23 ديسمبر، 2024 4:06 م

مات فنان الشعب الملتزم فؤاد سالم

مات فنان الشعب الملتزم فؤاد سالم

قبل أيام غادر عالمنا المطرب العراقي الكبير فؤاد سالم صاحب الحنجرة القوية ، الذي طالما اطربنا بصوته الرخيم الحزين وفنه الملتزم الرفيع ، بعد حياة عريضة ومسيرة غنائية ثرية زاخرة بالعطاء الفني ، وهب فيها الشعب العراقي والعربي أجمل الأعمال الغنائية والألحان الموسيقية ، مخلفاً ثروة فنية ستبقى خالدة على مر الأزمان ، تاركاً بموته حزناً في العيون ، وغصة في الحلوق ،  وحسرة في القلوب .
فؤاد سالم ، ابن البصرة الفيحاء، هو احد اعلام وعمالقة الفن الغنائي العراقي ورواده في السبعينيات من القرن الماضي ، اشتهر بالمواويل البغدادية والمقامات العراقية والاغاني الوجدانية والانسانية والوطنية والسياسية المقاتلة المكافحة ، في زمن صعب كان فيه الشعب العراقي أحوج ما يكون للكلمة والاغنية الوطنية والثورية الملتزمة ، في صراعه وكفاحه ضد الممارسات القمعية الاستبدادية  الشرسة للنظام الدكتاتوري الغاشم ، فكانت اغانيه تتردد على السن العراقيين ، هذه الأغاني التي اسهمت في ايقاظ واذكاء الوعي الوطني والسياسي المتوقد وبث روح النضال والكفاح والمقاومة والتحدي ضد نظام الظلم والقهر والعسف والاستبداد ، ولهذا استحق عن جدارة لقب “فنان الشعب العراقي ” .
فؤاد سالم مطرب قدير وفنان حقيقي أصيل وملتزم نذر حياته وكرس فنه لخدمة قضايا وطنه وشعبه ، وترك بصمات واضحة ومميزة في زوايا ومساحات المشهد الابداعي الغنائي والموسيقي العراقي المعاصر .
بدأ فؤاد مسيرته الطويلة مع الغناء في الستينيات متأثراً بالمطرب العراقي الكبير ناظم الغزالي ، وتناغمت الحانه ومواويله البغدادية واغانيه التراثية بمياه دجلة والفرات وشذا نخيل العراق . ونحن الفلسطينيين الصامدين في وطننا وفوق ارضنا كم نعشق الأغاني العراقية التراثية والمواويل البغدادية ، التي لا نمل من الاستماع اليها ،  ولنا شغف كبير بها ، وكانت قلوبنا تتراقص فرحاً واحساساً نابضاً كلما تبث على امواج الأثير اغنية جديدة لفؤاد سالم بصوته المميز ، الذي له وقع خاص وأثر بالغ في النفس والروح والوجدان .
فؤاد سالم انتمى لفن الالتزام الملتحم بحركة التاريخ وقضايا وهموم الناس ، ووقف في صف النخب والطلائع العراقية المناضلة المنضوية في اطار الحزب الشيوعي العراقي ، ولذلك عانى الملاحقات السياسية ومنع من الغناء مثلما منعت أغانيه في الاذاعة والتلفزيون ، ولكن رغم هذا المنع لم ينقطع العراقيون عن الاستماع والاصغاء الى اغانيه ، التي كانت تتداول كالمنشور السري على الاشرطة والكاسيتات بين الاوساط الشعبية العراقية . وحين شنّ النظام السياسي الحاكم في العراق حملات القمع والارهاب الفكري ضد اصحاب الفكر التقدمي المتنور من شيوعيين ويساريين ، ترك فؤاد سالم العراق لاسباب سياسية وخوفاً من الاغتيال والتصفية الجسدية ، فتوجه اولاً الى الكويت ثم الى عدن فامريكا الى ان استقر في دمشق ، التي بقي فيها حتى رحيله عن الدنيا . وفي دمشق عاش مغترباً ، وشارك في احياء الحفلات الغنائية ، وكانت اغانيه تصل الى العراق عبر جبال كردستان ، وطوال أيام غربته ظل في حنين دائم وشوق ملتاع لرؤية وطنه الام الذي غادره قسراً .
غنى فؤاد سالم للحب والفرح والحزن والامل والتفاؤل ، وغنى للمقاومة وللعراق وكل مكان فيه ، وهتف لجموع الشعب ، للعمال والفلاحين والكادحين ، وعبرّت اغانيه عن المشاعر الطبقية والانسانية الدافئة ، المنحازة دائماً وأبداً لاسمى قضية في الوجود ، قضية الطبقة العاملة الكادحة ، قائدة الثورة وصانعة التاريخ والمستقبل الاجمل .
فؤاد سالم قامة غنائية وموسيقية شامخة وايقونة الفن الغنائي العراقي الحديث ، غنى فأجاد واطرب واثار الاعجاب والتقدير ، انه صوت غنائي مخملي حنون طالما يجود الزمان بمثله . فوداعاً يا نخلة العراق الباسقة ، وستظل اغانيك تتردد في سماء الوطن ، وسيبقى اسمك تاجاً ودراً محفوراً في صفحات التاريخ الغنائي العراقي والعربي ، وسلاماً على روحك .