية، نقلت مجلة “فورين بوليسي” (Foreign Policy) عن وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس قوله إن إسرائيل يمكنها أن تتعايش مع العودة للاتفاق النووي مع إيران، ولكن بشروط.

وأكد غانتس أن إسرائيل مستعدة لقبول عودة القوى الغربية إلى الاتفاق النووي الإيراني، لكن في حال فشلت المفاوضات مع طهران، فيجب على الولايات المتحدة أن تقدم على خطوة جادة تجاه إيران.

وأضاف غانتس أن مسؤولين إسرائيليين يتوقعون أن تشمل خطة الولايات المتحدة البديلة عقوبات اقتصادية واسعة على إيران.

وكشف أن جهات إسرائيلية تمارس ضغوطا على الإدارة الأميركية لتجهيز خطة تشمل اللجوء إلى استخدام القوة ضد إيران، كما ألمح أن لدى إسرائيل ربما خطة ثالثة تنطوي على عمل عسكري.